اتصل بادارة الموقع البحث   التسجيل الرئيسية

 


العودة   منتديات عاصمة الربيع > الاقسام العامه > الأخبار والمواضيع المحلية والدولية

الأخبار والمواضيع المحلية والدولية الأخبار المحلية والدولية ومنها السياسية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-06-07, 07:40 AM   رقم المشاركة : 11
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

عن "الآخر": الاقليمى. وفى السياق نفسه أثيرت قضية التأسى بميثاق الامم المتحدة بتركيزه على مفهوم الأمن الجماعى عبر المواد 52 و53 و54 التى تندرج فى الفصل الثانى الخاص بالمنظمات الاقليمية. وبالفعل جاءت معاهدة الدفاع المشترك معبرة عن الحرص على تعزيز الأمن الجماعى ، من خلال نصها على فض جميع منازعات أطرافها فيما بينهم وفى علاقاتهم مع الدول الاخرى بالطرق السلمية، وعلى عدم جواز دخول هذه الاطراف فى أى اتفاقيات دولية تناقض المعاهدة، ولا سلوكها مع سواها من الدول مسلكا يتنافى مع أغراض المعاهدة. وكما يلاحظ فان هذه المبادىء تمثل إضافة للميثاق وإغناء له بوضع تصور لآليات تمتين الامن القومى العربى.
وكما تقدم فإن المعاهدة المشار إليها أنشأت أربعة أجهزة فى مجال الامن الجماعى، هى:
-مجلس الدفاع المشترك من وزراء الخارجية والدفاع فى الدول المتعاقدة، أو من ينوبون عنهم.
-اللجنة العسكرية من ممثلى هيئة أركان جيوش الدول المتعاقدة لتنسيق خطط الدفاع المشترك.
-الهيئة الاستشارية العسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة للإشراف على اللجنة العسكرية الموحدة برئاسة الدولة التى تكون قواتها المشتركة أكثر عتادا ورجالا، ما لم توافق حكومات الدول العربية بالاجماع على اختيار دولة أخرى.
-ومن ناحية أخرى، تطرقت المعاهدة إلى الجانب الاقتصادى، ودعت فى إطار ذلك إلى توثيق العلاقات الاقتصادية العربية وإلى تقنينها، وتبنت من تلك الزاوية فكرة تأسيس مجلس اقتصادى يكون له دور استشارى من خلال تقديم مقترحاته لحكومات الدول العربية حول ما يراه كفيلا بتعزيز التعاون الاقتصادى العربى.
وجدير بالذكر أن هذا الجانب الاقتصادى من جوانب العمل العربى المشترك مثل اهتماما رئيسيا من اهتمامات جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عبر عنه قرار المجلس الاقتصادى والاجتماعى ذى الصلة بخصوص اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجارى العربى فى عام 1953، وتوَّجه إبرام اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية فى عام 1957، ثم صدور قرار انشاء السوق العربية المشتركة فى عام 1964.
إلا أن أهمية العمل الاقتصادى العربى المشترك ما لبثت أن تزايدت، بل يمكن القول أنها مثلت رافعة للعمل العربى المشترك فى فترات تأزم العلاقات السياسية العربية. حدث هذا عندما أصيب النظام العربى بصدع من جراء الخلاف المصرى-العربى حول سياسات التسوية مع اسرائيل اعتبارا من عام 1977 حيث انعقدت قمة عمان فى عام 1980 التى تبنت مبدأ التخطيط القومى فى توجيه العمل العربى المشترك وفى تطويره، وأقرت الوثائق المتعلقة باستراتيجية العمل الاقتصادى العربى المشترك، وميثاق العمل القومى الاقتصادى، ومشروع عقد التنمية المشتركة والاتفاقية الموحدة للاستثمار.
وتكرر ذلك بعد كارثة الخليج الثانية عندما اتخذت أول قمة تعقد بالقاهرة بعد ست سنوات من تاريخ الغزو أى فى عام 1996 قرارا بتكليف المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالاسراع بإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وقام المجلس بالفعل بوضع برنامج تنفيذى لإنشاء المنطقة على مدار عشر سنوات تبدأ فى 1/1/1998. كما أطلق على قمة عمان فى عام 2001 -وهى أول قمة دورية تنعقد إعمالا لقرار قمة القاهرة فى عام 2000- وصف "القمة الاقتصادية" وتبنت هذه القمة المبادرة المصرية الخاصة بعقد أول مؤتمر اقتصادى عربى بالقاهرة فى نوفمبر /تشرين الثانى 2001 تحت شعار "الارتقاء بأداء الاقتصادات العربية".

ج- قانونيا

يعبر المشروع الخاص بتشكيل محكمة عدل عربية عن أبرز جهود التطوير المؤسسى للجامعة العربية على المستوى القانونى. وكان ميثاق الجامعة قد نص - على ما تقدم - على جواز تعديله فى حالات ثلاث، إحداها تأسيس محكمة عدل عربية. وهى نقطة بالغة الاهمية بالنظر الى أن قيام هذه المحكمة يعالج أحد جوانب القصور الخاصة بوسائل تسوية المنازعات وفى هذا السياق، اتخذت قمة الاسكندرية فى عام 1964 قرارا بإنشاء المحكمة. وبعد ستة عشر عاما وتحديدا فى عام 1980 قرر مجلس الجامعة تشكيل لجنة لوضع النظام الاساسى للمحكمة. وبالفعل أتمت اللجنة مهمتها فى عام 1982، لكن دون أن تحدد مجالات الولاية الالزامية للمحكمة وبالتالى ونزولا على قرار قمة فاس فى عام 1982 تشكلت لجنة أخرى قامت بإعداد مشروع عرض على مجلس الجامعة بعد فترة طويلة، وتحديدا فى عام 1994. وفى عام 1995 تم تحويل المشروع إلى اللجنة القانونية الدائمة التى انكبت على صياغة مشروع متكامل، تلك أهم عناصره الاساسية:
-تتشكل المحكمة من سبعة قضاة بالانتخاب السرى لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، مع تغيير ثلاثة منهم. يتم تحديدهم عن طريق القرعة كل ثلاثة أعوام.
-تختص المحكمة بالفصل فى المنازعات التى تحيلها لها أطرافها، أو تنص على إحالتها لها اتفاقيات ثنائية أو متعددة، أو تصرح الدول بولاية المحكمة عليها دون حاجة لاتفاق خاص.
-تحكم المحكمة وفق مبادىء ميثاق الجامعة العربية وبمقتضى قواعد القانون الدولى، كما تراعى المصادر الاخرى بموافقة الاطراف.
-وينتظر المشروع اقرار الدول الاعضاء بنوده حتى يصبح سارى المفعول.
ومما له صلة بقضية تسوية المنازعات بين الدول الاعضاء فى جامعة الدول العربية، تجدر الاشارة الى مشروع اخر من مشروعات التطوير. وذلك هو الخاص بانشاء آلية للوقاية من المنازعات وإدارتها وتسويتها. وقد تقدمت تونس بهذا المشروع فى الدورة رقم 104 لمجلس الجامعة التى انعقدت بين 20 و21/9/1995، وعبرت بذلك عن الاقتراح ذى الصلة الذى تبنته دول اتحاد المغرب العربى. وقد صادق مجلس الجامعة على المشروع فى 21/9/1995 وكلف لجنة متخصصة بصياغته فى شكله النهائى. وبموجب هذه الصياغة تقرر ما يلى:
-يشكل جهاز مركزى ليكون بمثابة الهيكل الاساسى المناط به تسيير آلية توقع المنازعات. ويتكون من خمسة ممثلين للدول الاعضاء على مستوى وزراء الخارجية، وامين عام الجامعة. ويرأسه وزير خارجية الدولة التى تترأس الدورة العادية لمجلس الجامعة.
-تساعد الجهاز هياكل أخرى سواء فى جمع المعلومات أو فى تنفيذ القرارات. وهذه الهياكل هى: بنك المعلومات، ونظام الانذار المبكر، ولجنة الحكماء، وصندوق جامعة الدول العربية للسلام.
-تتولى هذه الالية مهمة التدخل السريع للوقاية من أية منازعات بين الدول العربية، ثم تقوم فى مراحل أخرى بادارة هذه المنازعات وتسويتها بالوسائل السلمية. وفى حالة عدم التوصل للهدف السابق باستخدام امكانيات الجامعة، تعمل الالية بالتعاون مع الامم المتحدة على تطويق النزاع والاشراف على عمليات حفظ السلام استنادا الى الشرعية الدولية.
-تعتمد الالية فى عملها على مبادىء ميثاق الجامعة، ومعاهدة الدفاع المشترك، وميثاق الامم المتحدة.

د- إداريا

ينصب الحديث عن التطوير الادارى للجامعة على تطوير وضع الامانة العامة. ومن الملاحظ ان هذا البعد من ابعاد التطوير الهيكلى أو المؤسسى قد ارتبط بقضية تعديل الميثاق التى ادرجت على جدول اعمال عدد من القمم العربية، دون أن يعنى ذلك التطابق بين الجانبين. فلقد شكلت قمة الرباط فى عام 1974 لجنة رباعية كلفت باعداد تقرير عن تطوير الجامعة للعرض على مؤتمر القمة العربى الثامن. وطالبت قمة تونس فى عام 1979 بالعمل على إعادة بناء أجهزة الجامعة على أسس جديدة تكفل الفعالية والقدرة على التحرك.
وأشارت قمة الدار البيضاء فى عام 1989 فى بيانها الختامى إلى ضرورة تطوير التنظيم الادارى والهيكلى للجامعة. وأخير جاءت قمة عمان فى عام 2001 لتكلف الامين العام السيد عمرو موسى "باتخاذ الخطوات اللازمة"، واقتراح الصيغ المناسبة لإصلاح أوضاع الامانة العامة للجامعة من جميع النواحى المالية والادارية والتنظيمية، من أجل إعادة هيكلتها، والارتقاء بأساليب عملها وأدائها وتمكينها من الاضطلاع بالمتطلبات القومية، ومواكبة المستجدات على الساحتين الاقليمية والدولية.
ومما لا شك فيه أن تطوير جهاز الامانة العامة الذى يعكف عليه الأمين العام الجديد حاليا ليس مطلوبا لذاته، إنما هو مطلوب كمدخل لتفعيل أداء الامانة العامة لمهام حيوية تنتظرها كما أنه وهذا هو الأهم يمثل خطوة أولى لا غنى عنها لتطوير الجامعة العربية ذاتها كمنظمة تجسد الرابطة العربية ، وهى خطوة يعزز الأمل فيها وفى الهدف المرجو منها محورية دور الأمين العام فى إطار الجامعة على مدار تاريخها.

