فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( حدثنا سعيد بن أبي مريم )
هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المصري الجمحي , لقيه البخاري وروى مسلم وأصحاب السنن عنه بواسطة , ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير أخو إسماعيل , والإسناد منه فصاعدا مدنيون , وفيه تابعي عن تابعي , زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله وهو ابن أبي سرح العامري , لأبيه صحبة .
قوله : ( في أضحى أو فطر )
شك من الراوي .
قوله ( إلى المصلى فمر على النساء )
اختصره المؤلف هنا , وقد ساقه في كتاب الزكاة تاما ولفظه : " إلى المصلى فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال : أيها الناس تصدقوا , فمر على النساء " , وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر عن أبي سعيد أنه كان وعد النساء بأن يفردهن بالموعظة فأنجزه ذلك اليوم , وفيه أنه وعظهن وبشرهن . قوله : ( يا معشر النساء )
المعشر كل جماعة أمرهم واحد , ونقل عن ثعلب أنه مخصوص بالرجال , وهذا الحديث يرد عليه , إلا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث . قوله : ( أريتكن )
بضم الهمزة وكسر الراء على البناء للمفعول , والمراد أن الله تعالى أراهن له ليلة الإسراء , وقد تقدم في العلم من حديث ابن عباس , بلفظ " أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء " ويستفاد من حديث ابن عباس أن الرؤية المذكورة وقعت في حال صلاة الكسوف كما سيأتي واضحا في باب صلاة الكسوف جماعة .
قوله : ( وبم ؟ )
الواو استئنافية والباء تعليلية والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها الألف تخفيفا .
قوله : ( وتكفرن العشير )
أي تجحدن حق الخليط - وهو الزوج - أو أعم من ذلك .
قوله : ( من ناقصات )
صفة موصوف محذوف قال الطيبي في قوله " ما رأيت من ناقصات إلخ " زيادة على الجواب تسمى الاستتباع , كذا قال وفيه نظر , ويظهر لي أن ذلك من جملة أسباب كونهن أكثر أهل النار ; لأنهن إذا كن سببا لإذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي فقد شاركنه في الإثم وزدن عليه .
قوله : ( أذهب )
أي أشد إذهابا , واللب أخص من العقل وهو الخالص منه , ( الحازم )
الضابط لأمره , وهذه مبالغة في وصفهن بذلك ; لأن الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن فغير الضابط أولى , واستعمال أفعل التفضيل من الإذهاب جائز عند سيبويه حيث جوزه من الثلاثي والمزيد .
قوله : ( قلن : وما نقصان ديننا ) ؟
كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه , ونفس السؤال دال على النقصان ; لأنهن سلمن ما نسب إليهن من الأمور الثلاثة - الإكثار والكفران والإذهاب - ثم استشكلن كونهن ناقصات . وما ألطف ما أجابهن به صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم , بل خاطبهن على قدر عقولهن , وأشار بقوله " مثل نصف شهادة الرجل " إلى قوله تعالى ( فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) ; لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها , وحكى ابن التين عن بعضهم أنه حمل العقل هنا على الدية وفيه بعد قلت : بل سياق الكلام يأباه .
قوله : ( فذلك )
بكسر الكاف خطابا التي تولت الخطاب , ويجوز فتحها على أنه للخطاب العام .
قوله : ( لم تصل ولم تصم )
فيه إشعار بأن منع الحائض من الصوم والصلاة كان ثابتا بحكم الشرع قبل ذلك المجلس . وفي هذا الحديث من الفوائد : مشروعية الخروج إلى المصلى في العيد , وأمر الإمام الناس بالصدقة فيه , واستنبط منه بعض الصوفية جواز الطلب من الأغنياء للفقراء وله شروط , وفيه حضور النساء العيد , لكن بحيث ينفردن عن الرجال خوف الفتنة , وفيه جواز عظة الإمام النساء على حدة وقد تقدم في العلم , وفيه أن جحد النعم حرام , وكذا كثرة استعمال الكلام القبيح كاللعن والشتم , استدل النووي على أنهما من الكبائر بالتوعد عليها بالنار , وفيه ذم اللعن وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى , وهو محمول على ما إذا كان في معين , وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على فاعلها لقوله في بعض طرقه " بكفرهن " كما تقدم في الإيمان , وهو كإطلاق نفي الإيمان , وفيه الإغلاظ في النصح بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تعاب , وأن لا يواجه بذلك الشخص المعين ; لأن التعميم تسهيلا على السامع , وفيه أن الصدقة تدفع العذاب , وأنها قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين , وأن العقل يقبل الزيادة والنقصان , وكذلك الإيمان كما تقدم , وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك ; لأنه من أصل الخلقة , لكن التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن , ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص , وليس نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك قاله النووي ; لأنه أمر نسبي , فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل , ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي , وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها ؟ قال النووي : الظاهر أنها لا تثاب , والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته , والحائض ليست كذلك . وعندي - في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب - وقفة , وفي الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعه فيما لا يظهر له معناه , وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة , زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما .
ـــــــــــــــــــــــــ
جزاك الله خير أخي ووفقك لما يحب ويرضى