[align=center]الفكر واللغة
إن العلاقة المتبادلة بين الفكر واللغة هي جوهر التكوين الفكري والوجداني للفرد ، وهي جوهر الاتصال بين أفراد المجتمع
الواحد ، ومحور التبادل الفكري والمعرفي بين المجتمات .. وكمدخل لهذه القضية ..
و قد يكون من المناسب أن نتساءل كما يلي :
ماذا لو افترضنا أن الإنسان بدون لغة .. .. هل يستطيع التفكير ؟!
ولكي أجنبكم ـ أعزائي الكرام ـ مغبة الاختلاف بين علماء الفكر واللغة حول هذه القضية ، كما لا أريد لكم الدخول في متاهة
البيضة والدجاجة ، وما إذا كان ينبغي علينا أن نتكلم لكي نستطيع أن نفكر .. ؟! أم أن نفكر لنتكلم ؟! سأرجح ما ذهب إليه المفكر
الإغريقي أفلاطون الذي يعرف الفكر أو التفكير كما يلي : ـ
إن التفكير حوار يقوم به العقل مع نفسه حول موضوع ما .. ويضيف أفلاطون قائلاً :" يبدو لي انه عندما يقوم العقل
بالتفكير .. فهو ببساطه يتحدث إلى نفسه " ، فيصوغ أسئلة ، ويجيب عنها .. ومن ثُم يمكنني أن اصف التفكير بأنه
حوار ، والقرار ( الذي يصل إليه الإنسان نتيجة للحوار الداخلي ) بأنه تقرير يعلنه الإنسان لنفسه بصمت .
إلى هنا ينتهي كلام أفلاطون !!
وإذا سلمنا لهذا القول
فإن حديث الإنسان مع نفسه هذا الذي يسمى ( تفكيراً ) لابد وأن يسبقه تعلم الإنسان للكلام ، بفطنه
وبصوت عال ، ولا بد له أن يكون سمع آخرين يفعلون ذلك ، وينصت لفهم مايقولون فيكتسب دلالة الألفاظ وهو طفل وقبل
أن يتعلم التفكير مع نفسه فيما بعد ..
والعقل البشري
كما يؤكد علماء العقول ـ يكتسب الإدراكات الأولية عن طريق اللغة التي يتلقاها العقل منذ السنوات الأولى في
حياة الإنسان ـ ويواصل تلقيه طيلة سنوات الحياة ويدير عملياته الكثيرة والمعقدة في إطار هذه العناصر اللغوية
وتتوقف صحة عملياته ودقتها ـ إلى حد كبير ـ على حجم ودقة وسلامة المادة اللغوية المكتسبة التي يمتلكها
أو يحتفظ بها كمخزون ذهني ..
وهذا يوصلنا الى معادله منطقيه من شقين:
لغة غنية = مخزون منظم ( واضح ) = تفكير سليم = معنى بليغ ، وتعبير مؤثر
لغة ضعيف = مخزون رديء ( مشتت ) = تفكير قاصر = معنى أجوف وغير مؤثر
ومن هنا .. نستطيع الخروج بنتائج كثيره جدا ومنها :
ان اللغة الغنية
تكون أكثر دقه ووضوح ، وهذا يؤدي إلى فهم أكبرر ، مما يعني سلامة الاتصال ، وبالتالي يكون هناك تقارب فكري بين طبقات
المجتمع ، وهذا يساعد في وضوح في الرؤيا ، مما يؤدي تكوين فكر مشترك للمجتمع الواحد . مما يعني بالنهاية فهم أعمق لأمور
الحياة ، والدين، والماضي ، وكذلك المستقبل ..!! أما الاعتماد على لغة محدودة فهو يؤدي إلى عكس ذلك ..
وقد يكون من المفيد تشبيه الكاتب بالرسام ،
فالرسام وهو يرسم يعبر عن صوره ( فكره ) في رأسه ـ فتتراءى في مخيلته الألوان ( المفردات ) فيربط
بين تراكيبها في كل متناسق ليتطابق الرسم في اللوحة مع الصورة التي برأسه .