3- الهيكل

تتكون جامعة الدول العربية من ثلاثة فروع رئيسية أنشئت بمقتضى نصوص الميثاق، وتلك هى مجلس الجامعة واللجان الدائمة، والامانة العامة. هذا بخلاف الاجهزة التى أنشأتها معاهدة الدفاع العربى المشترك التى أُبرمت فى عام 1950، وهى الاجهزة التى سبقت الاشارة اليها، والاجهزة التى تم إنشاؤها بمقتضى قرارات صادرة عن مجلس جامعة الدول العربية من قبيل هيئة استغلال مياه نهر الاردن وروافده، ومركز التنمية الصناعية للدول العربية، ومعهد الغابات العربى.. الخ كما أنشأت الجامعة أو شجعت على إنشاء منظمات متخصصة بهدف تجميع الانشطة الاقتصادية والاجتماعية على أسس فنية وتخليصها، بدرجة أو بأخرى ، من التعقيدات السياسية. هذا بخلاف المجالس الوزارية المعنية بشئون الصحة والسياحة والأمن (الداخلية) وفيما يلى إشارة للأجهزة الثلاثة الرئيسية التى نص الميثاق على إنشائها:

أ-مجلس الجامعة

يعد هذا المجلس هو أعلى سلطة داخل الجامعة، ويتألف من ممثلى جميع الدول الاعضاء بما فيهم ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، ويكون لكل منهم صوت واحد مهما بلغ عدد الممثلين، علما بأن من حق الدول الأعضاء أن تحدد مستوى التمثيل الذى قد يرقى إلى مستوى رؤسائها أو يقل عنه، دون أن يغير ذلك من طبيعة المجلس. ويختص المجلس بحسب المادة الثالثة من الميثاق بتحقيق الاغراض الاتية:
-مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الاعضاء من اتفاقيات فى مختلف المجالات.
-اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان الفعلى أو المحتمل الذى قد يقع على إحدى الدول الاعضاء .
-فض المنازعات بين الدول الاعضاء بالطرق السلمية مثل الوساطة والتحكيم.
-تحديد وسائل التعاون مع الهيئات الدولية وبما يحفظ السلم والامن الدوليين.
-تعيين الامين العام للجامعة.
-تحديد أنصبة الدول الاعضاء فى ميزانية الجامعة وإقرارها.
-وضع النظام الداخلى الخاص به، وباللجان الدائمة، وبالامانة العامة.

ب - اللجان الدائمة

ينص الميثاق فى المادة الرابعة على تشكيل عدد من اللجان الدائمة المعنية بمختلف مجالات التعاون فيما بين الدول الأعضاء ، وهى اللجان التى ظهرت فيما بعد إلى استحداث المزيد منها لمواجهة مستجدات العلاقات العربية-العربية كما كان الحال بالنسبة اللجنة السياسية التى أنشأتها الممارسة العملية ولم تنشأ بنص صريح من الميثاق. ويجرى التمثيل فى كل من اللجان الدائمة بمندوب واحد عن كل دولة ، ويكون له صوت واحد.
ويعين مجلس الجامعة رئيس كل لجنة لمدة عامين قابلين للتجديد. وتصدر قرارات اللجان بأغلبية أصوات الدول الاعضاء علما بأن اجتماعاتها لا تصح إلا بحضور اغلبية الدول الاعضاء منها وتتمتع هذه اللجان بحق تشكيل لجان فرعية تعنى بالشئون الفنية المتخصصة ، كما يحق لها أن توصى بدعوة خبراء من الدول الأعضاء فى الجامعة للإستفادة بخبراتهم عند الحاجة وفى مجال تقويم أداء هذه اللجان ، يمكن الاشارة إلى دورها فى إنجاز العديد من مشروعات الاتفاقيات التى أبرمتها الدول الأعضاء والتى تدخل فيها بخلاف اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى ، واتفاقية الاتحاد العربى ، واتفاقية تسليم المجرمين وبروتوكول معاملة الفلسطينيين فى الدول العربية.

ج - الأمانة العامة

تنظم المادة الثانية عشرة من الميثاق وضع الأمانة العامة للجامعة التى أشير إلى أن يتم تشكيلها من أمين عام وأمناء مساعدين وعدد من الموظفين ، وأن مجلس الجامعة هو الذى يعين الأمين العام بأغلبية الثلثين ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، فيما يتولى الأمين العام- بموافقة المجلس-تعيين الأمناء المساعدين والموظفين الرئيسيين فى الجامعة. ولقد تعاقب على منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ستة أمناء هم السادة : عبد الرحمن عزام ، ومحمد عبد الخالق حسونة ، ومحمود رياض ، والشاذلى القليبى ، ود. عصمت عبد المجيد ، وعمرو موسى الذى عين أميناً عاماً فى عام 2001. ويحدد النظام الأساسى مهام الأمين العام على النحو التالى :
-المهام الإدارية والفنية ، وتشمل متابعة تنفيذ قرارات مجلس الجامعة ولجانها ، وتحديد تاريخ دورات انعقاد مجلس الجامعة، و توجيه الدعوة لعقد اجتماعات مجلس الجامعة واللجان الدائمة ، وتنظيم أعمال السكرتارية ذات الصلة ، وإعداد ميزانية الجامعة.
-المهام السياسية ، وتتضمن حق حضور اجتماعات مجلس الجامعة والمشاركة فى مناقشة الموضوعات المعروضة عليه ، وحق تقديم تقارير أو بيانات شفوية ومكتوبة عن أية مسألة يبحثها المجلس ، وحق توجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء فى الجامعة إلى مسألة يقدر الأمين العام أهميتها ، وحق تمثيل الجامعة لدى المنظمات الدولية ، وحق التحدث باسم الجامعة والتوجه للرأى العام بالبيانات اللازمة.
والجدير بالذكر أن الشق السياسى من عمل الأمين العام قد تطور تطورا كبيرا مع اتساع أنشطة الجامعة وتعدد أبعاد تلك الانشطة ومجالاتها .

4 - الدور

تمكنت جامعة الدول العربية على امتداد تاريخها من القيام بأدوار أربعة رئيسية يمكن الإشارة إليها بإيجاز على النحو التالى :

أ - الإسهام فى حصول الدول العربية على استقلالها ، حيث برز دور الجامعة على سبيل المثال فى مجال دعم جهود التحرر فى دول مثل الجزائر ، وسلطنة عمان ، واليمن الجنوبى ( قبل وحدة شطرى اليمن) ، والسودان. ومثل هذا الدور كان هو السبب المباشر فى اتساع حجم عضوية الجامعة على ما تقدم ، لتشمل اثنتين وعشرين دولة عربية على حين لم يتعد عدد الدول الموقعة على الميثاق التأسيسى سبع دول.

ب - المشاركة فى تسوية بعض المنازعات العربية - العربية ، ومن نماذجها النزاع المصرى - السودانى عام 1958، والمغربى - الجزائرى عام 1963 ، واليمنى - اليمنى عام 1987. ويلاحظ أن قدرة الجامعة فى هذا المجال قد ارتبطت بدرجة قبول الأطراف المتنازعة لدورها ، وهى نقطة تبدو أهميتها على ضوء ما هو معروف من كون سلطة الجامعة لا تعلو فوق سلطات الأعضاء. كما أنشأت الجامعة قوة أمن مؤقتة بمناسبة النزاع الكويتى - العراقى عام 1961، وطورت دبلوماسية مؤتمرات القمة العربية.

ج - تشجيع التعاون العربى - العربى عبر مجموعة المنظمات المتخصصة التى تشكلت على مختلف المستويات داخل إطار الجامعة وخارجه . ففى إطار الجامعة ، تم إنشاء منظمات اتسع نشاطها ليشمل مسائل العمالة ، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والشئون العلمية والثقافية ، ووسائل الاتصال والاعلام ، ولقد نهضت بعض المنظمات مثل منظمة العمل العربية ، والصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى. والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، واتحاد إذاعات الدول العربية ، والاتحاد العربى للمواصلات السلكية واللاسلكية ، بالتعبير عن تلك الاهتمامات والنشاطات كافة. وخارج إطار الجامعة نشط العمل النقابى العربى بجهد لا يغفل من الجامعة وبتنسيق مستمر بين أجهزتها؛ ومن هنا جاء قيام اتحادات المحامين والاطباء والصحفيين والحقوقيين والعمال العرب... الخ.

د- تمثيل الدول العربية فى مختلف المحافل والمنظمات الدولية مثل الامم المتحدة ومنظماتها المتخصصة ومنظمة الوحدة الافريقية، والتعاون مع هذه الأخيرة على تكوين طائفة من المؤسسات المشتركة مثل المصرف العربى للتنمية فى افريقيا، والصندوق العربى للقروض، هذا إلى جانب دور الجامعة العربية كطرف فى الحوار مع أوروبا فى حقبة السبعينيات.

بروتوكول الاسكندرية

الموقعون على هذا رؤساء الوفود العربية في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام وأعضاؤها وهم :

رئيس اللجنة التحضيرية
حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا رئيس مجلس وزراء مصر ووزير خارجيتها ورئيس الوفد المصري .

الوفد السوري
حضرة صاحب الدولة السيد سعد الله الجابري رئيس مجلس وزراء سوريا ورئيس الوفد السوري.
حضرة صاحب الدولة جميل مردم بك وزير الخارجية.
سعادة الدكتور نجيب الأرمنازي أمين سر العام لرياسة الجمهورية.
سعادة الأستاذ صبري العسلي نائب دمشق .

الوفد الأردني
حضرة صاحب الدولة توفيق أبو الهدى باشا رئيس مجلس وزراء شرق الاردن ووزير خارجيته ورئيس الوفد الأردني .
سعادة سليمان سكر بك سكرتير مالي وزارة الخارجية

الوفد العراقي
حضرة صاحب الدولة السيد حمدي الباجه جي رئيس مجلس وزراء العراق ورئيس الوفد العراقي.
حضرة صاحب المعالي السيد راشد العمري وزير الخارجية .
حضرة صاحب الدولة السيد نوري السعيد رئيس مجلس وزراء العراق سابقا.
حضرة صاحب السعادة السيد تحسين العسكري وزير العراق المفوض بمصر.

