الفصل الثالث
دور الشباب فى المشاركة السياسية
لا شك أن قضية الشباب تطرح نفسها بكل ثقلها فى هذه المرحلة من العمل الوطنى لأسباب تتعلق بهموم الشباب نفسه ولاسباب تتعلق بمتغيرات المجتمع وتوجهاته الجديدة وافرازاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية. ويزيد من صعوبة التناول لقضية الشبااب أنه ليس قطاعاً رأسياً يمكن دراسته والبحث عن قضاياه المتعددة بسهولة كما فى القطاعات الرأسية الأخرى فى المجتمع. فالشباب قطاع أفقى يتغلغل داخل كل القطاعات التى يتكون منها البنيان السكانى.
والشباب هو نتاج المجتمع بما فيه من نجاحات واخفاقات، ومن عوامل ومؤثرات وما يملك من حصاد التجربة وارث الحضارة فالشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل .
ولأن الشباب فى مصر يمثل أكثر من 60 % من مجموع السكان فهو عنصر فاعل وحاسم فى قضايا التنمية، فالتنمية لابد أن تبدأ من الشباب لأنه يملك الطاقة والقدرة على العطاء.
فنحن نملك ثروة بشرية قادرة على العمل والانتاج, وإذا كان البعض ينظر إلى هذه الامكانات البشرية كعبء أو كمشكلة،فإن البعض الآخر يرى فيه الحل لكافة مشاكل المجتمع.
وإذا كانت هناك اجتهادات عديدة لبلورة اطار محدد لمفهوم الشباب، فإنه يمكن على الاقل التمييز بين اتجاهين رئيسيين فى هذا المجال.. احدهما يرى الشباب مجرد مرحلة محدودة من العمر، وثانيهما يرى الشباب حالة نفسية تمر بالانسان ويمكن أن تعيش معه فى أى مرحلة عمرية، وتتميز بالحيوية والقدرة على التعلم ومرونة العلاقات الانسانية.
وطبقا للاتجاه الاول فإن المقصود بالشباب هو المرحلة العمرية التالية للصبا والسابقة للنضج فتنحصر ما بين 15 - 25 عاماً (وأحياناً 35 عاماً) وهى مرحلة مفعمة بالطاقة والنشاط وامكانية اكتساب الجديد من المعارف والمعلومات والمهارات وتحمل المسئولية الى جانب مرونة وعدم جمود العلاقات الانسانية.
ويؤكد علماء النفس أن مرحلة الشباب عبارة عن مرحلة نمو وانتقال بين الطفولة والرشد لها خصائصها المتميزة عما قبلها وبعدها وقد تتخللها اضطرابات ومشكلات يسببها ما يتعرض له الشباب فى الأسرة والمدرسة والمجتمع من ضغوط. فهى مرحلة تحقيق ذات ونمو الشخصية وصقلها .. وهى نقطة ضعف وثغرة يحتاج فيها الشباب إلى مساعدته للأخذ بيده وهو يعبرها ليصل إلى مرحلة الرشد بسلام.
ويمكن إلقاء الضوء على دور الشباب فى المشاركة من خلال النقاط التالية :
أولاً : سمات مرحلة الشباب
تعد مرحلة الشباب من أهم مراحل الحياة فخلالها يكتسب الفرد مهاراته الانسانية البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية اللازمة لتدبير شئون حياته وتنظيم علاقاته مع الآخرين.
