الحــــب...
ذلك الشعور الخفي البيّن ، يكنّه الانسان ويظهرعلى محياه ، وتفضحه تصرفاته
وتبيح بسرّه دموعه ، ومنه العشق ، والوله ، والهيام ، والصبابة ، والتتيّم.
قد يكون من اول نظرة ، او اول نبرة ، انه شئ يكون لجاجة ً في بادئ الامر
فإذا تحكم صار شغلاً شاغلاً .
كالهواء...لانراه ولكن نرى تأثيره، له مفعول السحـر، لاتظهره اشاعات وتحاليل الطبيب.
عملية ٌ أشبه ماتكون بغسيل المخ فلا يبقى لنا الا الحبيب ولا شئ غير الحبيب
غفلة ٌ يستمتع بها الانسان، حتى تهب الاعاصيرالغاضبة لتحطم كل شيء.
شاءت الاقدار وانضممت يوماً الى عالم العشاق، ذلك العالم الذي يكثر قتلاه وصرعاه
زرته وتجولت في مدينته ، فوجدت فيها الحسن والردئ ، والجد والهزل ،
والبسمة والدمعة واشياء اخرى.
سهر ٌ وسهاد ، جوع ٌ ومرض ، عزلة ٌ وإكتئاب ، مصطلحات متعبة كان لي معها
صحبة طويلة في شوارع تلك المدينة ...
ذلك عندما كان الليل يشدو مع نجـاة الصغيرة :
حبيبي ياموكب حـب... يادفـا للقلب
يابحــر مـن الحــنـان
ياأمـي وابويه ... وصاحبي واخـويه
ونصـيبـي مـن الزمـان
وقتئذ ٍ ..كان الليل يمر كالثواني ، لسرعة دوران عقارب الساعة الذي كان يسبب الدوار.
ليعود ذات الليل في صورة اخرى أشد ظلاماً ، فيشدو مع فيروز :
ياخـوفي من الاحـبة ... ومن الايام اللي جايه
بتهـرّب من نسيانك ... مابـ اتطـلع بـ مـرايـه
وهنا.. كانت الثواني كالشهـور وعقارب الساعة ثملة ً بالكاد تمر بنقطة البداية.
حبيبتي ...
لم تكن جميلة ً بقدر ماكانت مملوحة ً ، ولكنها كانت في عيني الاجمل
حتى ان حديث الناس كان رجيعا ً الا حديثها.
فالجمال مالفت انتباهك من بعيد ٍ ، فإذا اقتربت ربما تتغير الفكرة
اما الملح فهو ماتراه بداية ً شيئا ًعاديا ً ، وبمرورالايام تراه اجمل فأجمل،
حتى تغرق في دوامته .
علمتني معنى الحب واكتَشفَت في داخلي المشاعر والحنين والشعر
والموسيقى وتقييم الابداع....
وتعلمت منها البكاء والخوف من المجهول حتى عندما تكون معي
وأقرب من رمشي لعيني .
الخوف الذي أينعت ثماره ذات ليلة حالكة السواد ، بنهاية قصة غرامي
التي كنت اعيش لها وبها. ليسدل البين ستارها ، بعد أن اختتم الوداع فصولها..
كأبشع مايكون الختام .
كنت ايامها احاول الموازنة بين الشهيق والزفير حتى لايكون الموت..
وليس بضعف ٍ مني أن ادوّن اعترافي بأنني أوشكت على الموت
بفراقها المفاجئ , فالانسان لايعيش بدون الماء والهواء، وكذلك كانت.
لاأدري ... هل لأنها كانت الحب الاول ، ام الجرح الاول ، ام الوداع الاول
ام أن الصدمات تكشف لنا عن جوانب ٍ من المجتمع كنا نراها بعين الرضا..
فإذا بنا نعيش العصر الفخاري..؟!
لازلت لاأدري ...ولكنها كانت الحبيبة ، وما الحب الا للحبيب ِالاول ِ إن صـدق شعـر الفرزدق.
نعم... اخطأت حين ارتميت في احضان الحب من الفه الى ياءه ، في رحلة ٍ نسيت خلالها
ان في الدنيا شبح ٌ يقال له الفراق أو الوداع أو البين أو أي مرادف يذكرنا بأن الدنيا
نزول وارتحال وهذا من الجهل الذي افتخر بمروري في شوارعه ، ومن لايخطئ لايتعلم.
أخطأت.. حين احببت ولكن صديقي الخطأ علمني اشياء كثر، علمني ان أحب برفق
حتى لااندم اذا كرهت ، وان اكره برفق حتى لااندم اذا احببت.
وصدقت تعاليمه في ذات ليلة....رأيت فيها عدو الامس كأنه ولي حميم،
ثم رأيت بعين السخط صاحبا ً صارعدوا ً.. وألد الأعداء من كان صاحباً.
حين انتهت رحلتي في شوارع المدينة عدت أدراجي وارتميت بجانب الفراش
الذي كانت تغسله الدموع ، حتى تجففه شمس الصباح بإطلالتها عبر النافذة...
لأعود وارتمي عليه مرة اخرى...
وهكذا دواليك حتى اصبح المنظر مقززا ً، وفي كل مرة كنت اتساءل :
هل نمت ..؟!
ومع كل تساؤل .......كنت اقول في نفسي :
لن اعود الى الحب بعد ان رأيت مارأيت من الجنون والضياع.
ولكن ...
لاترجع الأنفس عن غـيّـها ... إن لـم يكـن منـهـا لهـا زاجـر ُ
وللشخـابيـط بقـيـة
اخوكم /
رهـين المحبسين