الوفد اللبناني
حضرة صاحب الدولة رياض الصلح بك رئيس مجلس وزراء لبنان ورئيس الوفد اللبناني.
حضرة صاحب المعالي سليم تقلا بك وزير الخارجية.
سعادة السيد موسى مبارك مدير غرفة حضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية.

الوفد المصري
حضرة صاحب المعالي أحمد نجيب الهلالي باشا وزير المعارف العمومية.
حضرة صاحب المعالي محمد صبري أبو علم باشا وزير العدل.
حضرة صاحب العزة محمد صلاح الدين بك وكيل وزارة الخارجية.

إثباتا للصلات الوثيقة والروابط العديدة التي تربط بين البلاد العربية جمعاء، وحرصا على توطيد هذه الروابط وتدعيمها وتوجيهها إلى ما فيه خير البلاد العربية قاطبة وصلاح أحوالها وتأمين مستقبلها وتحقيق أمانيها وآمالها، واستجابة للرأي العربي العام في جميع الأقطار العربية.
قد اجتمعوا بالاسكندرية بين يوم الاثنين 8 شوال سنة 1363 (الموافق 25 سبتمبر سنة 1944) ويوم السبت 20 شوال سنة 1363 (الموافق 7 أكتوبر سنة 1944) في هيئة لجنة تحضيرية للمؤتمر العربي العام وتم الاتفاق بينهم على ما يأتي:

أولا : جامعة الدول العربية :
تؤلف "جامعة الدول العربية" من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام اليها.
ويكون لهذه الجامعة مجلس يسمى "مجلس جامعة الدول العربية" تمثل فيه الدول المشتركة في "الجامعة" على قدم المساواة.
وتكون مهمته مراعاة تنفيذ ما تبرمه هذه الدول فيما بينها من الاتفاقات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بيها وصيانة لاستقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة وللنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.
وتكون قرارات هذا "المجلس " ملزمة لمن يقبلها فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة، ويلجأ فيها الطرفان إلى المجلس لفض هذا الخلاف، ففي هذه الأحوال تكون قرارات "مجلس الجامعة" نافذة ملزمة .
ولا يجوز على كل حال الالتجاء إلى القوة لفض النزاعات بين دولتين من دول الجامعة، ولكل دولة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الاحكام أو روحها.
ولا يجوز في أية حال اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة منها. ويتوسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما.
ويتوسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما.

ثانيا : التعاون في الشئون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها :
1- تتعاون الدول العربية الممثلة في اللجنة تعاونا وثيقا في الشئون الآتية :
* الشئون الاقتصادية والمالية بما في ذلك التبادل التجاري والجمارك والعملة وأمور الزراعة والصناعة.
* شئون المواصلات بما في ذلك السكك الحديدية والطرق والطيران والملاحة والبرق والبريد.
* شئون الثقافة .
* شئون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين وما إلى ذلك.
* الشئون الاجتماعية.
o* الشئون الصحية.
2- تؤلف لجنة فرعية من الخبراء لكل طائفة من هذه الشؤون تمثل فيها الحكومات المشتركة في اللجنة التحضيرية وتكون مهمتها إعداد مشروع قواعد التعاون في الشؤون المذكورة ومداه وأداته.
3- تؤلف لجنة للتنسيق والتحرير تكون مهمتها مراقبة عمل اللجان الفرعية الاخرىوتنسيق ما يتم من أعمالها أولا فأول وصياغته في شكل مشروعات اتفاقات وعرضه على الحكومات المختلفة.
4- عندما تنتهي جميع اللجان الفرعية من أعمالها تجتمع اللجنة التحضيرية لتعرض عليها نتائج بحث هذه اللجان تمهيدا لعقد المؤتمر العربي العام.

ثالثا : تدعيم هذه الروابط في المستقبل :
مع الاغتباط بهذه الخطوة المباركة ترجو اللجنة أن توفق البلاد العربية في المستقبل إلى تدعيمها بخطوات أخرى وبخاصة إذا أسفرت الاوضاع العالمية بعد الحرب القائمة عن نظم تربط بين الدول العربية بروابط أمتن وأوثق.

رابعا : قرار خاص بلبنان :
تؤيد الدول العربية الممثلة في اللجنة التحضيرية مجتمعة احترامها لاستقلال لبنان وسيادته بحدوده الحاضرة وهو ما سبق لحكومات هذه الدول أن اعترفت به بعد أن انتهج سياسة استقلالية أعلنتها حكومته في بيانها الوزاري الذي نالت عليه موافقة المجلس النيابي اللبناني بالاجماع في 7 أكتوبر سنة 1943.

خامسا : قرار خاص بفلسطين :
1- ترى اللجنة أن فلسطين ركن مهم من أركان البلاد العربية وأن حقوق العرب لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقرار في العالم العربي.
كما ترى اللجنة أن التعهدات التي أرتبطت بها الدولة البريطانية والتي تقضي بوقف الهجرة اليهودية والمحافظة على الأراضي العربية والوصول إلى استقلال فلسطين هي من حقوق العرب الثابتة التي تكون المبادرة إلى تنفيذها خطوة نحو الهدف المطلوب ونحو استتباب السلم وتحقيق الاستقرار.
وتعلن اللجنة تأييدها لقضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة.
وتصرح اللجنة بأنها ليست أقل تألما من أحد لما أصاب اليهود في أوروبا من الويلات والآلام على يد بعض الدول الأوروبية الدكتاتورية، ولكن يجب أن لايخلط بين مسألة هؤلاء اليهود وبين الصهيونية . إذ ليس أشد ظلما وعدوانا من أن تحل مسألة يهود أوروبا بظلم آخر يقع على عرب فلسطين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.
2- يحال الاقتراح الخاص بمساهمة الحكومات والشعوب العربية في "صندوق الأمة العربية " لإنقاذ أراضي العرب في فلسطين إلى لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية لبحثه من جميع وجوهه وعرض نتيجة البحث على اللجنة التحضيرية في اجتماعها المقبل. وإثباتا لما تقدم وقع هذاالبروتوكول بادارة جامعة فاروق الاول بالأسكندرية في يوم السبت 20 شوال سنة 1363 ( الموافق 7 أكتوبر سنة 1944).
إمضـــاءات
مصطفى النحاس
توفيق أبو الهدى
جميل مردم
محمد صبري أبو علم
محمد صلاح الدين
حمدي الباجه جي
أرشد العمري
تحسين السكري
سعد الله الجابري
أحمد نجيب الهلالي
سليمان سكر
نجيب الأرمنازي
صبري العسلي
رياض الصلح
مويسى مبارك

يتبع >







قديم 18-06-07, 07:42 AM   رقم المشاركة : 12
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

ميثاق الجامعة
يتألف الميثاق من عشرين مادة، تتعلق بأغراض الجامعة، وأجهزتها، والعلاقات فيما بين الدول الأعضاء، وغير ذلك من الشؤون. ويتصف الميثاق بالشمولية والتنوع الواسع في تحديد مجالات العمل العربي المشترك، ويفتح الباب أمام الدول الراغبة فيما بينها، في تعاون أوثق، وروابط أقوى مما نص عليه الميثاق، أن تعقد بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض. ويجوز تعديل الميثاق بموافقة ثلثي الدول الأعضاء، وذلك لجعل العلاقات فيما بين الدول الأعضاء أوثق وأمتن، ولإنشاء محكمة عدل عربية، ولتنظيم العلاقات بين الجامعة والمنظمات الدولية التي تسعى لصون السلم والأمن الدوليين. ويردف الميثاق ويكمله وثيقتان رئيسيتان : معاهدة الدفاع العربي المشترك (إبريل 1950) وميثاق العمل الاقتصادي القومي (نوفمبر 1980).

مادة 1

تتألف جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة الموقعة على هذا الميثاق.
و لكل دولة عربية مستقلة الحق فى أن تنضم الى الجامعة، فإذا رغبت فى الانضمام ، قدمت طلباً بذلك يودع لدى الأمانة العامة الدائمة، و يعرض على المجلس فى أول اجتماع يعقد بعد تقديم الطلب.

مادة 2

الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، و تنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها و صيانة لاستقلالها و سيادتها، و النظر بصفة عامة فى شئون البلاد العربية و مصالحها.
كذلك من أغراضها تعاون الدول المشتركة فيها تعاوناً وثيقاً بحسب نظم كل دولة منها و أحوالها فى الشئون الآتية:
(1) الشئون الاقتصادية و المالية، و يدخل فى ذلك التبادل التجارى والجمارك، والعملة، وأمور الزراعة والصناعة.
2) شئون المواصلات، و يدخل فى ذلك السكك الحديدية، و الطرق، و الطيران، و الملاحة، و البرق، و البريد. 3) شئون الثقافة
4) شئون الجنسية، و الجوازات، و التأشيرات، وتنفيذ الأحكام و تسليم المجرمين. 5) الشئون الاجتماعية.
6) الشئون الصحية.

مادة 3

يكون للجامعة مجلس يتألف من ممثلى الدول المشتركة فى الجامعة ، و يكون لكل منها صوت واحد مهما يكن عدد ممثليها.
وتكون مهمته القيام على تحقيق أغراض الجامعة ، و مراعاة تنفيذ ماتبرمه الدول المشتركة فيها من اتفاقات فى الشؤون المشار اليها فى المادة السابقة،و فى غيرها
و يدخل فى مهمة المجلس كذلك، تقرير وسائل التعاون مع الهيئات الدولية التى قد تنشأ فى المستقبل لكفالة الأمن و السلام، و لتنظيم العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية

مادة 4

تؤلف لكل من الشئون المبينة فى المادة الثانية لجنة خاصة تمثل فيها الدول المشتركة فى الجامعة. وتتولى هذه اللجان وضع قواعد التعاون ومداه، وصياغتها فى شكل مشروعات اتفاقات تعرض على المجلس للنظر فيها، تمهيداً لعرضها على الدول المذكورة.
ويجوز أن يشترك فى اللجان المتقدم ذكرها أعضاء يمثلون البلاد العربية الأخرى، ويحدد المجلس الأحوال التى يجوز فيها اشتراك اولئك الممثلين، وقواعد التمثيل.

مادة 5

لايجوز الالتجاء الى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، ولجأ المتنازعون الى المجلس لفض هذا الخلاف، كان قراره عندئذ نافذاً وملزماً.
وفى هذه الحالة لا يكون للدول التى وقع بينها الخلاف الاشتراك فى مداولات المجلس وقراراته.
ويتوسط المجلس فى الخلاف الذى يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة، وبين أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها، للتوفيق بينهما.
وتصدر قرارات التحكيم والقرارات الخاصة بالتوسط بأغلبية الآراء.