1ـ الاستعداد للتغيير : ولأن الشباب بحكم الطبيعة مرحلة تغير بيولوجى ونفسى واجتماعى يعيشها الانسان، فإنها يمكن أن تتسق مع تغييرات مقابلة فى الثقافة المادية والمعنوية. وأساليب الحياة وطرقها، تلك التغيرات التى تعنى بها وتستهدفها التنمية وبالتالى فإن التنمية كتغيير تجد أخصب الفرص وأثراها للنجاح فى وسط بيئة الشباب المتغيرة بطبيعتها. ويؤكد ذلك أن الفرد فى مرحلة الشباب يكون فى طور تلقى واكتساب قيم المجتمع وتقاليده وعاداته. ولم ترسخ بعد فى نفسه أو تتغلغل فى ذاته ومن ثم لم تصبح جزءا وطيداً من نسيجه القيمى والثقافى. وهو ما يجعل تقبله للقيم الجديدة التى تأتى بها التنمية أكثر يسراً وبساطة إذا ما قورن بكبار السن الناضجين أولئك الذين أصبحت القيم والثقافة السائدة جزءا لا يتجزأ من خصائصهم الذاتية ويبادرون بالدفاع عنها ضد محاولات تغييرها، ومن ثم لا يلاقون جهود التنمية فى هذا المضمار بالمقاومة والصد والرفض.
2ـ الطموح والتطلع للمستقبل : تتميز مرحلة الشباب بأنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة فى إطار من المثاليات. فمرحلة الشباب هى المرحلة التى تتمثل فيها وبدرجة عميقة المثل العليا للحياة، وتبدو فيها واضحاً التطلع لمستقبل زاهر قبل أنتأتىمراحل العمر التالية لتصدمه خلال الحياة بمعاناتها وتطحنه بصراعاتها وتفرض عليه التكيف بالتنازل عن كثير من آماله وطموحاته ومثالياته التى عاشها خلال مرحلة الشباب. وهذا يجعل من الطبيعى أن يكون الشباب هم أكثر فئات المجتمع مساندة لعملية التنمية، وهم جيشها الحقيقى القادر على تحمل مسئوليات تضحياتها من منطلق رغبتهم الأكيدة وتطلعهم إلى بناء مستقبلهم من خلال هذه التنمية.
3ـ التذبذب والتردد : والشباب فى كل مجتمع وإن كانوا نبع الطاقة الحيوية، فإنه يشكل مجموعة من المتناقضات التى لابد من فهمها وتقبلها. فالفرد خلال هذه المرحلة العمرية تتناوبه مشاعر وأحاسيس شديدة التقلب وتنعكس على تصرفاته بنفس الدرجة فهو قد يكون مرحاً فى يوم عابساً فى يوم آخر، عقلانيا تارة وعابثاً تارة أخرى قابلا للنصح والارشاد فى فترة ورافضاً وساخطاً فى فترة أخرى. هذا التذبذب فى التفكير والمشاعر والسلوك بين وقت وآخر، يعكس الصراع الذى يدور داخل الشباب جسدياً وعقلياً وانفعالياً، فهو حائر بين طموحه اللانهائى وامكانات تحد من هذا الطموح.
4ـ القدرة على اكتساب المعلومات : فقد أدى العصر الحديث بمتغيراته المتنوعة وثورة الاتصال والتقدم الهائل فى تقنياته ووسائله، الى تيسير حصول الشباب على كم كبير من المعلومات فى أى مجال من مجالات المعرفة. فالبيئة المحيطة بالشباب تموج بالمعلومات من خلال وسائل الاتصال المختلفة، فضلاً عن أن الشباب أصبح معرضاً ـ بدرجة أكبر من شباب الأجيال السابقة ـ لآراء متعددة ووجهات نظر متباينة وأفكار مختلفة فى مختلف مجالات وميادين الحياة مثل الدين والاجتماع والاقتصاد والسياسة والاخلاق. ولا شك أن هذا الاتساع الرحب للمعارف والآراء المتاحة يعد فى صالح الجيل الراهن من الشباب، إلا أن ذلك يواكبه فى نفس الوقت عدم توافر سبل الارشاد لايضاح ما هو زائف وما هو صحيح فى وسط هذا الخضم المتلاطم من المعلومات والآراء المتدفقة. مما يعد مصدراً رئيسياً لكثير من مشاكل شباب الجيل الحالى.
