[align=center]
كتاب قيم أعرضكم لكم فحوه ..وفائدته
اسم الكتاب /تعطير الأنام في تفسير الأحلام
للشيخ عبد الغني النابلسي
الحمد للّه الذي جعل النوم سباتاً، وخلق الناس أشتاتاً، وبسط الأرض لهم فراشاً، وجعل الليل لباساً، والنهار معاشاً، والصلاة والسلام على البشير والسراج المنير محمد النبي الرسول، الذي ألبسه اللّه تعالى حلة الكرامة وتاج القبول، ورضوان اللّه تعالى على آله الأبرار، وأصحابه الأئمة الأخيار، وعن جميع التابعين لهم بإحسان إلى آخر الزمان (أما بعد) فيقول العبد الفقير والعاجز الحقير عبد الغني بن إسماعيل الشهير بابن النابلسي الحنفي مذهباً القادري مشرباً النقشبندي طريقة أدام اللّه تعالى هدايته وتوفيقه: لما كان علم التعبير للرؤيا المنامية من العلوم الرفيعة المقام وكانت الأنبياء صلى اللّه وسلم عليهم يعدونها من الوحي إليهم في شرائع الأحكام وقد ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له في المنام على حسب ما ورد في الحديث عن سيد الأنام عليه أفضل وأتم السلام، أردت أن أجمع كتاباً في هذا الشأن يكون مرتباً على حروف المعجم ليسهل التناول منه على كل إنسان وقد رأيت كتاباً مجموعاً كذلك لابن غنام رحمه اللّه تعالى فهو السابق إلى هذا الأسلوب التام ولكنه مختصر لا يفي بغلة المتعطشين من ذوي الأفهام فاستعنت باللّه تعالى على إتمام ما أردت فإنه ولي الإحسان وله الفضل علينا ومنه كمال الجود والامتنان وسميت كتابي هذا (تعطير الأنام في تعبير المنام) سائلاً دعوة صالحة من صالح تكون لنا في يوم زلة الأقدام وقد ابتدأته بمقدمة مختصرة جامعة إقتداء بالمصنفين في هذا العلم من الأعلام عليهم رحمة اللّه العلام.
*2* مقدمة [ص 3]
@ - قال اللّه تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. قال بعض المفسرين: يعني الرؤيا الصالحة يراها الإنسان أو ترى له في الدنيا وفي الآخرة رؤية اللّه تعالى.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يؤمن بالرؤيا الصالحة لم يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر"
وقالت عائشة رضي اللّه عنها: أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح
وروي عنه عليه السلام أنه قال لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه: "يا أبا بكر رأيت كأني أنا وأنت نرقى في درجة فسبقتك بمرقاتين". فقال يا رسول اللّه يقبضك اللّه تعالى إلى رحمته وأعيش بعدك سنتين ونصفاً
وروي أنه عليه السلام قال له: "رأيت كأنما تبعني غنم سود وتبعتها غنم بيض" فقال أبو بكر رضي اللّه عنه تتبعك العرب وتتبع العرب العجم
وقد منّ اللّه تعالى على يوسف عليه السلام بعلم الرؤيا فقال تعالى: {وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث}. وقال: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث}. يعني به علم الرؤيا وهو العلم الأول منذ ابتداء العالم لم يزل عليه الأنبياء والرسل صلوات اللّه عليهم يأخذون به ويعملون عليه حتى كان نبوأتهم بالرؤيا وحي من اللّه عز وجل إليهم في المنام، وما كان قبل النبي صلى اللّه عليه وسلم من علوم الأوائل أشرف من علم الرؤيا
وقد قال بإبطال الرؤيا قوم ملحدين يقولون إن النائم يرى في منامه ما يغلب عليه من الطبائع الأربعة فإن غلبت عليه السوداء رأى الأحداث والسواد والأهوال والأفزاع وإن غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والدم والمعصفرات وإن غلبت عليه البلغم رأى البيض والمياه والأنهار والأمواج وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والمعازف والمزامير
وهذا الذي قالوه من أنواع الرؤيا وليست الرؤيا منحصرة فيه فإنا نعلم قطعاً أن منها ما يكون من غالب الطبائع كما ذكروا ومنها ما يكون من الشيطان ومنها ما يكون من حديث النفس وهذه أصح الأنواع الثلاثة وهي الأضغاث وإنما سميت أضغاثاً لاختلاطها فشبهت بأضغاث النبات وهي الحزمة مما يأخذ الإنسان من الأرض فيها الصغير والكبير والأحمر والأخضر واليابس والرطب ولذلك قال اللّه تعالى: {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث}.
وقال بعضهم: الرؤيا ثلاثة: رؤيا بشرى من اللّه تعالى وهي الرؤيا الصالحة التي وردت في الحديث ورؤيا تحذير من الشيطان ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه
فرؤيا تحذير الشيطان هي الباطلة التي لا اعتبار لها [ص 4] وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه رأيت كأن رأسي قطع وأنا أتبعه فقال: لا تتحدث بتلاعب الشيطان بك في المنام
وأما الرؤيا التي من همة النفس فمثل أن يرى الإنسان مع من يحب قلبه أو يخاف من شيء فيراه أو يكون جائعاً فيرى أنه يأكل أو ممتلئاً فيرى أنه يتقايأ أو ينام في الشمس ويرى أنه في نار يحترق أو في أعضائه وجع ويرى أنه يعذب
والرؤيا الباطلة سبعة أقسام:
-الأول حديث النفس والهم والتمني والأضغاث
-والثاني الحلم الذي يوجب الغسل لا تفسير له
-والثالث تحذير من الشيطان وتخويف وتهويل ولا تضره
-والرابع ما يريه سحرة الجن والإنس فيتكلفون منها مثل ما يتكلفه الشيطان
-والخامس الباطلة التي يريها الشيطان ولا تعد من الرؤيا
-والسادس رؤيا تريها الطبائع إذا اختلفت وتكدرت
-والسابع الوجع وهو أن يرى صاحبها في زمن هو فيه وقد مضت منه عشرون سنة
وأصح الرؤيا البشرى وإذا كان السكون والدعة واللباس الفاخر والأغذية الشهية الشافية صححت الرؤيا وقلت الأضغاث.
والرؤيا الحق خمسة أقسام
-الأول الرؤيا الصادقة الظاهرة وهي جزء من النبوة لقوله تعالى: {لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين} وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما سار إلى الحديبية رأى في المنام أنه دخل هو وأصحابه رضي اللّه عنهم مكة آمنين غير خائفين يطوفون بالبيت وينحرون ويحلقون رءوسهم ويقصرون فبشر صلى اللّه عليه وسلم في المنام بشارة من اللّه من غير صنع ملك الرؤيا ولا تفسير لها مثل رؤيا إبراهيم عليه السلام في المنام في ذبح ولده كما حكى اللّه تعالى عنه بقوله: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك}
وقال بعضهم: طوبى لمن رأى الرؤيا صريحاً لأن صريح الرؤيا لا يريه إلا الباري تعالى دون واسطة ملك الرؤيا
-والثاني الرؤيا الصالحة بشرى من اللّه تعالى كما أن المكروهة زاجرة يزجرك اللّه بها قال صلى اللّه عليه وسلم: "خير ما يرى أحدكم في المنام أن يرى ربه أو نبيه أو يرى مسلمين". قالوا يا رسول اللّه وهل يرى أحد ربه قال السلطان والسلطان هو اللّه تعالى 0
يتبع
[/align]