جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق إبنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إبنه وأنبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زوجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [كلكم راعٍ، ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته] ، قال: فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: [والرجل في مال أبيه راعٍ، ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ، ومسؤول عن رعيته] .
قال الخطابي: ورعاية الرجل أهله: سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة: تدبير أمر البيت والأولاد والخدم.. ويقول ابن حجر (13-120): وجاء في حديث أنس مثل حديث ابن عمر فزاد في آخره: فأعدوا للمسألة جواباً، قالوا: وما جوابها؟ قال: أعمال البر، أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط، وسنده حسن، وله من حديث أي هريرة: ما من راعٍ إلا يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه؟ ولابن عدي بسند صحيح عن أنس: [إن الله سائل كل راعْ عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيّعه] . وقال النووي (12-454) : قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، قوله: [ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة] .
يقول الإمام الغزالي في رسالة أنجع الوسائل: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهدك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه].
وأكّد ابن القيم - يرحمه الله - هذه المسؤولية فقال: "قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم ال قيامة، قبل أ، يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً، فللإبن على أبيه حق، فكما قال الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً) (العنكبوت:7) وقال أيضاً: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (التحريم:6)، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبتِ إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [سماهم الله - تبارك وتعالى - أبراراً، لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالديك عليك - حقاً - كذلك لولدك عليك - حقاً -] .