هذا بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من شباب الجيل الحالى قد حظيت بتلقى تعليم نظامى أعلى بكثير فى المستوى وأطول فى المدة من الأجيال السابقة، مما أسهم فى تحسين مستوى النضج العقلى الانفعالى لشباب اليوم إذا ما قورن بأقرانهم فى العمر من الأجيال السابقة، وهو ما انعكس على كون الشباب المعاصر يشكل مجموعة مستنيرة ولديها خبرة فى أمور عديدة بدرجة لم تكن متوافرة لأمثالهم فى فترات سابقة مما خلق مشاكل الاغتراب عن المجتمع، لعدم قدرة المجتمع على استيعاب امكاناتهم الجديدة والمتلاحقة، فكان المقابل مزيد من النقد الصريح والرفض من جانبهم لأفكار الكبار وأسلوبهم فى الحياة.
ثانياً : احتياجات الشباب
غالباً ما تتركز اهتمامات الشباب فى الاهتمامات الآتية :
1- المشكلات الشخصية.
2- التعليم والعمل وتحقيق الاستقلال المادى عن الأسرة.
3- الاعداد للزواج وتكوين أسرة.
4- اثبات الذات وتحقيق المكانة الاجتماعية المتميزة.
5- ايجاد فلسفة ومبادىء مستقرة للحياة.
6- المشاركة فى الحياة الاجتماعية العامة.
7- تنمية الشعور بالاحترام والتقدير المتبادل مع الآخرين.
وعلى أساس هذه الاحتياجات يجب أن تبنى برامج الشباب فى إطار خطط التنمية بحيث تسعى هذه البرامج لاشباع تلك الاحتياجات حتى تضمن أعلى مستوى للقبول والاستجابة من جانب الشباب للمشاركة الفعالة فى أنشطتها.
ثالثاً : مقومات المشاركة الفاعلة للشباب
أشرنا فيما سبق إلى أن مرحلة الشباب تنفرد بسمات خاصة، ويقتضى حسن الاستفادة من هذه الطاقات والامكانات أن تقوم الدولة من خلال مؤسساتها المختلفة بخلق المناخ الملائم والبيئة المناسبة التى تتيح فرصة الانطلاق وتفجر الطاقات الابداعية للشباب لكى يشارك فى كافة الأنشطة والجهود فى كافة مناحى الحياة، ويتأتى ذلك من خلال توفير المقومات التالية.
1ـ اعداد قاعدة بيانات أولية عن الشباب :
المعلومة هى ركيزة التخطيط السليم، فلا يستطيع أى مخطط ان ينجح فى إعداد سياسات ناجحة بدون توفير حد أدنى معقول من المعلومات والبيانات السليمة. ولكى يحسن المجتمع الاستفادة من الطاقات السياسية ويستطيع توظيفها لخدمة قضايا المجتمع واحتياجاته، لابد من اعداد قاعدة بيانات عن الشباب تتضمن الجوانب التالية :
q تعداد الشباب فى المجتمع المصرى.
q توزيعهم على الفئات العمرية المختلفة.
q التوزيع الجغرافى بين الريف والحضر.
q المستويات التعليمية.
q توزيعهم من حيث الجنس.
q الوضع الاقتصادى.
q الحالة الاجتماعية.
q الانتماءات العقائدية.
q علاقة الشباب بوسائل الاعلام.
q قضايا الشباب ومشكلاته.
ولأن الشباب يمثل شريحة كبيرة من الجماهير المصرية، فعلى ضوء رسم خريطة احصائية دقيقة لخصائص وسمات الشباب المصرى يمكن اعداد الخطط والسياسات بشكل يضمن استيعابه ضمن الإطار المجتمعى.
