[ALIGN=CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم
ما إن سمعت هدى صوت الطبيب مهللاً مكبراً : ما شاء الله طفلة جميلة ، بوركت الموهوبة ، و شكرت الواهب ،و بلغت أشُدَّها ، و رزقت برَّها ، حتى أجهشت بالبكاء .
تعجب الطبيب و قال : ما يبكيك يا بنتي ، لقد أكرمك الله برزقٍ كريم ,حرم منه الكثير , سلامتك و سلامة طفلك غنيمة , و الطفلة – أيضاً- نعمة عظيمة , فما يبكيك ؟
جاء صوتها ضعيفاً بعد معاناة الوضع : أنا أعلم أنها رزقُ طيب , و أسأله سبحانه أن ينبتها منبتاً صالحاً , لكنه زوجي , أوصلني إلى المستشفى و قال : إن ولدت أنثى فلا تعودي للبيت , ليس لك بعدها إلا بيت والدك , أعلمت لماذا بكائي أيها الأخ الكريم ؟ لقد تهدم بيتي بعد أن أنفقت عمري في بنائه , هدمه زوجي في لحظة واحدة , و نسي بناته الأربع , يا الله مالي غيرك منصفاً و لا ظهيراً , كن لي معيناً على هذا البلاء الفادح ......
كان الطبيب حكيماً تقياً , فأبغ إدارة المستشفى بألا تبلغ أحداً أيّاً كان عن ميلاد هذه الطفلة البريئة , التي كان وصولها إلى الدنيا سبباً لخراب بيت , لأنها ابتليت بأب لم يشكر نعمة الله في لحظة جهل و جاهلية !! ...
ثم هاتف زوج هدى , وأخبره بأن لديه خبراً عاجلاً يود أن يخبره به بنفسه , و لحظات بعدها كان الاثنان في غرفة الطبيب في المستشفى .
بادره قائلاً : يا أبا الشيماء , تمنيت ولداً وقد رزقك الله صبيين توأم ستراهما خلال دقائق ,و قد أبلغت الممرضة بإحضارهما فور وصولك لتكتحل عينيك برؤية ذكرين لا ذكراً واحداً .
طرقات خفيفة على الباب و تدخل الممرضة تجر جهازاً خاصاً به ولدان شائهان , لم يكتمل نموهما , و كانا في حالة ضعفٍ بالغ ... و ملامح تثير الشفقة , بل البكاء سقط أبو الشيماء على الكرسي , ولم تقدر قدماه على حمله من هول المفاجأة ...
و أجهش باكياً : اغفر لي يا رب , أنا أستحق هذا العقاب , لم أتأدب في سؤالك ... طلبت ذكراً و إلا فلا , و لم أرض بقضائك .. فكان عقابي ذكرين شائهين معوقين .. ظلمت زوجتي و بناتي .. هدمت بيتي بلحظة جهل .. و رددت عطاءك الكريم .. و جمعت على زوجتي معاناة الوضع .. وهم الفراق ...... و استمر في البكاء و الاستغفار .
ربت الطبيب على كتفه .. و علا صوته بتلاوة آيات من كتاب الله : (( الله ملك السماوات و الأرض يخلق ما يشاء , يهب لمن يشاء إناثاً و يهب لمن يشاء الذكور , أو يزوجهم ذكراناً و إناثاً ، و يجعل من يشاء عقيماً , إنه عليم قدير )) .
ثم قال : احمد الله يا أخي على عطائه ، هذان ليسا ابنيك .. لقد رزقك الله سبحانه و تعالى طفلة معافاة جميلة .. قم يا أخي كفكف دمعك .. و اغسل وجهك .. واذهب حيث زوجتك الحزينة و ابنتك الرضيعة , و كفّر عما بدا منك من خطأ في حق أسرتك جميعاً .
لم يكد الرجل يصدق أذنيه .. أحقاً لي طفلة معافاة ؟! حقاً هذان الشائهان ليسا ابني ؟ فعانق الطبيب و شد على يده , و قال له : جزاك الله خيراً عني أيها الطبيب الحكيم , لقد كان درساً عملياً لن أنساه ما حييت .
و أسرع حيث غرفة زوجته , يقبل أسها و يديها معتذراً , و اختلطت دموع ُ مِزاجها الندم و الفرح ... و ظل لانه يلهج بحمد الله على سلامتها و سلامة الصغيرة الجميلة .
و حمى الله بيتاً قبل تصدعه بلحظات بفضله و كرمه ثم بتقوى رجلٍ صالح .. ألهمه الله حسن التصرف و الصواب .
تقبلو تحياتي
THE SHARK[/ALIGN]