اتصل بادارة الموقع البحث   التسجيل الرئيسية

 


العودة   منتديات عاصمة الربيع > الاقسام العامه > القسم العام

القسم العام للنقاش الهادف والبناء والمواضيع العامه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-10-07, 06:39 PM   رقم المشاركة : 1
صقر حرب
عضو برونزي
الملف الشخصي







 
الحالة
صقر حرب غير متواجد حالياً

 


 

من يهز الغصون حين ترحل الريح

مطر يدرز الفضاء ولا يلوي على شيء، ساعة تمضغ النصف الأخير من الليل ولهب موقد يغسل رداء العتمة في غرفة تفيض من الأشياء على الفراغ.


امرأة أكل الزمن ضفائرها وقلبها أرخت على كرسي جسدا يحمل في حناياه فناءا موءودا ، شال ذهبي يندلع على كتفيها، وجفنان مخضبان بالدمع يتلحفان عينين ضيقتين . حين يغرز الليل أصابعه في انتظارها يزداد كل شيء رعونة، تختنق بسعالها وينطلق من صدرها صفير يكسو وجهها المغضّن وكأنه وجه فزّاعة متقاعدة تهدلت معالمها.

تتنهّد علّها تزيح الجهات بعيدا عن صدرها، لكن كيف نردم حفر الليل في العروق حين يدسّ الحزنُ قبضته بها ؟ لقد ابتلع المحتل بعض أرضها وناسها، وكل أفراحها، الأبناء في قريتها نذرتهم أمهاتهم للأحزان منذ بدأوا يتهجون أحرف المشي، يزرعونهن بالبطولات ويحصدونهن مواسم شهداء وأرواح حبلى بالكرامة تسري إلى السماء على براق من دم.


ارتجلت لموقدها نطفة من ذاكرة لزوج مرّ عليه القبر ، وولد تخشى الغفوة الأخيرة قبل أن تراه ، ذاك الغائب عن العين والنابت على أهداب القلب وعدها في آخر رسائله أن يأتي لزيارتها ، ذاب في سهرها ألف ليل على هذا الكرسي ، وهي تحبس أنفاسها علّها تسمع وقع خطواته وما من أحد يجاذبها أطراف الحزن.

تمرّ صورة زوجها وهو يغطي رأسه بحطّة وعقال ، ويشقّ طريقه على صهوة حصانه الأبيض إلى أرض تستلقي هادئة على كتف جبل يتلفع بأشجار زيتون تفرش الحقول، وأشجار ليمون تترنح أغصانها بثقل الثمار، ويمرّ من وسطها جدول صغير شجيّ الهمس .

كان مع رفاقه من أهل القرية يريقون أيامهم في خضرة حقول ، يحرثونها ويزرعونها حتى تشتعل الشمس فيسترخون في ظلّ أشجار صفصاف أرخت جدائلها . وفي مواسم القطاف يشتدّ نبض الأرض في سواعدهم فيلتهمون حقول الحنطة بمناجلهم ثم يعبئون حبات الزيتون في أكياس ويذهبون بها إلى عصارة القرية لكبسها فيسيل الزيت الأصفر ويجنون ثمار مواسمها.




لأكتب على جبين المرج موال

تراب الوطن ما نبدّلوا بأموال

لا تحسبوا بجرّة قلم تتملكوا

هالأرض مش شروى ولا أقوال



عندما تذوب ملامح البيوت داخل غبش المساء يتجمعون بساحة البلدة حيث ترتدي نساؤهم أجمل حليهن وملابسهن المخملية، ووسط زغاريد تشق الفضاء كان هو ورفاقه يتراصون كأنهم حبل طويل ممتدّ على الجانبين، كتف إلى كتف وخاصرة إلى خاصرة ، يدكّون الأرض بعنف، يلوحون بمناديل بيضاء ويطوفون بحلقات الدبكة مرات ومرات وهم يرددون سحبة عتابا تعلو على كلّ سمفونيات العالم:


هبت النار والبارود غنى

أطلب شباب يا وطن واتمنى

هبت النار وبراس الخروبة

القدس بتنادي شباب العروبة



عندما طوى الموت زوجها قلعوا أشجار الزيتون ، لكن لبن الأرض لم يجفّ .



كان يبحث عن عمل في النهار وأمل في الليل، لكنه كان قليل القدم في قرية تحتشد بالجوع وتجهض أحلامها تحت قبعات العسكر قبل أن ينضج القمح، وتحوّل إلى حجر طاحون يدور على لحم نفسه ولا تجني يداه إلا قبض ريح .

ضاقت عليه البلد بما ظلمت فجمع ظلّه في حقيبة سفر امتشقها وحثّ الخطى باتجاه الحدود. حين ودعها وضعت له وعاءا من الزيتون وآخر من ماء البئر وغرفت له من شعرها الأبيض ألف دعاء وأمنية.

ابتلعته الغربة وهو يجمع المال ويتملق سنينها كي تنتهي، مرّغ المنفى وجهه بوحل الغياب، وما من كفّ تمسح تعبه. تساقطت الأعوام على صلعة تتمدد بخجل في رأسه و أحلام تسيّره في غفلة من ذاته .