2ـ دراسة المنظمات العاملة فى مجال خدمة الشباب :
يتردد الشباب عبر مراحل عمره على العديد من المؤسسات كالمدارس والجامعات والأندية الرياضية والمؤسسات الثقافية والإعلامية ودور العبادة ... الخ. وتقوم هذه المؤسسات بدور كبير فى مجال تنشئة الشباب وإعداده للخدمة العامة، ويقتضى تعظيم الاستفادة من امكانات هذه المؤسسات الالمام بجوانب معينة منها :
• مدى اقبال الشباب على التعامل مع هذه المؤسسات.
• مدى نجاح المؤسسات فى تلبية احتياجات الشباب.
• مدى التزام المؤسسات بالأسلوب الديمقراطى فى التعامل مع الشباب.
• دور المؤسسات فى تدعيم مشاعر الولاء والانتماء لدى الشباب.
• المشاكل والعقبات التى تعترضها فى تأدية رسالتها ، وكيف يمكن التغلب عليها.
• نوع العلاقة بين هذه المؤسسات وبعضها ومدى التوافق أو التعارض بين ما تقدمه من مضامين.
• مدى إيمان قيادات هذه المؤسسات بدور الشباب فى التنمية.
ومن خلال الاجابة على هذه التساؤلات يتسنى الوقوف على نواحى القوة والضعف فى عمل هذه المؤسسات وبلورة توجه واع متغير للاستفادة من إمكاناتها للقيام بدور فعال فى إعداد الشباب والنهوض بمستواه المادى والارتقاء بمستواه الثقافى، وتهيئته للمشاركة فى قضايا مجتمعه.
3ـ حل مشاكل الشباب وتلبية احتياجاته :
تعد مشاكل الشباب فى مصر نتاجاً لبيئة اجتماعية ذات خصائص ومواصفات معينة، أو هى نتيجة لعدة ظروف أو أوضاع أفرزتها البيئة الاجتماعية.
وعندما توجد حاجات أساسية وهامة لدى الشباب ولا تجد لها إشباعاً مناسباً فى مدىزمنى معقول ، فلا يتوقع من الشباب أن يكون مشاركاً فاعلاً فى قضايا مجتمعه. وعندما تكون الخدمات غير مهيئة بالقدر الكافى والاحتياجات غير مشبعة فلا ننتظر من الشباب أن يكون إيجابياً. فالشباب يحتاج إلى الأمن والاطمئنان على مستقبله وأنه سيتمكن فى مدى زمنى معقول أن يجد بيتاً صغيراً يكون فيه أسرة، وأن يجد حلاً مستقراً يحقق له نوعاً من الاعتماد على الذات فى تلبية احتياجاته.
كما أن الشباب فى حاجة إلى من يشعره بالانتماء، وفى حاجة إلى من يشعره بالتقدير والاحترام يمنحه الفرصة ويثنى على نجاحاته وإنجازاته.
ولا شك أن اهتمام الدولة ـ بمؤسساتها المختلفة ـ بحل مشاكل الشباب وتلبية احتياجاته سينعكس ايجابياً على مشاركة الشباب الفاعلة فى كل ما يجرى على أرض مصر. فسنراه حينئذ زارعاً هنا وصانعاً هناك منخرطاً فى عمل حزبى أو نقابى، رافعاً لافتة انتخابية يؤيد بها مرشحاً أو آخر، أو متردداً على لجنة انتخابية يمارس حق التصويت لاختيار من يشعر أنه جدير بتمثيله.
وبتعدد المشاركين يزيد الانتاج وترتقى الممارسة الديمقراطية، وتختفى السلبية رويداً ويزول شبح اللامبالاة شيئاً فشيئاً.
4ـ تنمية وعى الشباب بقضايا مجتمعه :
لا يشارك انسان فى موضوع يجهل أبعاده. وغالباً ما يحجم الشباب عن المشاركة فى قضايا مجتمعه حينما تقل المعلومات أو تنعدم. وكذلك عندما تتسم القضايا الموجودة فى محيطه بعدم التحديد والغموض.