مادة 6

إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة، أو خشى وقوعه فللدولة المعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء، أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فوراً.
ويقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء ، ويصدر القرار بالإجماع، فإذا كان الاعتداء من إحدى دول الجامعة، لايدخل فى حساب الإجماع رأى الدولة المعتدية.
إذا وقع الاعتداء بحيث يجعل حكومة الدولة المعتدى عليها عاجزة عن الاتصال بالمجلس، فلممثل تلك الدولة فيه، أن يطلب انعقاده للغاية المبينة فىالفقرة السابقة. وإذا تعذر على الممثل الاتصال بمجلس الجامعة، حق لأى دولة من أعضائها أن تطلب انعقاده.

مادة 7

ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة فى الجامعة، ومايقرره المجلس بالاكثرية يكون ملزماً لمن يقبله. وفى الحالتين تنفذ قرارات المجلس فى كل دولة وفقاً لنظمها الأساسية.

مادة 8

تحترم كل دولة من الدول المشتركة فى الجامعة نظام الحكم القائم فى دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمى الى تغيير ذلك النظام فيها.

مادة 9

لدول الجامعة العربية الراغبة فيما بينها فى تعاون أوثق، وروابط أقوى، ممانص عليه هذا الميثاق، أن تعقد بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض.
والمعاهدات والاتفاقات التى سبق أن عقدتها، أو التى تعقدها فيما بعد، دولة من دول الجامعة مع أية دولة اخرى، لاتلزم ولاتقيد الأعضاء الآخرين.

مادة 10

تكون القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية، ولمجلس الجامعة أن يجتمع فى أى مكان آخر يعينه.

مادة 11

ينعقد مجلس الجامعة انعقاداً عادياً مرتين فى العام، فى كل من شهرى مارس وسبتمبر، وينعقد بصفة غير عادية كلما دعت الحاجة الى ذلك بناء على طلب دولتين من دول الجامعة.

مادة 12

يكون للجامعة أمانة عامة دائمة تتألف من أمين عام وأمناء مساعدين، وعدد كاف من الموظفين.ويعين مجلس الجامعة بأكثرية ثلثى دول الجامعة، الأمين العام، ويعين الأمين العام، بموافقة المجلس، الأمناء المساعدين والموظفين الرئيسيين فى الجامعة.
ويضع مجلس الجامعة نظاماً داخلياً لأعمال الأمانة العامة وشئون الموظفين.
ويكون الأمين العام فى درجة سفير، والأمناء المساعدون فى درجة وزراء مفوضين، ويعين فى ملحق لهذا الميثاق أول أمين عام للجامعة.

مادة 13

يعد الأمين العام مشروع ميزانية الجامعة، ويعرضه على المجلس للموافقة عليه قبل بدء كل سنة مالية.
ويحدد المجلس نصيب كل دولة من دول الجامعة فى النفقات، ويجوز أن يعيد النظر فيه عند الاقتضاء.

مادة 14

يتمتع أعضاء مجلس الجامعة، وأعضاء لجانها وموظفوها اللذين ينص عليهم فى النظام الداخلى، بالامتيازات وبالحصانة الدبلوماسية أثناء قيامهم بعملهم.
وتكون مصونة حرمة المبانى التى تشغلها هيئات الجامعة.

مادة 15

ينعقد المجلس للمرة الأولىبدعوة من رئيس الحكومة المصرية، وبعد ذلك بدعوة من الأمين العام. ويتناوب ممثلو دول الجامعة رئاسة المجلس فى كل انعقاد عادى.

مادة 16

فيما عدا الاحوال المنصوص عليها فى هذا الميثاق، يكتفى بأغلبية الآراء لاتخاذ المجلس قرارات نافذة فى الشئون الآتية:
أ - شئون الموظفين.
ب - إقرار ميزانية الجامعة .
ج- وضع نظام داخلى لكل من المجلس ، واللجان،والأمانة العامة.
د- تقرير فض أدوار الاجتماع.

مادة17

تودع الدول المشتركة فى الجامعة، الأمانة العامة نسخاً من جميع المعاهدات والاتفاقات التى عقدتها أو تعقدها مع أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها

مادة 18

إذا رأت إحدى دول الجامعة أن تنسحب منها، أبلغت المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنة.
ولمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لاتقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة، وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار اليها.

مادة 19

يجوز بموافقة ثلثى دول الجامعة تعديل هذا الميثاق. وعلى الخصوص لجعل الروابط بينها أمتن وأوثق ولإنشاء محكمة عدل عربية ولتنظيم صلات الجامعة بالهيئات الدولية التى قد تنشأ فى المستقبل لكفالة الأمن و السلام.
ولا يبت فى التعديل إلا فى دور الانعقاد التالى للدور الذى يقدم فيه الطلب. وللدولة التى لا تقبل التعديل أن تنسحب عند تنفيذه، دون التقيد بأحكام المادة السابقة.

مادة 20

يصدق على هذا الميثاق وملاحقه، وفقاً للنظم الأساسية المرعية فى كل من الدول المتعاقدة، وتودع وثائق التصديق لدى الأمانة العامة، ويصبح الميثاق نافذً قِبَلَ من صدق عليه بعد انقضاء خمسة عشر يوماً من تاريخ استلام الأمين العام وثائق التصديق من اربع دول.
حرر هذا الميثاق باللغة العربية فى القاهرة بتاريخ 8 ربيع الثانى سنة 1364هـ (22مارس سنة1945) من نسخة واحدة تحفظ فى الأمانة العامة.
وتسلم صورة منها مطابقة للأصل لكل دولة من دول الجامعة.







قديم 19-06-07, 03:28 AM   رقم المشاركة : 13
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

المشاركة الســيـاســـية

المشاركة الســيـاســـية

الفصل الأول


مفهوم المشاركة الســيـاســـية

حتى العصر الحديث كانت المشاركة السياسية مقتصرة فى الغالب على أثرياء القوم ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل. أما الأغلبية الساحقة فكانت بعيدة عن المشاركة.
ومنذ مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع عشر بدأ الاتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية. وبلغ هذا الاتجاه ذروته أثناء الثورة الصناعية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

ولعل ذلك يرجع إلى العوامل التالية :
1 - التصنيع ونمو المدن وازدياد التعليم والذى ترتب عليه ظهور قوى اجتماعية جديدة (عمال ـ تجار ـ أصحاب مهن حرة) استشعرت فى نفسها القدرة على تشكيل مصيرها فطالبت بجزء من القوة السياسية.
2 - ظهور الدعوات التى حمل لواءها المثقفون من فلاسفة وكتاب وصحفيين والتى تنادى بقيم المساواة والحرية والمصلحة العامة بشكل أدى إلى تغذية المطالبة بمشاركة أوسع فى العملية السياسية.
3 - التطور فى وسائل النقل والمواصلات والاتصالات والذى أدى إلى انتشار الأفكار الجديدة حول الديمقراطية والمشاركة بسرعة وسهولة نسبية.
4 - الصراع بين القيادات السياسية. ففى ظل التنافس على السلطة تناضل القوى المتصارعة فى سبيل كسب التأييد الشعبى وهذا فى حد ذاته يعطى الشرعية لفكرة المشاركة الجماهيرية.
5 - التدخل الحكومى المتزايد فى الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والذى أصبحت معه الحياة اليومية للأفراد تتوقف على أعمال الحكومة بصورة حاسمة، وبدون الحق القانونى فى المشاركة السياسية يصبح الفرد بلا حول ولا قوة فى مواجهة الحكومة التى قد تضر بمصالحه. من هنا كانت المطالبة بمنح الحقوق السياسية للأفراد وتهيئة امكانية ممارستها بفاعلية، وذلك للحد من سطوة الحكومة ونفوذها.
وتختلف مسميات المشاركة. فهناك من يطلق عليها المشاركة الجماهيرية وهناك من يسميها المشاركة الشعبية أو المشاركة العامة.
وبالرغم من اختلاف هذه المسميات إلا أنها تدور كلها حول معنى واحد ألا وهو مساهمة كل فرد من أفراد المجتمع ـ فى كل الأعمال وفى كل المستويات ـ فى مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، أى المشاركة المباشرة للجماهير فى شئون المجتمع، وليس عن طريق المشاركة النيابية كممثلى الشعب أو المجالس المنتخبة والتى تعتبر مشاركة غير مباشرة . ويمكن التعرض لقضية المشاركة السياسية من خلال المحاور التالية :

أولاً : تعريف المشاركة السياسية :
يقتضى الاقتراب من مفهوم المشاركة السياسية توضيح المقصود بمصطلح المشاركة بصفة عامة، تمهيداً لطرح مفهوم المشاركة السياسية.
فالمشاركة قد تعنى أى عمل تطوعى من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة وإدارة الشئون العامة أو اختيار القادة السياسيين على أى مستوى حكومى أو محلى أو قومى.
وهناك من يعرفها على أنها عملية تشمل جميع صور اشتراك أو اسهامات المواطنين فى توجيه عمل أجهزة الحكومة أو أجهزة الحكم المحلى أو لمباشرة القيام بالمهام التى يتطلبها المجتمع سواء كان طابعها استشارياً أو تقريرياً أو تنفيذياً أو رقابياً، وسواء كانت المساهمة مباشرة أو غير مباشرة.
وهى قد تعنى لدى البعض الجهود التطوعية المنظمة التى تتصل بعمليات اختيار القيادات السياسية وصنع السياسات ووضع الخطط، وتنفيذ البرامج والمشروعات، سواء على المستوى الخدمى أو على المستوى الانتاجى، وكذلك على المستوى المحلى أو المستوى القومى.
كما تعنى المشاركة اسهام المواطنين بدرجة أو بأخرى فى إعداد وتنفيذ سياسات التنمية المحلية سواء بجهودهم الذاتية أو التعاون مع الأجهزة الحكومية المركزية والمحلية.
كما قد تعنى تلك الجهود المشتركة الحكومية والأهلية فى مختلف المستويات لتعبئة الموارد الموجودة أو التى يمكن إيجادها لمواجهة الحاجات الضرورية وفقاً لخطط مرسومة، وفى حدود السياسة الاجتماعية للجميع.
ويمكن تقسيم المشاركة الجماهيرية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: المشاركة الاجتماعية والمشاركة الاقتصادية والمشاركة السياسية. وإن كانت هناك صعوبة عند الفصل بين هذه الأنواع فى الواقع العملى لارتباط هذه الأنواع مع بعضها ارتباطاً قوياً وتداخلها تداخلاً قوياً وتأثير كل نوع فى النوعين الآخرين وتأثره بهما تأثراً كبيراً.
1- تعرف المشاركة الاجتماعية على أنها تلك الأنشطة التى تهدف إلى التغلب على بعض المشكلات العملية اليومية، وتسهم فى تحقيق قدر من التضامن والتكافل بين أعضاء المجتمع وذلك فى مجالين أساسيين :
الأول : هو الجهود التطوعية كبناء المساجد أو المدارس أو المستشفيات بالمساهمة بالمال والأرض فى انشائها.

