أعتذر عنكم أحبتي بسبب انقطاعي عنكم ..
لكنه الصداع ..
نعم هو الصداع .. الذي بدأت أشك أن بيني وبينه صلة رحم ..
يٌخجلني بوصلها على هذا المستوى من الحميمية ! حتى أن منظري " بالعصابة " بات مألوفاً ..
لدرجة أنه لم يعد أحد يسألني " وش فيك ؟ " ! ..
لكنه – الصداع - أتى مختلفاً أتى شرساً .. بعد فترة انقطاع عدّها كافية لاقتراف العتاب واللوم ..
لماذا لم أحن إليه ؟!.. لماذا لم أسأل عنه ؟! .. لماذا ولماذا ؟
هكذا حدثني وهو يلم قبضته ليضرب بها رأسي الذي أخذت أخبطه في اقرب جدار ..
في محاولة لإجابة لن تكون " شافية " !!
مصيبتي في أن هذا الاستثناء الذي أتى به هذه المرة ... سيؤدي حتماً إلى إثارة التوجس في نفس والدي
وخاصة والدتي .. التي لا يخرج الاختلاف المرضي عندها عن أربعة تفاسير!..
أولاً : العين
ثانياً : العين
ثالثاً : العين
رابعاً : هممممم .. المهم !..
أن هذا التوجس يعني شيئاً واحداً فقط هو أنني سأكون في ضيافة الرقية الأيام المقبلة !!..
طبعاً أي رأي لي في المسألة سيكون لاغياً .. لا خيار أمام المرضى .. لا كلام .. لا صوت ..... لا رأي
ولا رأي آخر ... ولا أي شيء فالمرضى كما الأطفال لا يعرفون مصلحتهم !..
وكان أولهم " شيخ " هكذا يلقبه أبي .. هذا الشيخ الطاعن في السن
بدأ في سرد شيء يشبه " الكليشة " التعريفية ... وكيف أنه استطاع أن يكون سبباً في شفاء الكثير..
بعضهم كان على شفا حفرة من الموت ! وكنت أرقبه وأقلب النظر إلى والدي ..
الأول تحدث في حماس والآخر ينظر بعين الأمل الدامعة !
وبين الاثنتين كانت ثمة ابتسامة تحاول أن تضيع ملامحها خشية عدم مناسبة المقام !..
ثم بدأت الرقية .. بعد أن تقرر أن اخضع ( لسبع جلسات )
كل جلسة تكلّف مبلغاً لا يهم ( والدي ) !!..
ومنذ البداية صعقت .. وجدت أن " الشيخ " لا يجيد قراءة القرآن جيّداً !!..
ويخطئ في الكثير من الحركات !!..
قرأ جزءاً من سورة البقرة .. وآخر من آل عمران .. وأظنه قرأ شيئاً من سورة الكهف ...
معوذات ثم ما تيسر من أدعية رقية مشهورة ..
وبعد كل انتهاء لأي جزء يسألني : " تحسن بشي " ؟
فأجيب . لا !..
سألني هذا السؤال قرابة السبع مرات .. والإجابة واحدة !
ما دفعه إلى الاستنتاج بأنني مصاب بعدد من الأنفس !.. لا نفس واحدة !! ...
الحمد لله الذي سلّم الوالد من الصدمة !!..
في آخر جلسة طلب " الشيخ " من والدي أن انتظر أسبوعاً آخر دون رقية ..
برر ذلك بأن على القراءة أن تأخذ وقتاً كافيا لتتفاعل مع الجسد والأرواح !! ..
و إذا لم يحدث أي تحسن .. فستكون مراجعته في الأسبوع الذي يليه أمراً يشبه "الحياة أو الموت" !! ..
ولولا الصداع عندما رفع الأذان في رأسي وقتها لما تورعت عن مليء المكان ضحكاً !! ..
لكن أبي لم يقتنع بأسبوع الراحة .. لأنه لا يؤمن بشيء أسمه وقت للتفاعل ..
وهذا يفسر حضوري عند أحد الرقاة .. من يوم غد !!..
لكنه على الأقل كان يقرأ القرآن جيداً ... وكانت نفسي تستريح جداً ..
حتى وإن كنت أسرح كثيراً لأرثي لحال الحاسد المزعوم و" ما أفقر حظه " !
لكنني كذلك ..لم أكن أحس بآثار انسحابات " العين " التي يسألني عنها هو أيضاً ..
كلما أخذ من الرقية جزءاً ... " مسبوقاً الدفع " !..
قلت لوالدي : " أبي أقرأ على نفسي وعطني فلوسك اللي تصرفها عليهم ...
لكنه كان واجه ذلك بغضب رحيم .. وخوف من أن أكون للعين من الساخرين ..
فيكون لذلك عقوبة مترتبة والعياذ بالله !..
لم تكن يصغي إلي .. ولم يكن لديه وقتها مزاج لممارسة العناد وتحمل عواقبه !!..
وأقفلنا أسبوعاً ثانياً عند الشيخ الراقي - من الرقية –
المضحك الذي حدث .. أن " أم ناصر " .. جارتنا التي من طبعها " الفزعة " ... أتتنا وفي يدها
" قوارير ماء صحة " مقري فيها ..
ونصحت أمي أن تسقيني إياها قبل طلوع الشمس وبعد غروبها ..
قالت أن الشيخ الفلاني قد قرأ فيها وأن أناساً قد تناولوا " رقيته " ..
فقاموا من ظهر يوم غد أصحاء معافين ..
وإلى هذه اللحظة لا اعلم ما الحكمة من تحديد " أم ناصر" لوقت الظهر !
أهي الدقة في الخبر .. أم شيء آخر يتعلق بالتسويق ؟!!..
ما جعلني أضج بالضحك وقتها من غير تورع ..
هو أن والدتي قالت لجارتنا : أننا قد ابتاعنا عدداً من قوارير " القراية " ماءً وزيتاً وأشياء أخرى..
فردّت الجارة : بأن قراية هذا الشيخ غير .... ثم قالت - في عفو خاطر - : ماركة ..
أسأل الله لي ولكم العافية ..