وكذلك ينبغى على كل مؤسسات التنشئة والقائمين على أمرها أن تضع بين ايدى الشباب كافة القضايا والمستجدات التى تفرض نفسها على المجتمع فى لغة سهلة وبسيطة بعيدة عن الغموض والتجريد متحاشية استخدام الأساليب الخطابية الرنانة والمصطلحات العلمية المتخصصة. مع شرح المصطلحات الجديدة التى بدأت تترددد على مسامعنا كالخصخصة والعولمة وصراع الحضارات والنظام العالمى الجديد. علينا إيجاد الصيغ المقبولة والتى تسمح بنقل المعانى من ثقافات أخرى مع توضيح انعكاسات هذه الثقافات علينا.
كما أنه من الضرورى خلق رأى عام مؤمن بقضايا المجتمع المختلفة مع ربطها بالمصلحة المباشرة للشباب. فمن الخصائص المميزة للرأى العام وتر المصلحة الذاتية. فعندما نطرح على سبيل المثال قضية الخصخصة فلابد من توضيح انعكاساتها الايجابية على المصالح المباشرة للشباب من خلال اتاحة فرص العمل الجديدة أمام جموع البطالة التى تتزايد يوماً بعد يوم.
وفى مجال ترسيخ قيم الديمقراطية فى وجدان الشباب ومناقشة أبعاد هذه القضية فإنه ينبغى الاعداد الجيد للشباب وإكسابه قيم التعاون والمشاركة وتعويد الشباب على أن كل حق يقابله واجب وترسيخ قيم المواطنة لديه من خلال إدراك حقوقه وواجباته واشعاره بأهمية وجدوى مشاركته وفاعليتها، وربط الديمقراطية بعنصر المصلحة .. فعندما يحترم رأى الآخرين يحترمون رأيه. وعندما يشارك بالرأى فى قضايا وطنه فهو يساهم فى صنع السياسات العامة لوطنه، كما أن الإدلاء بالرأى يعد مدخلاً لتلبية الاحتياجات فكيف يعرف صانع القرار احتياجاتى إذا أحجمت عن إبداء رأيى.
5ـ التعبير عن المشاركة كواجب دينى :
ينبىء استقراء تاريخ مصر عبر عصورها المختلفة بحقيقة مؤداها أن الحياة المصرية القديمة منذ آلاف السنين قامت على أسس دينية. فمنذ القديم عرف المصريون بقوة التدين فقد قال هيرودوت أبو التاريخ إن المصريين أشد البشر تديناً ولا يعرف شعب بلغ من التقوى درجتهم فيها .
وللدين سلطان نافذ على عقول المصريين يدعوهم إلى التدين والتقوى والصلاح والاحسان إلى الغير والعمل الصالح. ويعد الدين من أهم العوامل التىتحكم نظرة المجتمع إلى متغيرات العصر والتىينطلق منها إلى اتخاذ موقف معين من القضايا والمشكلات سلباً وإيجاباً.
ورغم صور الانحراف التى شاعت بين شباب العالم بصفة عامة، والقت بظلالها على الشباب المصرى، إلا أنه يمكن القول أن القاعدة الشبابية فى مصر فى مجموعها منضبطة وملتزمة ومتدينة بالفطرة. والقلة الشاردة لا تغير فى القاعدة ولا حكم لها.
فإذا تلقى الشباب عبر مؤسسات التنشئة المختلفة مما يلقى الأضواء على موقف الاسلام من المشاركة واعتبارها واجباً دينياً، فإن نهوض الشباب لتلبية هذه الواجب الدينى ستتسم بسرعة الاستجابة، وستكون أكثر فاعلية. وقد تضمنت الآيات القرآنية العديد من القوانين والأسس التى تؤكد على ضرورة مشاركة الجماهير فى كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لايجاد مجتمع اسلامى متكامل. فقد امتدح القرآن الكريم الجماعة التى تعتمد الشورى منهاجاً لحياتهم وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون الشورى/ 38. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر آل عمران / 159.