والثانى : هو حل المشكلات اليومية والخلافات التى قد تنشأ بين الأفراد أو الجماعات فى المجتمع. فالمشاركة الاجتماعية ظاهرة اجتماعية تحدث نتيجة تفاعل الفرد وتعامله مع أفراد مجتمعه وجماعاته ومنظماته ومؤسساته، وتختلف درجة استجابة المواطن لتلك المشاعر وفقاً لعدة عوامل بعضها نفسى كسماته وقدراته النفسية والعقلية وبعضها اجتماعى كظروف التنشئة الاجتماعية، كما تخضع المشاركة للظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية والتربوية لشخصية الفرد ومجتمعه.
2- المشاركة الاقتصادية هى مشاركة الجماهير فى مشاريع التنمية الاقتصادية وذلك بالمساهمة فى وضع قراراتها وتمويلها وتنفيذها. كما قد تعنى الأنشطة التى تقوم بها الجماهير لدعم الاقتصاد القومى مثل دفع الضرائب والرسوم وغيرها. كما قد تعنى أن يقوم الفرد بضبط انفاقه بحيث يكون استهلاكه فى حدود دخله وبما يسمح له بوجود فائض على الدوام يدعم الاقتصاد الوطنى. مع توفر درجة من الوعى تجعله يقاطع التجار الذين يغالون فى رفع الأسعار أو يحجبون سلعاً معينة عن المستهلكين.
3- المشاركة السياسية تعنى تلك الأنشطة الإرادية التى يقوم بها المواطنون بهدف التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر فى عملية اختيار الحكام أو التأثير فى القرارات أو السياسات التى يتخذونها.
كما قد تعنى المشاركة السياسية العملية التى يلعب الفرد من خلالها دوراً فى الحياة السياسية لمجتمعه وتكون لديه الفرصة لأن يسهم فى مناقشة الأهداف العامة لذلك المجتمع وتحديد أفضل الوسائل لانجازها، وقد تتم هذه المشاركة من خلال أنشطة سياسية مباشرة أو غير مباشرة.
ويرى البعض أن أنشطة المشاركة يمكن تصنيفها فى مجموعتين :
1 ـ أنشطة تقليدية أو عادية : وتشمل التصويت ومتابعة الأمور السياسية والدخول مع الغير فى مناقشات سياسية، وحضور الندوات والمؤتمرات العامة، والمشاركة فى الحملة الانتخابية بالمال والدعاية، والانضمام إلى جماعات المصلحة، والانخراط فى عضوية الأحزاب والاتصال بالمسئولين، والترشيح للمناصب العامة وتقلد المناصب السياسية.
ويعتبر التصويت أكثر أنماط المشاركة السياسية شيوعاً حيث تعرفه الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية على السواء مع خلاف فى دلالته ودرجة تأثيره، فهو فى الأولى آلية للمفاضلة بين المرشحين واختيار شاغلى المناصب السياسية بدرجة كبيرة من الحرية، ولكنه ليس كذلك فى الأنظمة التسلطية إذ تعد الانتخابات هناك أداة لمن هم فى مواقع السلطة يستخدمونها للدعاية وكسب التأييد والشرعية أكثر منها أداة للاختيار السياسى الواعى والتأثير فى شئون الحكم والسياسة من قبل الجماهير، ولهذا قد يعتبر الامتناع عن التصويت لوناً من الاحتجاج الصامت.
2 ـ أنشطة غير تقليدية : بعضها قانونى مثل الشكوى، وبعضها قانونى فى بعض البلاد وغير قانونى فى بلاد أخرى كالتظاهر والاضراب وغيره من السلوكيات السلبية.
وتعتبر المشاركة السياسية شكلاً من أشكال التعليم، حيث يتعلم المواطنون من خلالها حقوقهم وواجباتهم، وهذا يؤدى بدوره إلى معرفة تامة وإدراك كبير لهذه الحقوق والواجبات، والى مزيد من الواقعية والمرونة فى مطالب هؤلاء المواطنين.
فالمشاركة السياسية ترتبط بالمسئولية الاجتماعية التى تقوم على اساس الموازنة بين الحقوق والواجبات لذلك فهى سمة من سمات النظم الديمقراطية حيث يتوقف نمو وتطور الديمقراطية على مدى اتساع نطاق المشاركة وجعلها حقوقاً يتمتع بها كل إنسان فى المجتمع.
كما تؤدى المشاركة إلى مزيد من الاستقرار والنظام فى المجتمع مما يؤدى بدوره إلى توسيع وتعميق الإحساس بشرعية النظام.. ذلك أن المشاركة تعطى الجماهير حقاً ديمقراطياً يمكنهم من محاسبة المسئولين عن أعمالهم إذا ما قصروا فى الأداء، ذلك لأن المواطنين الذين لديهم معرفة وعلم بمجريات الأمور يمكنهم الحكم تماماً على مدى جودة الأداء الحكومى. بالإضافة إلى أن المشاركة تدعم العلاقة بين الفرد ومجتمعه.الأمر الذى سينعكس بالضرورة على شعوره بالانتماء لوطنه الكبير.
كما أن المشاركة تجعل الجماهير أكثر إدراكاً لحجم المشاكل المتعلقة بمجتمعهم وللامكانات المتاحة لها فتفتح باباً للتعاون البناء بين الجماهير والمؤسسات الحكومية.
إن المشاركة الحقيقية تعنى فى كثير من الأحيان تدعيم الفكر الحكومى بكثير من الآراء الجماهيرية الصالحة التى لم تتأثر بتقاليد البيروقراطية وحدودها، كما أنها تؤدى إلى قيام الجماهير بتنظيم أنفسهم فى جمعيات أهلية تساند الهيئات الحكومية فى مقابلة الاحتياجات العامة للجماهير ككل.
والمشاركة من خلال الهيئات التطوعية تفتح فى بعض الأحيان ميادين للخدمات والنشاط وهى بذلك بجانب مساهمتها المادية والمعنوية توجه الأنظار إلى ميادين جديدة، كما أنها ـ أى المشاركة ـ تزيد من الوعى العام للجماهير، لاضطرار القائمين عليها إلى شرح أبعاد الخدمات والمشروعات باستمرار بغرض حث الجماهير على الاشتراك والمساهمة فيها.
كما أن المشاركة تعود المواطنين الحرص على المال العام، وهى مشكلة تعانى منها غالبية الدول النامية، حيث يتعرض هذا المال إلى الاهدار وسوء الاستعمال من جانب المواطنين، ويرجع ذلك إلى تصور ادراكهم بأن المال العام هو فى حقيقته نابع من أموالهم الخاصة، وأن سوء استعمال المرافق العامة أو عدم الاهتمام بصيانتها يؤدى بالضرورة إلى تقصير فترات أعمارها الافتراضية، وبالتالى يكون عليهم تحمل الأعباء المالية اللازمة لصيانة هذه المرافق وتجديدها وإعادة بناءها. فإذا ما شارك هؤلاء المواطنون فى إنشاء هذه المرافق تصبح قيمتها فى نظرهم مساوية لأموالهم الخاصة تماماً فيحرصون على حسن استخدامها.
بالإضافة إلى أن مشاركة المواطنين فى المساهمة فى تحمل مسئولية صنع القرار يسهل كثيراً فى عملية تنفيذ الخطط والبرامج، ذلك لأن تقبل المواطنين لأى مشروعات قائمة أو جديدة، وكذلك العمل على اتمام نجاح هذه المشروعات لا يتم إلا إذا شارك المواطنون فى التخطيط لهذه المشروعات بناء على معرفتهم التامة وإدراكهم لفوائد هذه المشروعات وأهميتها.
وأيضاً من خلال المشاركة الجماهيرية يمكن تحقيق كل أهداف المجتمع بشكل يضمن تحقيق الحد الأقصى من الفوائد وبأسلوب يتلاءم مع احتياجات ورغبات وقدرات الجماهير.
كما تسهم المشاركة وتزيد من ارتباط الجماهير بالنظام وأهدافه، وترفع من شأن الولاء والتأثير والمسئولية، وتحسن من الفاعلية، وترفع من مستوى الأداء وتحقق التكيف الاجتماعى، وتقضى على صور استغلال السلطة والاغتراب وتحقق قيمة المساواة والحرية.
فأهمية المشاركة تأتى من أنها عملية لنقل وإبلاغ حاجات المواطنين إلى الحكومة. ولكنها أيضاً تهدف إلى التأثير على سلوك الحكام وذلك بتوصيل معلومات عن الأولويات التى تفضلها الجماهير، وأيضاً من خلال الضغط على هؤلاء الحكام ليعملوا وفق هذه الأولويات. وبذلك تتسع فرص المشاركة. فتقل عمليات استغلال السلطة والشعور بالاغتراب لدى الجماهير. وتتحقق قيم المساواة والحرية مما يؤدى إلى الاستقرار العام فى
المجتمع، الأمر الذى يساعد على تحقيق الشروط الاجتماعية والثقافية والسياسية لنجاح خطط التنمية المختلفة.
والمشاركة مبدأ اساسى من مبادىء تنمية المجتمع، فالتنمية الحقيقية الناجحة لا تتم بدون مشاركة، كما أن المشاركة تعتبر أفضل وسيلة لتدعيم وتنمية الشخصية الديمقراطية على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع، وهى فى نفس الوقت من أبسط حقوق المواطن، وهى حق اساسى يجب أن يتمتع به كل مواطن يعيش فى مجتمعه، فمن حقه أن يختار حكامه وأن يختار نوابه الذين يقومون بالرقابة على الحكام وتوجيههم لما فيه مصلحة الشعب.
كما أنه من خلال المشاركة يمكن أن يقوم الفرد بدور فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعه، بقصد تحقيق أهداف التنمية الشاملة على أن تتاح الفرصة لكل مواطن لكى يسهم فى وضع هذه الأهداف وتحديدها والتعرف على أفضل الوسائل والأساليب لتحقيقها، وعلى أن يكون اشتراك المواطنين فى تلك الجهود بناء على رغبة منهم فى القيام بهذا الدور دون ضغط أو إجبار من جانب السلطات وفى هذه الحالة يمكن القول بأن هذه المشاركة تترجم شعور المواطنين بالمسئولية الاجتماعية تجاه مجتمعهم والمشكلات المشتركة التى تواجههم والرغبة فى تحويل الأهداف التى يريدون بلوغها إلى واقع ملموس.