"ودّ لو أنه بقى في قريته يسقي ترابها ماءا وعرقا ، ودّ لو تحول إلى زيتونة يتصل شريانها برحم الأرض"


كان كلما عبر جروح النهار ودخل وحيدا في الليل، يجلس على تعبه ساهم النظرات شارد اللبّ ، يعتّم غرفته بدخان سجائر يتلاحق من فمه ويسفح الوقت وهو يتهجى ملامح أمه، يغزل المسافات بينهما بحروف خضراء تتساقط من قلمه كلّما فرك به روحه، وينبعث منه صوت دامع يتعالى في الحنين"


يا حادي العيس سلم لي على أمي...واحكي لها ما جرى واشكي لها همي



بينما عقرب الساعة يرسم مدار كوكبه ليزيح الليل عن حواشي الأفق ويحفر النهار، كانت عجلات سيارته تأكل أبعاد الطريق وتداعب زفراتها العشب على جوانبه ، بينما تعبر عيناه فضاءا يمتد تارة ويعوج أحيانا. استسلم لخياله يصطاد الدقائق الآجلة

"بدأ منزله يتجسد على البعد، نزل من السيارة وصعد درجات مزنّرة بحبال قديمة إلى فناء واسع تنتصب في وسطه شجرة ليمون تفرّ من نفسها ورقة ورقة، ومن فم الباب أطلت عيناه تمسحان الغرفة.. تسمّر لبرهة كأنه بوصلة تبحث عن زمانها فتتفقدها الجهات.

كان رأسها قد بدأ ينوس فوق صدرها مثقلا بالنعاس، حين سمعت صوت خطواته المتعثرة صارت خفقات قلبها شراع همست له الريح ... سابق إليها ظلّه وارتمى عند قدميها يجهش بالبكاء ، طوقته بذراعين ترابيتين ، مررت أصابع مدهونة بالحناء بين رأسه وأذنيه وروت الأرض بدموعها " إيه يا عشب الروح ورائحة العيد، ما كان أحوجني إلى غيمة تصب الحياة في روحي المقفرة".

انتبه فجأة إلى حاجز لاح أمامه فتسارعت دقات قلبه وتساقطت رغم البرد حبات عرق من وجهه. طالعته خوذات معتمة وفوهات بنادق، وتدافعت الأسئلة :من أين..وإلى أين؟".

أخذوا حقيبته وراحوا يعبثون بمحتوياتها ، "للهواء طعم مرّ هنا"، تلا ما احتفظت به الذاكرة من آيات القرآن وهو يسأل ساعته عما مضى من وقت.


بعد دقائق عاد جندي وصرخ به "اذهب"، لم يصدق فأدار المحرك واجتاز الحاجز ثم أرخى العنان لسيارته حتى وصل إلى مدخل البلدة التي يقسمها شارع رئيسي إلى نصفين تتفرع منه على الجانبين حارات ذات جدران مقشرة مطلية بسواد يحمل أدب الصبيان في الشوارع الشعبية، ويتوسطها مسجد وباحة يجتمع فيها أهالي البلدة يتناولون بالحديث كل ما يطفو على سطح الحياة.

حين وصل كان الليل قد بدأ يذوب بأنفاس النهار ، فجأة ملأ سمعه هدير آليات يهزّ الأرض.. ذعر يفترش الأزقة ، نفوس واجفة وعيون ترقب طيورا حديدية تخربش وجه السماء..وابل من الصواريخ تفجّر حمما من البراكين العضوية ، ورشاشات سريعة تكنس الأرض فتتقاطع أصوات الموت بالحياة ويستفيق في المدى مطر دموي الخطى.

حين توقف حوار الطلقات وخيم الصمت والموت ، وجدوه وقد توحّد بالأرض ، ثقب مدوّر في صدره وخيط من دم أسود ينزلق ببطء على جانب فمه، فيما انتشت من شقوق الأرض زنابق







التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 24-10-07, 06:57 PM   رقم المشاركة : 2
صقر حرب
عضو برونزي
الملف الشخصي







 
الحالة
صقر حرب غير متواجد حالياً

 


 

نسيت اقول منقووول







رد مع اقتباس
قديم 24-10-07, 10:22 PM   رقم المشاركة : 3
الرحال
عميد المشرفين
الملف الشخصي






 
الحالة
الرحال غير متواجد حالياً

 


 

نسأل الله ان يحررهم ويعيد لهم ارضهم المباركه

وتعود اشجار الزيتون تزوين الارض

ويعود الزارعون لها اكثر نشاطاً واكثر امناً

تحياتي لك اخي الكريم

صقر حرب

ونشكر لك جهودك المميزه بارك الله فيك







التوقيع :
اللهم أنك عفو تحب العفو فأعفو عني

رد مع اقتباس
قديم 25-10-07, 01:01 AM   رقم المشاركة : 4
صقر حرب
عضو برونزي
الملف الشخصي







 
الحالة
صقر حرب غير متواجد حالياً

 


 

الرحال

شاكر ومقدر لك مرورك







رد مع اقتباس
قديم 25-10-07, 01:24 AM   رقم المشاركة : 5
هنوف نجد
حاصل على وسام التميز
الملف الشخصي







 
الحالة
هنوف نجد غير متواجد حالياً

 


 

نسأل الله لهم الخلاص

يعطيك العاااااااااااااااافيه صقر حرب

مجهود طيب تشكر عليه







التوقيع :



رد مع اقتباس
قديم 25-10-07, 03:47 AM   رقم المشاركة : 6
صقر حرب
عضو برونزي
الملف الشخصي







 
الحالة
صقر حرب غير متواجد حالياً

 


 

هنوف نجد الف شكر ياغلا







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
تعريب :عاصمة الربيع

تصميم وتطوير سفن ستارز لخدمات الاستضافة والتصميم