الرسالة الاولى ...
تتعدد وسائل الاتصالات في عصرنا هذا..وسائل تختصر الأزمنة والأمكنة..تحطم المسافات
وتقرب مابين الناس ..ومنها الانترنت الذي نتواصل من خلاله الآن...ناهيك عن الهاتف
النقال الذي أصبح في متناول الصغير قبل الكبير.
ولكن..تبقى الرسائل من أجمل تلك الوسائل ، إن لم تكن أجملها على الإطلاق.
الرسالة ...
اغلى مايمتلكه الانسان لأن لها طابعاً خاصاً..
لاأدري لماذا..
ربما لأنني أجد بها جديداً مع كل قراءة..
إنها بخط اليد ..وهو مايستدل به أحياناً على جوانب كثيرة من شخصية كاتبها
بل إنها من اكثر الأشياء خضوعاً للتمحيص والتنقيح..
إذ أن الانسان قد يضطر أحياناً لتمزيق دفتراً أو دفاتراً في سبيل كتابة رسالة واحدة
تحتوي على أسطر تعد على أصابع اليدالواحدة.
يطول بنا الإنتظار لرسالة المحبوب حتى يبلغ اليأس منا منزلةً تجعلنا نكتب لأنفسنا سطوراً
من بنات أفكارنا.. ثم نذيّـلها بإسم المحبوب..لنوهم أنفسنا بأننا قد استقبلناها للتو..
وكثيراً مانصدق أنفسنا.. !!
ولنجاةأن تغني :
كم اخترعت مكاتيباً سترسلها ـ وأسعدتني وروداً سوف تهديها..!!
بالمقابل.. يكون إيصال الرسالة من الصعوبة بمكان ، واستقبالها أمرّ وأدهى..
نتاجاً للظروف المحيطة التي تجعل الأحرف تحت المجهر.
إن كان هـم علموك أن لاتخـاطبني ـ فاكتب خطاباً لنا في طي قرطاس ِ
واكتب على جانب القرطاس بالقلـم ِ ـ لا يـرحـم الله من لا يـرحــم الناس ِ
لازلت أذكر أول رسالة كتبتها فتاة كنت احبها...
كان يوماً لاسع البرودة...بعدالغروب ..لوحت بيدها من تلك النافذة..التي اتخذت منها العصافير
مسرحاً لأعذب الحان الدنيا..ولربما كانت العصافير بريئة من إجادة عزف ابسط مقامات الموسيقى
براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ولكنني أجزم أنني كنت اسمع مقطوعاتها الاسمهانية شجية لاتنكرها أذن من وقف حيث كنت اقف.
المهـم
إلتقطتُ تلك الورقة بشئ من الارتباك..الذي اعتقدت معه بأن الشمس لاتزال تطالعني..
خبئتها في جيبي.. مشيت مسرعاً .. أحسست أن عيون الكون تحملق بي..
وهكذا العشاق يخالون كل صوت ٍ يناديهم..والصب تفضحه عيونه..
التي تظهر عليها أثار الحساسية بفعل ملامسة الحبر الممزوج بالدموع.
مساكين اهل العشق ِ حتى قبورهم ـ عليها تراب الذل بين الخلائق ِ
وصلت الى البيت ..دخلت غرفتي .. أوصدت الأبواب ..
فتحتها ... آآه ..عدة كلماتٍ كانت في مجملها مجرد تعريفات للحب..مقتبسة من هنا وهناك..
أقل بكثير مما رسمته في خيالي.
بعد قراءتها مرات ومرات .. رفعت بصري الى السقف .. عندها تذكرت أناساً مررت بهم في الطريق
ولم أسلم عليهم لفرط استعجالي..!!
وجارها.. الذي كان يحدق النظر بي حين التقطت الرسالة وهو متسمراً في مكانه..
ياااه...
