[align=center]يتوقع البعض أن موضوع إجبار الفتيات على الزواج من أبناء العم أو الخال عادة صارت من مخلفات الماضي، ولكن الواقع يثبت بكل أسف خلاف ذلك، إذ لا تزال هذه العادة متغلغلة وفاعلة في عقلية بعض الآباء وأولياء الأمور. فهناك عدد من القبائل السعودية لا تزال تصر على إجبار الفتيات على الزواج من أبناء العم أو الأقارب وفي أقسى الحالات السماح لهن بالزواج من داخل القبيلة، أما الزواج من خارجها لأي قبيلة أخرى فهذا من الممنوعات التي لا يمكن أن تخطر على البال.
ويعد هذا التصرف من باب "العضل" الذي يعاقب عليه القانون وتعتد به المحاكم السعودية.
ولفداحة المشكلة فهناك عدد من الفتيات الواقعات تحت رزح هذا التقليد دون أن يكون لهن أي إرادة في الموضوع، ومن الأخبار التي قرأت ما نشرته العربية.نت في 21 مارس 2007 عن وجود 213 فتاة سعودية يقاضين أولياء أمورهن لـ"منعهن" عن الزواج. وأوضحت في تفاصيل الخبر أنه في عام 2004 وقبيل تحذير المفتي العام للسعودية وهيئة كبار العلماء من مغبة الحجر وعضل المرأة، بلغ عدد ما استقبلته المحكمة العامة في الرياض 49 قضية حجر، ليزيد عدد الشاكيات في 2005 عن العام الذي سبقه إلى 52 قضية. وبلغت محصلة ما شهده عام 2006 من دعاوى قضائية بحق أولياء أمور وآباء آثروا التحجير على فتياتهم 54 دعوى. وشهد عام 2007 وفي غضون شهرين تسع دعاوى قضائية تتعلق بالعضل والتحجير في الرياض. وفي الدمام شهدت المحكمة الشرعية من قضايا العضل والتحجير 17 قضية. وفي محاكم الجوف وصل عدد القضايا المنظورة والمتعلقة بالعضل والتحجير 30 قضية.
ومن المؤكد أن بقية المناطق فيها عدد لا بأس به من قضايا العضل، وبعض المحاكم ولجان إصلاح ذات البين تعلن عن القضايا التي تنظر فيها، كما أعلن في مكة المكرمة عن حل 22 قضية عضل لنساء سعوديات من أصل 25 قضية استقبلتها اللجنة العام الماضي. ونشرت صحيفة عكاظ في 31 مارس 2008 خبرا حول تزويج القاضي فتاة من رجل بعد عضل والدها لها. ونقل عن الدكتورة سهيلة زين العابدين، رئيسة مركز المعلومات والتنسيق في جمعية حقوق الإنسان، أنه توجد حالات كثيرة مشابهة في السعودية في إطار ما يعرف بقضايا "العضل" وقالت: "نحن في الجمعية تلقينا 45 قضية عضل، وحرمان زواج في السنوات الثلاث الماضية". وأوضحت: "غالبية الفتيات يقمن الآن في دور الحماية الاجتماعية لتعرضهن للعنف من قبل أولياء أمورهن".
وآخر ما قرأناه من أخبار مؤسفة في هذا الموضوع ما نشرته "الوطن" يوم الثلاثاء الماضي الأول من يوليو 2008 من أن سعودية ستينية تزوجت أخيراً بعد "عضل" والدها لها 40 عاماً. والسؤال الآن هو كيف يمكن توعية الفتيات بحقوقهن، وفي الوقت نفسه توعية الآباء بمراعاة حقوق بناتهم؟
من الواضح أن جمعية حقوق الإنسان والمحاكم وهيئات الإصلاح تبذل جهودا لحل مثل هذه المشكلات التي تصل إليهم، لكن ماذا عن المشاكل التي لم تصل إليهم بعد أو يصعب وصولها إليهم؟
أعتقد أن المدرسة والتلفزيون والراديو من أفضل الوسائل التي يجب أن تبث من خلالها رسائل واضحة وصريحة للتوعية بهذا الموضوع. وفي حال وجود تجمعات قبلية معينة أو مجموعات تسود فيها مثل هذه التقاليد، يمكن إعداد برامج خاصة تنفذها هيئة حقوق الإنسان بالتعاون مع الجهات التعليمية للوصول إلى الأشخاص والجلوس معهم في بيوتهم أو إلقاء محاضرات عامة في المساجد والمدارس وتوزيع منشورات معينة ذات هدف توعوي يراعي التعامل مع العادات بطريقة ثقافية ويسعى إلى تقديم العلاج بطرق تربوية صحيحة.
يذكر أن هناك الكثير من العوائل والقبائل المعروفة بانتشار بعض الأمراض الجينية لذلك فالزواج من خارج العائلة بل وخارج القبيلة هو أمر صحي وقد يكون مفيدا من الناحية الاجتماعية وذلك لاندماج ثقافتين خاصتين وتلاحم أجمل قيمهما في تنشئة الأطفال. ثم إن الحياة العصرية جعلت من موضوع التعارف بين أبناء العوائل والقبائل الواحدة صعبا للغاية، فعلى سبيل المثال مدينة عملاقة مثل الرياض يعيش فيها الناس مبعثرين في كل مكان ولا يوجد تعارف حقيقي بين أبناء القبيلة الواحدة فتصبح مسألة التعارف والزواج بينهم صعبة للغاية؛ وإن أصر الأهل على الزواج من القبيلة فقط فإن هذا سوف يكون ظلما كبيرا للفتيات لأنه ليس من المضمون أن يتعرف أهلها على عائلة مناسبة تنتمي لنفس القبيلة التي لن يرضوا إلا بها. هناك الكثير من فتيات القبائل اللاتي يعانين من هذه الرؤية المجحفة بحقهن الطبيعي في ممارسة حياة كاملة، وكثير منهن يجدن أنفسهن محرجات أمام إصرار أهاليهن على تزويجهن من أبناء قبيلتهن فقط، بينما قد يتقدم لهن رجال من عوائل وقبائل أخرى معروفون بالأخلاق الكريمة ولكن يرفضون لأنهم ينتمون لقبائل غير تلك التي يريد الأهل.
وأحيانا قد يتردد الأهل في قبول هذا الشاب "الغريب" فيجعلون المهمة صعبة أمامه برفع قيمة المهر لأنه لا ينتمي لنفس القبيلة أو بوضع بعض الشروط التعجيزية وذلك لتنفيره قدر المستطاع.
هذه مشكلات حقيقية ضحيتها هي الفتاة التي تمضي سنوات طويلة في انتظار أن يحسم موضوع الزواج من الأشخاص المناسبين بصرف النظر عن قربهم أو بعدهم من العائلة.[/align]