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بأمور المسلمين كشروط للانتساب لعضوية المجتمع المسلم فيقول من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم وهكذا تكون المشاركة عنصراً أساسياً للانتماء للمجتمع الاسلامى. كما قال صلى الله عليه وسلم ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم وقال ايضاً استعينوا على أموركم بالمشاورة كما قدم الرسول العديد من المواقف العملية فى مجال الشورى فقد استشار أصحابه فى غزوة بدر وأحد والأحزاب وغيرها من المواقف التى نزل على رأيهم فيها واستجاب لمشورتهم عندما استحسنها.
كما أن الدعوة للمشاركة موجهة أيضاً إلى المواطنين المسيحيين مساهمة فى العمل العام وتوثيقا لعرى الوحدة الوطنية فالدين لله والوطن للجميع.
6ـ اعتماد نظرية الحوافز :
تعد الحوافز من محركات السلوك ، ويرى علماء النفس أن كل الافعال التى يقوم بها الانسان يمكن وصفها على أنها مجهود يقوم به الانسان لاشباع متطلب أساسى أو حاجة ضرورية. فإذا تم ايجاد الرابط أو العلاقة بين المشاركة وبين ما يسميه علماء النفس بالجزاء، فإن هذا يؤدى إلى تعظيم المشاركة وتفعيلها.
ولما كانت الحاجة إلى التقدير بشقيه المادى والمعنوى من حاجات الانسان الاجتماعية، فإن إشباعها يؤدى إلى مزيد من العطاء، فمن يشارك فى محو أمية مجموعة من المواطنين أو يستصلح قطعة أرض صحراوية أو يساهم فى نظافة البيئة أو تشجير المنطقة التى يقطنها عندما يمنح حافزاً مادياً أو معنوياً فإن هذا يؤدى إلى حدوث تأثيرين إيجابيين:
• رفع معنويات المشارك بما يؤدى به إلى بذل المزيد من الجهو د.
• تقديم النموذج الذى يمكن أن يحاكى من الآخرين.
وتطبيقاً على ذلك فإنه يجب على الهيئات المعنية بشئون الشباب والمؤسسات التىيتردد عليها أن تتبنى سياسة تشجيع الشباب من خلال الجزاءات والحوافز حتى ولو كانت حوافز نسبية.
7 ـ اقتناع القيادة بأهمية دور الشباب :
ان ايمان القيادة على أى مستوى وفى كل موقف بفلسفة مؤداها أن الشباب جزء هام فى كيان المجتمع، وأن انعدام مشاركة هذه الجزء وتهميشه يعود بالضرر على المجتمع ككل.
فالاقتناع بدور الشباب من شأنه أن ينعكس ايجابياً على تهيئة الظروف المناسبة لاندماج الشباب فى أنشطة المجتمع ومشاركته فى الأدوار المطروحة.
ويمكن تحديد عدد من الآليات التى تترجم هذا الاقتناع إلى واقع عملى ملموس :
• إتاحة الفرصة أمام الشباب للتعبير عن آرائهم فى قضايا مجتمعهم ورؤيتهم لكيفية التعامل مع مشاكل المجتمع دون خوف من عقاب أو مساءلة، وفى ظل مناخ آمن يرعى الحريات ويدعم الديمقراطية.
• توفير قنوات أو منابر تتيح لهم طرح مشاكلهم وتصوراتهم لكيفية حلها والتعبير عن طموحاتهم وتصوراتهم.
• ضرورة أن تضم الهيئات المعنية بأمور الشباب فى عضويتها بعض العناصر الشبابية التى تحسن التعبير عن همومها وقضاياها إذ ليس من المعقول أن ينفرد بالتعبير عن قضايا الشباب من هم خارج هذه الشريحة الشبابية. فالشباب هم الأقدر على التعبير عن أنفسهم.
• الاهتمام بعمل استطلاعات دورية لآراء الشباب حول همومهم وقضايا المجتمع.