لم ألقِ ِ بالاً لكل هذه الاشياء الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار..نظراً لأن قلبي وعقلي
كانا محصورين في محيط رسالتها.. مما أغفلهما عما سواها..
فكرت .. تجهمت.. أبحرت خلال امواجٍ من الإرتباك عاتية..أمواج متلاطمة.. لم أقاوم جموح طبقاتها
إلا بمعاودة التأمل في سطور حبيبتي..لكي أداوي حيرتي بالتي كانت هي الداءُ..
هذه المرة..كانت الرسالة مختلفة كلياً من حيث شكلها ومضمونها..
وجدت فيها مافاتني قبل قليل..
قريت الرسالة ثم تمعنت في المضمون ـ فلا بيت يجهلني ولاحرف يخفاني
إن كل سطر ٍ فيها كان يخاطبني أنا ، إذاً فكل حرف في سطورها يعنيني أنا.. حتى فراغ مابين السطور
كان مقصوداً ليمنح انفاسي شهيقاً من البراءة .. وزفيراً من العفوية..
كانت معطرة.. مزخرفة..عواطف غارقة في العفاف ..مسبوكة على الورق الأبيض..وأبيض من الورق
بياضٌ ناصع..لايعد بياضا ً إذا ما قورن ببياض حبيبتي الذي فاض عن بشرتها حتى طال قلبها المرهف.
لونك أبيض يشبه للون الورق ـ وانت اجمل من عرفته بالوجود
استراحت نفسي..توازنت نبضات قلبي..ولكن..جاء دور الرد برسالة ٍ اكتبها انا..
كيف سأوصلها..؟ لااستطيع.. الجميع يراقبون خطواتي..أو هذا ماظننته..
لازال منظر جارها عالقا ً في ذهني..نظراته التي كانت تخترقني كالسهام روحة ً وجيئة..
وليته علم بما استوقفني حتى لايشطح الى ماهو ابعد..
إفـفـفـف ...
هل أطلب تدخل طرف ثالث كوسيط لايصال مالدي..؟
نعم.. طرف يدعى بـ (مرسول الحب) او (مرسول الغرام) او (رسول المحبين) ..
أو غير ذلك مما تتعدد مسمياته ويكون في مضمونه مؤدياً إلى روما...
لا لا .. بل يكفي نسيم الليل وشعاع الشمس ونجوم السماء..وسيقع اختياري على احد تلك الرسل
المأمونة الجانب..
وسيكون لي مع مرسول الحب وقفة أخرى حتى لانخرج عن صلب الموضوع.
على كل حال..
مرت الايام .. وتوالت الرسائل..
وكخاتمة لمشاركتي ..اليكم ماجاء في إحداها :
حبيبي (.....) تعلم أنني لاأجيدالكتابة لذلك سأختصر..
كنت استمتع بحواديت جدتي قبل النوم والان اصبحت أتحاشى الجلوس معها..
قطتي(نونو) كانت لاتنام الا معي وقد أحست بإهمالي لها فأصبحت تغيب عن البيت..
تذكر.. عندما كنت اقول لك أنني وأخواتي البنات كنا نحلم بأن نرزق بأخ ولد..؟
لقد رزقنا الله بولد ولم أفرح بقدومه لدرجة أنني لم اتدخل لاختيار اسمه.
تدنى مستواي الدراسي..
لاحظ كل من حولي حجم الانقلاب المفاجئ الذي طرأ على حالي.. وعندماأنكر يحرجني وزني
الذي نقص كثيراً... بسيطة ياحبي.. هذا ريجيم عشان الرشاقة..
ولكن ماسر اهمالي لنفسي وهواياتي.. وسهري طوال الليل وعدم تناولي وجبة الافطار..؟
كيف احببت العزلة ..وكيف كبرت فجأة..؟
يالله ياشاطر.. جاوبني بس قبلها اكتب احبك احبك احبك .
وللشـخـابيط بقـية...
اخوكم/ رهـين المحبسين