ثانياً : أشكال ومستويات المشاركة :
لما كانت المشاركة السياسية تعنى بصفة عامة تلك الأنشطة الاختيارية أو التطوعية التى يسهم المواطنون من خلالها فى الحياة العامة، فإن هذه المستويات لمشاركة المواطنين فى الحياة العامة تختلف من دولة لأخرى ومن فترة لأخرى فى الدولة نفسها .. ويتوقف ذلك على مدى توفر الظروف التى تتيح المشاركة أو تقيدها، وعلى مدى اقبال المواطنين على الاسهام فى العمل العام.

1 - أربعة مستويات للمشاركة :
أ - المستوى الأعلى : وهو ممارسو النشاط السياسى
ويشمل هذا المستوى من تتوافر فيهم ثلاث شروط من ستة : عضوية منظمة سياسية، والتبرع لمنظمة أو مرشح، وحضور الاجتماعات السياسية بشكل متكرر، والمشاركة فى الحملات الانتخابية، وتوجيه رسائل بشأن قضايا سياسية للمجلس النيابى، ولذوى المناصب السياسية أو للصحافة، والحديث فى السياسة مع أشخاص خارج نطاق الدائرة الضيقة المحيطة بالفرد.
ب - المستوى الثانى : المهتمون بالنشاط السياسى Politically Relevant People :
ويشمل هذا المستوى الذين يصوتون فى الانتخابات ويتابعون بشكل عام ما يحدث على الساحة السياسية.
ج ـ- المستوى الثالث : الهامشيون فى العمل السياسى Spurs to Political Action :
ويشمل من لا يهتمون بالأمور السياسية ولا يميلون للاهتمام بالعمل السياسى ولا يخصصون أى وقت أو موارد له، وإن كان بعضهم يضطر للمشاركة بدرجة أو بأخرى فى أوقات الأزمات أو عندما يشعرون بأن مصالحهم المباشرة مهددة أو بأن ظروف حياتهم معرضة للتدهور.
د - المستوى الرابع : المتطرفون سياسياً Excessive Participation :
وهم أولئك الذين يعملون خارج الأطر الشرعية القائمة، ويلجئون إلى أساليب العنف.
والفرد الذى يشعر بعداء تجاه المجتمع بصفة عامة أو تجاه النظام السياسة بصفة خاصة إما أن ينسحب من كل أشكال المشاركة وينضم إلى صفوف اللامبالين، وإما أن يتجه إلى استخدام صور من المشاركة تتسم بالحدة والعنف.

2- وأربع مراحل للمشاركة :
أ ـ الاهتمام السياسى : ويندرج هذا الاهتمام من مجرد الاهتمام أو متابعة الاهتمام بالقضايا العامة وعلى فترات مختلفة قد تطول أو تقصر، بالإضافة إلى متابعة الأحداث السياسية. حيث يميل بعض الأفراد إلى الاشتراك فى المناقشات السياسية مع أفراد عائلاتهم أو بين زملائهم فى العمل، وتزداد وقت الأزمات أو فى أثناء الحملات الانتخابية.
ب ـ المعرفة السياسية : والمقصود هنا هو المعرفة بالشخصيات ذات الدور السياسى فى المجتمع على المستوى المحلى أو القومى مثل أعضاء المجلس المحلى وأعضاء مجلس الشعب والشورى بالدائرة والشخصيات القومية كالوزراء.
جـ ـ التصويت السياسى : ويتمثل فى المشاركة فى الحملات الانتخابية بالدعم والمساندة المادية من خلال تمويل الحملات ومساعدة المرشحين أو بالمشاركة بالتصويت.
د ـ المطالب السياسية : وتتمثل فى الاتصال بالأجهزة الرسمية وتقديم الشكاوى والالتماسات والاشتراك فى الأحزاب والجمعيات التطوعية.
وتوجد المشاركة فى كافة الأنظمة السياسية على اختلافها وإن كانت بالطبع تبدو أكثر وضوحاً وصراحة فى التعبير عن نفسها فى ظل الأنظمة الديمقراطية التى تتيح مساحات أكبر من الحرية واحتراماً لمنظومة حقوق الإنسان وانتخابات دورية حرة وتنافسية وبالتالى تتيح قدراً كبيراً لمشاركة المواطن بشكل فاعل فى الحياة السياسية، وبالقدر الذى يهم المدافعين عن مشاركة أكبر فإن الانغماس الحقيقى فى عملية صنع القرار سوف تجعل صقل هذه القرارات أكثر علاقة بالحاجات الحقيقية للمشاركين، وبالتالى أكثر تقبلاً من جانبهم ، وبعبارة أخرى أنه كلما زادت درجة المشاركة كلما ارتفع مستوى الشرعية نتيجة لذلك.
وفى مطلق الأحوال فإن النقطة الرئيسية فى هذا الموضوع هى فيما إذا كانت المشاركة السياسية الأعظم مؤدية إلى تعزيز شرعية النظام، ذلك أن وجهة النظر المقابلة هى أيضاً محل نقاش واسع كذلك، وحسب الرأى الثانى فإن المشاركة تؤدى إلى إدخال تعقيدات فى عملية صنع القرار، وإحباطات من شأنها أن تقلل من كفاءة القرارات وبالتالى من شرعية الذين يصنعونها.
ويضيف أصحاب هذا الرأى أن المشاركة المفرطة قد تخلق ظروفاً تعكس الرضى أو النزاع وهو ما لا يظهر إلى السطح فى الأشكال الأخرى للمشاركة، وإذا كان موجوداً ولا تتوفر الأبنية والوسائل التى تسهل عملية تشكيله والتعبير عنه.
ولذلك يذهب البعض إلى القول أن المشاركة تكون ذات أهمية بالقدر الذى تؤثر فيه على الحكومات فعلاً وليس فقط بالذهاب إلى صندوق الاقتراع.
ومن ناحية أخرى فإن الأقلية من الناس النشطين تستطيع أن تتواصل فى أفكارها بشكل منتظم مع ممثليها عبر الرسائل وفى أحيان كثيرة فإن مثل هذه النشاطات تحدث فى نطاق ما يسمى بجماعات المصالح أو الضغط المنظمة أو التنظيمات الخاصة بالأحزاب السياسية.

ثالثاً : مدى المشاركة السياسية :
يتوقف المدى الذى يشترك به المواطن فى العمل السياسى على اهتمامات المواطن بالدرجة الأولى، وعلى المناخ السياسى ـ فكريا ومادياً واجتماعياً ـ الذى يسود فى المجتمع. ففى المجتمعات الغربية تعتبر المشاركة السياسية واجباً مدنياً على المواطنين، وكلما زادت المشاركة كان ذلك دليلاً على صحة المناخ السياسى وسلامته، فضلاً عن أن المشاركة تعتبر أفضل وسيلة لحماية المصالح الفردية.
وفى بعض المجتمعات تتمثل أعلى مستويات المشاركة فى الانتخابات على الرغم من أن نتائج الانتخابات تختلف إلى حد بعيد من بلد لآخر.
كما أن مدى المشاركة يتفاوت طبقاً للتعليم والمهنة والجنس والسن والديانة ومحل الإقامة والشخصية والمحيط الثقافى. فكلما زاد مستوى التعليم زادت المشاركة كما أن المشاركين من الرجال هم أكثر من المشاركات من النساء، وكذلك المشاركين من قاطنى المدن هم أكثر من أولئك قاطنى الريف. كما تزداد المشاركة بين المشتركين فى عضوية الجماعات أو المنظمات المختلفة.
وبالطبع هذه الخصائص ليست ثابتة ولا تشكل قاعدة عامة. فمثلاً رجل ينتمى للطبقة العاملة قد لا يحظى بتعليم عال بعد الدراسة الثانوية، ولكنه من المحتمل أن ينتمى لنقابة عمالية، وبالمثل سيدة تنتمى للطبقة الوسطى قد تكون حظيت بقسط من التعليم بعد المرحلة الثانوية، غير أنها لا تنتمى إلى نقابة عمالية، وفى كلتا الحالتين تكون هذه السمات متعارضة ومن الصعب تشكيل نمط معين يوضح الأهمية النسبية لكل منهما.
وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الدلائل على أن الأفراد الذين يتعرضون لعدد من الضغوط القوية يكونون أكثر احتمالاً للمشاركة فى السياسة.
وعموماً فإن مستويات المشاركة تزداد مع ازدياد الرغبة فى التأثير على من يملكون السلطة السياسية، ومن ثم تكون محاولة استخدام طرق غير تقليدية للتأثير على السياسة العامة فى شكل ما أطلق عليه الحركات الاجتماعية الجديدة وهى نوع من جماعات الضغط أو المصالح، ولكنها تعبر عن اهتمامات مختلفة وتعمل بطرق تختلف عن تلك التى ترتبط عادة بجماعات الضغط مثل الجمعيات والمؤسسات الأهلية.