• تطوير دور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى لاستيعاب الشباب وتدريبهم على التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
• أن تحتفظ مؤسسات المجتمع ومنظماته ببعض الأدوار القيادية لكى يشغلها المتميزون من الشباب دون التقيد بالعوائق البيروقراطية ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما كان يحلل الخصائص المدخرة فى الشخصيات ويضع الرجل المناسب فى المكان المناسب دونما التفات لاعتبارات تتعلق بالسن، وإنما المعيار مدى الأهلية والكفاءة للقيام بالدور المنوط به.
• فقد كلف الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بقيادة جيش المسلمين لغزو الروم وهو دون العشرين من عمره وتحت إمرته أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ـ وعندما استكثر البعض على أسامة هذا المنصب .. قال الرسول : والله انه بالإمارة لخليق، وان أباه من قبله بالإمارة لخليق فاستوصوا به خيراً فإنه من صالحيكم. كما يذكر التاريخ أنه قد التف حول المسيح عليه السلام عدد من الحواريين الشبان.
ومما هو جدير بالذكر أن القيادة السياسية فى مصر تضع نصب أعينها هموم الشباب ومشاكله وتحاول ايجاد الحلول المناسبة لها ايماناً منها قدراته الخلاقة الفاعلة والدافعة لقضايا التنمية.
وليس أدل على ذلك من عبارة الرئيس حسنى مبارك يدعو فيها لاستيعاب الشباب ومحاولة دمجهم فى المجتمع إننى اشعر بشعور كل أب مصرى، حين أجد آلافاً من الشباب القادر على العمل عاجزين عن العثور على عمل يتيح لكل منهم أن يعبر عن طاقته الكامنة، ويحقق ذاته ويبين مستقبله، وليس أقسى على نفسى من التفكير فيما ينال هذه الفئات من شباب مصر من إحباط فضلاً عن حرمان الوطن من هذه الطاقة الشابة القادرة على الإنجاز والبناء.
8 ـ توافر النموذج والقدوة :
يتعامل الشباب عبر مراحل عمره المختلفة مع العديد من المؤسسات التى يتولى الاشراف عليها قيادات مختلفة.
والانسان كما يتلقى تعليمه وثقافته عن طريق الاضطلاع والقراءة والدرس، فإن جزءاً كبيراً من خبراته ومعارفه تنتقل إليه نتيجة احتكاكه بمن حوله فى مواقف الحياة الاجتماعية المختلفة.
فالطفل أثناء عملية نموه يكتسب أنماطاً من السلوك نتيجة تفاعله مع أفراد أسرته أو مجتمع الدراسة أو النادى وخلافه .. وفى جميع مراحل الحياة يكون فى حاجة إلى الموجه الذى يوجهه ويأخذ عنه، فأحيانا يكون الأب أو الأم وأحياناً أخرى يكون المعلم وربما أى شخص يظن فيه الانسان القدرة على النصح والتوجيه وهداية السلوك. ومن الخطأ الظن أن الإنسان يمكن أن يستغنى عن القدوة فهو كائن اجتماعى يتأثر بالمجتمع، ومن الخطأ المبين الظن أن الأخلاق الفاضلة والسلوك المستقيم للفرد والمجتمع تتحقق بمجرد سن القوانين وتوقيع العقوبات، وإنما يلزم مع ذلك وجود القدوة الحسنة فى مختلف مجالات الحياة الاجتماعية.
لذلك يجب أن تحرص القيادات على أن تكون مثالاً للقدوة الطيبة فى الحفاظ على الوقت والانضباط فى العمل، والصدق فى القول، والحفاظ على المال العام. فالأخلاق الفاضلة دعاية صامتة أما إذا اتصف سلوك القيادة بالغش والخداع وعدم المطابقة بين القول والعمل، فإن هذا سيؤدى إلى إشاعة مناخ من الإحباط لدى الشباب بما يعيق نمو شعورهم بالولاء والانتماء للمجتمع.