حالات استخدام اللغة
منطوقة ، مكتوبة
كان الحديث ولا يزال الأكثر استخداما وهو الأساس الأول في اللغة . إذ ان اللغة نشأت منطوقة أولا . ثم اكتشفت الكتابة فيما بعد
التي كانت في بدايتها على الأرجح أقرب الى الرسومات والنقوش، وكانت بسبب قصور ذاكرة الإنسان وعجزه عن تذكر بعض
الأشياء مع الوقت ، أو كوسيلة اتصال مع الأخر بهدف وصف مشاهدات او حيوانات غير معروفه لديه . ثم تطورت في وقت متأخر
إلى رموز ( حروف ) ـ وعلى أية حال ـ فان ما يهمنا في ذلك هو معرفة الفروقات
بين الحديث والكتابة . فالحديث يتميز عن الكتابة مما جعله أكثر استخداما للأسباب ألتاليه : ـ
• سهولته حيث أن الحديث يعد رمز صوتي واحد . بينما الكتابة تعد رمزا للرمز .
• أن الحديث وسيلة اتصال أسرع مع الآخرين
• الحيوية والدفء في الحديث . بينما تعتبر الكتابة وسيلة اتصال باردة . وأقل تأثيرا على السامع .
• صعوبة الكتابه
و صعوبة الكتابه تعود لسببين رئيسين : ـ
السبب الأول
يتعلق بمفهوم الكتابة إذ أنها تُعد رمزاً للرمز في حين ان الحديث يُعد رمزا واحدا فقط . فاللغة في أساسها وطبيعتها منطوقة
ترمز الألفاظ إلى معطيات حسية ومعنوية مثل كلمة " رداء " وكلمة " حب " . فكلمة " رداء " المنطوقة ـ عندما تستقبلها الأذن
وتحولها للمخ فانه يقوم بإجراء عمليه واحده ـ يُعيدها لمدلولها الحسي (الرمز" رداء " لديه ). ، كذلك كلمة " حب "
يُعيدها لمدلولها المعنوي
أما في الكتابة .. فكلمة " رداء " المكتوبة ـ تستقبلها العين وتحولها إلى المخ الذي يقوم بإجراء عمليتين :
1. الربط بين رسم الكلمة " رداء " على الورق ، والكلمة المنطوقة ( تهجئتها )
2. فاذا تطابقا يقوم المخ بإعادة الكلمة " رداء " لمدلولها الحسي ( الرمز " رداء ")
السبب الثاني
يعود لاختلاف طبيعة اللغة التي نستخدمها في الكتابة عن لغة الحديث .. فلغة الحديث تميل إلى الإيجاز ، وقلة الألفاظ . وذلك
بسبب الموقف المشترك ، وعدم الحاجة لذكر موضوع الحديث وقد يصل الاختصار في ذلك الى كلمه واحده للتعبير عن فكره كاملة.
فمثلاً:
لو افترضنا محادثه بين اثنين .. يعلق أحدهما على رأي الآخر بكلمه واحده مثل (( طيب )) ، ورغم أن هذه الكلمة تحتمل
معاني عديدة إلا أن الآخر يفهم ما يعني محدثه في قوله :
هل يعني (( بالتأكيد )) إن ما تقوله صحيح وأنا أوافقك على ما تقوله تماما ؟!
أو يعني (( لابأس )) قد أوافقك على ما تقوله ولكن لي بعض التحفظات ؟!
أو يعني (( أتحداك )) وانتظر لترى ما أنا فاعل ؟! طبعا ما راح يعمل شي بس تهديد بالهوى ؟!
والسبب هو
أن المتحدث يحدد المقصود من قوله بمساعدة نبرة الصوت .. ارتفاعاً وانخفاضاً ، وشدة وهمساً . وكذلك
الإشارات المصاحبة .. كنظرة تَقَبُل من عينيه ، أو هزة تردُدٍ من كتفيه ، أو إشارة تَحدًّ من يديه .
أما في الكتابة
ماذا يهز ، والى أي جهة ينظر ، وكيف يشير ؟! وكم عدد الكلمات التي يحتاجها ؟! وما هي المفردات التي يمتلكها ، وكيف يركبها في سياق الجُملْة ؟!
كل هذه الأسئلة تؤكد لنا الأهمية والصعوبة التي تكتنف قدرتنا على تبليغ أحاسيسنا ، وما يختلج بأنفسنا للآخرين .
وكيف نستطيع التأثير عليهم وإقناعهم .. ليروا بأعيننا ، ويتذوقون بمشاعرنا ، ويلمسون بأحاسيسنا عن طريق الكلمة .
وسنركز هنا على المكتوبة . لأنها أكثر انتشارا ، واقل تأثرا ، ولأنها تعد في الغالب وسيلة اتصال باتجاه واحد ..
مما يعني انه في حالة استخدام تعابير خاطئة ـ ـ يصعب علينا تصحيحها ، بل قد يكون من المستحيل توصيل التصحيح
الى كل من بلغته الكتابة . !!
يتبع [/align]