رابعاً : خصائص المشاركة السياسية :
تتسم المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بمجموعة من السمات والخصائص الهامة وذلك على النحو التالى :
1- المشاركة سلوك تطوعي ونشاط إرادى حيث أن المواطنين يقومون بتقديم جهودهم التطوعية لشعورهم بالمسئولية الاجتماعية تجاه القضايا والأهداف.
2- المشاركة سلوك مكتسب فهى ليست سلوكاً فطرياً يولد به الانسان أو يرثه، وانما هى عملية مكتسبة يتعلمها الفرد أثناء حياته وخلال تفاعلاته مع الأفراد والمؤسسات الموجودة فى المجتمع.
3 - المشاركة سلوك ايجابى واقعى، بمعنى أنها تترجم إلى أعمال فعلية وتطبيقية وثيقة الصلة بحياة وواقع الجماهير، فهى ليست فكرة مجردة تحلق فى الأجواء ولا تهبط إلى مستوى التنفيذ.
4 - المشاركة عملية اجتماعية شاملة ومتكاملة متعددة الجوانب والأبعاد تهدف إلى اشتراك كل فرد من أفراد المجتمع فى كل مرحلة من مراحل التنمية، فى المعرفة والفهم والتخطيط والتنفيذ والإدارة والاشتراك والتقويم وتقديم المبادرات والمشاركة فى الفوائد والمنافع.
5 - لا تقتصر المشاركة على مجال أو نشاط واسع من أنشطة الحياة بل ان للمشاركة مجالات متعددة اقتصادية وسياسية واجتماعية يمكن أن يشارك فيها الفرد من خلال اشتراكه فى أحدها أو فيها كلها فى آن واحد.
6 - المشاركة الجماهيرية لا تقتصر على مكان محدد ولا تتقيد بحدود جغرافية معينة فقد تكون على نطاق محلى أو اقليمى أو قومى.
7- المشاركة حق وواجب فى آن واحد فهى حق لكل فرد من أفراد المجتمع وواجب والتزام عليه فى نفس الوقت، فمن حق كل مواطن أن يشارك فى مناقشة القضايا التى تهمه وأن ينتخب من يمثله فى البرلمان وأن يرشح نفسه إذا ارتأى فى نفسه القدرة على قيادة الجماهير والتعبير عن طموحاتهم فى المجالس النيابية. فالمشاركة هى الوضع السليم للديمقراطية فلا ديمقراطية بغير مشاركة، كما أن المشاركة واجب على كل مواطن، فهو مطالب بأن يؤدى ما عليه من التزامات ومسؤوليات اجتماعية تجاه قضايا مجتمعه لاحداث التغيير اللازم نحو التوجه التنموى فى المجتمع.
8- المشاركة هدف ووسيلة فى آن واحد .. فهى هدف لأن الحياة الديمقراطية السليمة تقتضى مشاركة الجماهير فى المسئولية الاجتماعية، مما يعنى تغيير سلوكيات وثقافات المواطنين فى اتجاه الشعور بالمسئولية الاجتماعية، كما أنها وسيلة لتمكين الجماهير من لعب دور محورى فى النهوض بالمجتمع نحو الترقى والرفاهية والمساهمة فى دفع عجلة التنمية.
9- المشاركة توحد الفكر الجماعى للجماهير حيث تساهم فى بلورة فكر واحد نحو الاحساس بوحدة الهدف والمصير المشترك والرغبة فى بذل الجهود لمساندة الحكومة والتخفيف عنها.

خامساً : دوافع المشاركة :
يسعى الفرد للمشاركة فى مختلف المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، انطلاقاً من عدة دوافع منها ما يتصل بالمجتمع ككل، ومنها ما يتعلق باهتمامات الفرد واحتياجاته الشخصية.
وعلى هذا يمكن الحديث عن نوعين من الدوافع :
1- الدوافع العامة : وتتمثل فى :
× الشعور بأن المشاركة واجب والتزام من كل فرد تجاه المجتمع الذى يعيش فيه، مما يستوجب مشاركة الجماهير وبفاعلية فى الحياة العامة للمجتمع فيعبرون عن آرائهم وأفكارهم ورغباتهم فيما يجب اتخاذه من قرارات وقوانين وسياسات وفى البرامج والسياسات التى تتخذ استجابة لاحتياجات المواطنين.
× حب العمل العام والرغبة فى مشاركة الآخرين فى تطوير المجتمع وتحسين مستويات الخدمة فيه من خلال العمل فى المجالات المختلفة التى تستهدف تحسين وجه الحياة على أرض الوطن.
× الرغبة فى لعب دور محورى ومؤثر فى أنشطة المجتمع المختلفة بالشكل الذى يؤثر على حاضرهم ومستقبلهم ويشعرهم بأهمية دورهم وانعكاساته على دعم مسيرة التنمية.
× الرغبة فى تقوية الروابط بين مختلف فئات المجتمع وجماعاته بغية تحقيق نوع من التكامل. والتفاعل بين هذه الفئات بما يحقق المصالح المشتركة لهذه الفئات والجماعات.
× الأعباء الملقاة على كاهل الحكومة للوصول الى الأهداف المطلوب تحقيقها.
× الرضا أو عدم الرضا عن السياسات القائمة. حيث أثبتت بعض الدراسات أن المشاركة الجماهيرية تزداد مع زيادة الرضا عن هذه السياسات والعكس صحيح. وأن الذين يهتمون بالمشكلات العامة هم أكثر الناس رضاء عن المجتمع.







قديم 19-06-07, 03:30 AM   رقم المشاركة : 14
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

عوامل التنشئة الاجتماعية والسياسية فى محيط الأسرة أو المدرسة أو النادى أو المؤسسات الدينية أو التطوعية أو الأحزاب أو وسائل الاتصال وغيرها، والتى تنمى فى الفرد قيمة المشاركة، وتجعل منه مواطناً مشاركاً.
× توافر الضمانات القانونية والدستورية التى تضمن للمواطنين الأمن والأمان والمناخ الديمقراطى السليم، وسيادة القانون وحرية التفكير والتعبير بما يتفق والمصالح العليا فى المجتمع.
× تعاليم الدين من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة التى تحث على التعاون والتكامل والمشاركة، فقد قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان المائدة / 2، كما قال تعالى فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر آل عمران / 159 وقال صلى الله عليه وسلم ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمورهم .

2- الدوافع الخاصة : وتتمثل فى :
× محاولة التأثير على صنع السياسة العامة فى المجتمع لتكون ملائمة للاحتياجات الفعلية والرغبات الخاصة بأفراد المجتمع والتى تعود بالنفع عليهم.
× تحقيق المكانة المتميزة بين أفراد المجتمع واكتساب الشهرة والحصول على التقدير والاحترام.
× اشباع الحاجة إلى المشاركة، حيث تنقسم حاجات الانسان إلى مستويات خمس هى: الحاجات الأساسية كالمأكل والملبس، والحاجة إلى الأمن والطمأنينة، والحاجة إلى المشاركة، والحاجة إلى العاطفة والتقدير، والحاجة إلى تحقيق الذات.
× تحقيق مصالح شخصية تتمثل فى السيطرة والتمتع بالنفوذ والسيطرة، وتحقيق منافع مادية وغيرها من المصالح الشخصية.

سادساً : محددات المشاركة السياسية :
تتأثر مشاركة الأفراد فى الحياة العامة بتغيرات متعددة أهمها المؤثرات السياسية التى يتعرض لها، وخصائص الخلفية الاجتماعية، ومدى توفر وفاعلية القنوات المؤسسية للتعبير والعمل السياسى، وغيرها من المحددات التى يمكن التعرض لها على النحو التالى :

1ـ المنبهات السياسية :
مع تعرض المرء للمؤثرات السياسية يزداد احتمال مشاركته فى الحياة العامة. غير أن التعرض للمنبه السياسى لا يفضى بالضرورة إلى المشاركة. وتصدر المنبهات عن وسائل الإعلام الجماهيرى والحملات الانتخابية والاجتماعات العامة والمناقشات العامة ..الخ.
وبرغم أنها متاحة لجمهور عريض من الأفراد، إلا أن مستوى التعرض لها يرتبط بعوامل عديدة مثل الانتماء الطبقى ومحل الاقامة والحالة التعليمية بالإضافة إلى الميول الشخصية، والشخص الايجابى يرحب بالمنبهات السياسية بل ويسعى اليها بعكس الشخص السلبى الذى ينأى بنفسه عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
2ـ المتغيرات الاجتماعية :
يتأثر حجم ومدى المشاركة السياسية بالمتغيرات الاجتماعية المختلفة مثل التعليم والدخل والمهنة والجنس والسن وغيرها من العوامل، حيث يرتبط الدخل ايجابياً مع
المشاركة .. فأصحاب الدخول المتوسطة أكثر مشاركة من ذوى الدخل المنخفض، وذوى الدخل المرتفع أكثر مشاركة من ذوى الدخل المتوسط.
كذلك يرتفع مستوى المشاركة بارتفاع مستوى التعليم حيث تعتبر الأمية أحد معوقات المشاركة فى دول العالم النامى. فالشخص المتعلم أكثر وعياً ومعرفة بالقضايا السياسية وأشد احساساً بالقدرة على التأثير فى صنع القرار والاشتراك فى المناقشات السياسية وتكوين آراء بخصوص الموضوعات والقضايا المختلفة.
كما يميل الأشخاص ذوو المركز المهنى المرتفع إلى المشاركة بدرجة أكبر من ذوى المكانة المهنية المنخفضة، وإن ظل هناك اختلاف بين مجتمع وآخر وبين مهنة وأخرى.
كما يتأثر حجم ومدى المشاركة السياسية بالنوع .. حيث يلاحظ أن المرأة بوجه عام أقل ميلاً إلى المشاركة عن الرجل ، غير أن التطور الاقتصادى والاجتماعى يعمل باستمرار
على تضييق هذه الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بالمشاركة السياسية. ولا يعنى هذا استقلال المرأة عن الرجل فى تحديد مواقفها السياسية اذ لا تزال الزوجة تتبع زوجها فى كثير من الاحيان فى التصويت والانتماء الحزبى.
وبالإضافة إلى العوامل السابقة تتأثر المشاركة ايضا بعامل السن اذ يرتفع مستوى المشاركة تدريجيا مع تقدم العمر، ويبلغ ذروته فى الأربعينات والخسينات ثم يهبط تدريجيا بعد سن الستين.
وإذا كانت هذه العوامل لا تشكل قاعدة يحتكم اليها دائما. ذلك أن المتغيرات الاجتماعية تختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر.
3 ـ الإطار السياسى :
ترتبط المشاركة بعناصر الإطار السياسى التى تتمثل فى رؤية القيادة لدور المواطن ومدى توافر الحرية للتنظيمات الحزبية والشعبية والمجالس النيابية المنتخبة وطبيعة النظام الاعلامى.
فالمشاركة التى تنعم بها المجتمعات الغربية ترجع جزئيا إلى وجود الإطار الدستورى والمؤسسى الملائم : الدستور والانتخابات الدورية، والتعدد الحزبى، والجماعات المصلحية، وحرية الصحافة، والبرلمان، وأجهزة الحكم المحلى .. الخ .. وفى الدول الشيوعية تؤدى هيمنة الحزب الى تفعيل دور المواطن فى صفة السياسة واختيار القيادات، ومع ذلك فإن نسبة المنخرطين فى النشاط السياسى ربما تتجاوز مثيلاتها فى معظم الدول الديمقراطية الغربية.
أما فى الدول النامية بصفة عامة، فإنها تعانى من أزمة مشاركة تعود جزئياً إلى ما يعترى البناء السياسى من تشوهات ونقائص .. فبعض الدول ليس بها دستور وبعضها الآخر ليس بها مجالس نيابية، وإن وجدت فهى شكلية وتتفاوت هذه الدول بين الأخذ بالحزب الواحد والتعددية الحزبية أو عدم الأخذ بالنظام الحزبى من أساسه. هذا المستوى الهابط من المؤسسية السياسية يقابله تغير اقتصادى اجتماعى مرموق، ولعل هذه الفجوة بينهما هى المصدر الأساسى لعدم الاستقرار السياسى الذى تعانى منه كثير من دول العالم النامى.

