شير خان ... صغير العمر عظيم الابتلاء
لم يتمتع كثيرا برؤية والده ، فقد قتل وهو طفل صغير . كم تراه منطويا على نفسه ، شارد البال ، يلعب حينا مع الأطفال فما يلبث أن ينعزل وحده .. يأكل كبده الأسى ، وتعسره الحسرة ، ومرارة الحرمان .. ذلك هو شير خان .. طفل يتيم لم يبلغ العاشرة من عمره بعد .. ناديته يوما إلى غرفتي وجلست أستجديه الكلام .. لماذا هذا الحزن والشرود الدائم ؟ وبعد إلحاح طويل قال لي وقد اغرورقت عيناه بالدموع : جدي شيوعي ولص كبير ، أحترف السرقة والسطو منذ شبابه .. أبى وعمى أخذا منه الشيوعية واللصوصية ، ومضت بهم السنون ، وهكذا خرجت أنا وأخوتي إلى الدنيا وكلها عابسة في وجوهنا البريئة ، وأهل القرية يكرهوننا وكأن الذنب ذنبنا ، أما أبى فلقد صدمه رجل بسيارته في كابل قبل خمس سنوات إثر خلاف بينهما ، وأما عمى فلقد فقد تماما بعد مقتل أبى بسنة واحدة ، فبقيت أنا وأختي أخي وهما أصغر منى في حضن آمي المسلمة وعند جدى الشيوعي. وذات يوم أتى جدى إلى أمى وطلب منها وثيقة الأرض التى ورثناها عن أبينا ، فرفضت طلبه فألح عليها بالطلب لكنها أصرت على الرفض ، فخرج من عندنا وهو يشتم ويسب ويتوعد ، مرت عدت أيام على ذلك اليوم المظلم ، وأتى يوم أظلم منه ، كان البرد شديدا ، الليل يلف القرية بالصمت الرهيب ، أخى يلعب مع أختى ، وفجأة يغطان فى نوم عميق ، حاولت أن أنام فلم أستطع ، تقلبت على فراشى ألتمس النوم فلم أجده ، وفى تلك الأثناء سمعت جدى يصرخ : أعطنى الورقة يا مجنونة ، أعطينها يا فاجرة .. وهى تبكى وتردد : ارض أولادي ، أرض أيتام لا ، لا .. فعلا صوت الضرب والبكاء والصراخ .. هرعت إلي الغرفة .. فتحت الباب قليلا وبدأت أنظر من عين واحدة وأسمع: إذا لا تعطيني الورقة سأقتلك الآن. لا , حرام عليك آلا تتقي الله في أيتام ؟ استشاط غضبا واخرج سكينا من جيبه : تمالكني خوفا شديدا .. بدأ قلبي يرتجف في صدري .. أمسك بأمي وهي تصرخ تستغيث بالله .. أضجعها على الأرض ياإلهي ! .. يا للهول !.. ما ذا أرى ؟ هل كنت في حلم أم في يقظة؟ لم أصدق عيناي .. وضع السكين على نحرها بعد أن لف شعرها على يده وسجاها على الأرض.. أكمل شير خان .. أكمل , ثم ماذا ؟
لقد أجهش بالبكاء, وهو يصرخ: لا أريد أن أعود إلى قريتي أنا لا أريد .. أنا لا أريد .. أنا مظلوم .. أنا مسكين .. أنا أن خرجت من هذه المدرسة فمالي إلا الموت .. إلا الضياع .. أنا ليس لي أهل .. ذبحوا أمي .. أنا أنتم أهلي .. أنا أكره جدي .. أكره الشيوعيه .. فضممت رأس اليتيم إلى رأس وقلت له : كل المسلمين أهلك يابني لن يمسك أحد بسوء .. لقد نجوت من الظالمين .. وماهي إلا ساعة صبر وتعود إلى البلاد وقد طهرتها الدماء.