سابعاً : متطلبات المشاركة السياسية الفاعلة :
تتطلب المشاركة ضرورة توافر عدد من العوامل التى تزيد من فاعليتها وتضمن بقاءها واستمرارها، وتساعدها على تحقيق أهدافها بما يدفع بمعدلات التنمية الشاملة.
وأهم هذه المتطلبات :
1- ضرورة ضمان توفير المتطلبات والاحتياجات الأساسية للجماهير مثل الغذاء والكساء والمسكن الملائم والصحة والتعليم وفرص العمل وحرية التعبير وغيرها من الاحتياجات التى تحقق الإشباع المادى والنفسى للانسان، ويتيح له قدراً من الاستعداد للمشاركة فى الحياة العامة داخل وطنه.
2- ارتفاع مستوى وعى الجماهير بأبعاد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يمر بها المجتمع، ويكتسب هذا الوعى : إما عن طريق سعى الأفراد لبلوغ هذه القدر المطلوب من المعرفة، أو عن طريق الوسائل المختلفة لتكوين الرأى العام داخل المجتمع مثل المؤسسات الحكومية العاملة فى مجال الإعلام والثقافة والتعليم أو المؤسسات غير الحكومية، كالنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الخاصة، والاتحادات.. بالإضافة إلى الأحزاب السياسية.
3- الشعور بالانتماء للوطن، واحساس المواطنين بأن مشاركتهم فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع تمثل واجباً تفرضه العضوية فى هذا الوطن.
4- الايمان بجدوى المشاركة : فاحساس المواطن بأهمية المشاركة وفاعلية هذه المشاركة وسرعة استجابة المسئولين، يعمق من شعوره بجدوى مشاركته ومردودها المباشر على تحسين صورة حياته وحياة الآخرين داخل المجتمع.
5- وضوح السياسات العامة المعلنة وذلك يتأتى من خلال الإعلام الجيد عن الخطط والأهداف ومدى مواءمتها لاحتياجات المواطنين.
6- إيمان القيادة السياسية واقتناعها بأهمية مشاركة الجماهير فى صنع وتنفيذ السياسات العامة، واتاحة الفرصة لدعم هذه المشاركة من خلال ضمان الحرية السياسية واتاحة المجال امام الجماهير للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم ورأيهم فى قضايا مجتمعاتهم ومشكلاته ومناقشة تصريحات المسئولين والقوانين العامة سواء داخل البرلمان أو عبر الصحف وفى الندوات العامة، فى ظل مناخ آمن ودون تعرضهم لأى مساءلة قانونية.
7- وجود التشريعات التى تضمن وتؤكد وتحمى المشاركة، وكذلك الوسائل والأساليب المتنوعة لتقديم وعرض الآراء والأفكار والاقتراحات بوضوح تام وحرية كاملة، ومع توافر الأساليب والوسائل والأدوات التى تساعد على توصيل هذه الأفكار والتى تضمن وصول هذه المشاركات لصانع القرار.
8- وجود برامج تدريبية لمن فى مواقع المسئولية سواء فى الحكومة أو فى المؤسسات غير الحكومية فى المجتمع لتدريبهم على مهارات الاستماع والانصات واحترام فكر الجماهير، وكذلك على أساليب استثارة اهتمام الجماهير وتنمية قدراتهم على المشاركة.
9- وجود القدوة الصالحة فى كل موقع من مواقع العمل مما يستلزم التدقيق فى اختيار القيادات، والتأكد من وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب. فهذه القدوة الصالحة من شأنها أن تكون مشجعة وليست معوقة للمشاركة. كما يفترض فيها إيمانها بإمكانات الشباب ودوره فى عملية التنمية.
10- اللامركزية فى الإدارة مما يفسح المجال أمام الجماهير لكى تشارك فى إدارة شئون حياتها، ويفتح الباب لكل الجهود والمساهمات التى تقدمها الجماهير.
11- زيادة المنظمات التطوعية ورفع مستوى فاعليتها حتى تغطى أكبر مساحة ممكنة فتنتشر فى كل مكان وفى كل نشاط، وأن يكون لها دور فاعل من خلال اتاحة صلاحيات أكثر لها ما يجعلها أكثر تأثيراً فى خدمة المجتمع.
12- تقوية دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية مثل : الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية والأحزاب ووسائل الاتصال وغيرها ... وتشجيعها على غرس قيم المشاركة لدى الجماهير.
13- ضرورة التزام وسائل الاتصال بالصدق والموضوعية فى معالجة القضايا والأحداث والمشكلات المختلفة، وافساح المجال أمام كافة الآراء والاتجاهات والأفكار للتعبير عن نفسها بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو المهنية.

ثامناً : الآثار الإيجابية للمشاركة السياسية :
تؤثر المشاركة على الأفراد وعلى السياسة العامة للدولة .. فعلىمستوى الفرد تنمى المشاركة فيه الشعور بالكرامة والقيمة والأهمية السياسية وتنبه كلا من الحاكم والمحكوم إلى واجباته ومسؤولياته وتنهض بمستوى الوعى السياسى. كما أنها تساعد على خلق المواطن المنتمى الذى يعد عماد قوة وعافية الجسد السياسى.
وعلى صعيد السياسة العامة تجلب المشاركة أعظم خير لأكبر عدد من الأفراد اذ انهاتدفع الحاكم إلى الاستجابة لمطالب المواطنين وتسهم فى إعادة توزيع موارد المجتمع بشكل أكثر عدالة .. ومن ثم حيث يؤدى ازدياد عدد المشاركين إلى مزيد من العدل الاقتصادى والاجتماعى عن طريق قيام الحكومة بإعادة توزيع الدخل والثروة.

تاسعاً : دور المشاركة السياسية فى التنمية :
تعرف التنمية على أنها توحيد جهود جميع المواطنين مع الجهود الحكومية لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للجماهير، وربطهم بظروف مجتمعهم ونمط الحياة فيه، وتمكينهم من المساهمة فى تحقيق التقدم والرقى لمجتمعهم.
وبالتالى هناك ارتباط وثيق وتأثير متبادل بين المشاركة والتنمية حيث تتيح التنمية فرصاً اكبر لتوسيع مجالات المشاركة، كما تخلق الحافز للمشاركة. فى الوقت الذى تسمح المشاركة بممارسة الجماهير ضغوطاً على صانع القرار لاتخاذ سياسات لصالح قضايا التنمية.
وترتبط المشاركة السياسية فى الغالب بوجود النظام السياسى الذى يعرف درجة مرتفعة من المشاركة فى مؤسساته المختلفة فالمجتمع الذى تدار مؤسساته الاجتماعية والاقتصادية على أساس سلطوى لا يسمح ولا يشجع على المشاركة السياسية لافراد مجتمعه.
والمجتمع الذى تدار مؤسساته المختلفة الاجتماعية والاقتصادية وفقاً للأسس الديمقراطية فإنه يفرض ظهور النظام السياسى الديمقراطى بمعناه الحقيقى والذى يعتمدعلىالتعددية الحزبية، ويكفل تحقيق الاستقرار السياسى.
ولا شك أن الحكومات خاصة فى الدول النامية لديها الكثير من المسئوليات الكبرى على المستوى القومى، وعليها أعباء كثيرة والتزامات جمة نحو المجتمع، وذلك للتوسع فى خطط وبرامج التنمية الشاملة وفى مقابل ذلك يبقى على الجماهير واجب أن تتحمل بعض الأعباء عن الحكومة، وأن تجند كل طاقاتها وخبراتها لمساندة الحكومة. وأن تسعى قدر استطاعتها للمشاركة رغم أى عراقيل قد تواجهها فى هذا الصدد فالديمقراطية أريقت فى سبيلها الدماء فى المجتمعات المتقدمة ولم تفرض بقرار من أعلى ولم تكن الحرية منحة فى يوم من الأيام.
ولكى تؤتى جهود التنمية ثمارها لابد وأن تعبر عن اهتمامات الجماهير وقضاياهم واحتياجاتهم الفعلية. فالجماهير هدف التنمية وهم أدوات تنفيذ برامجها، وبدون مشاركتهم لا تستطيع الحكومة طرح الفكر التنموى أو محاولة تنفيذه.
فالانسان هو المخطط لتنمية وهو هدفها وهو المنفذ لبرامجها. ومن هنا فإن إدراك الانسان لاحتياجاته الفعلية ووعيه بقضايا مجتمعه ورغبته فى تغيير الظروف المعوقة للتنمية يدفعه إلى الإيمان بجدوى التنمية وبذل الجهود لانجاح مخططاتها وأهدافها، كما أن متابعة الجماهير للقرارات والمشروعات الحكومية وتكوين رأى عام بصددها يسعى لكشف أوجه القصور فيها، يساهم فى تعديل السياسات، ويضمن تحقيق الفائدة القصوى لها على ضوء الإمكانات المتاحة







قديم 19-06-07, 03:31 AM   رقم المشاركة : 15
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

الفصل الثانى

المشاركة بين الثقافة والتنشئة



أولاً : مفهوم الثقافة السياسية

لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين ابنائه، تلك الثقافة التى تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التى اكتسبها عبر ميراثه التاريخى والحضارى وواقعه الجغرافى والتركيب الاجتماعى وطبيعة النظام السياسى والاقتصادى، فضلاً عن المؤثرات الخارجية التى شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة.
والثقافة السياسية هى جزء من الثقافة العامة للمجتمع .. وهى تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات.

1 ـ تعريف الثقافة السياسية :
يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة.
وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التى يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسى.
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، فهى تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية : ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة ،والعمال، والفلاحين، والمرأة .. الخ.
وبذلك تكون الثقافة السياسية هى مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التى تعطى نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التى تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسى، وبذلك فهى تنصب على المثل والمعايير السياسية التى يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسى، والتى تحدد الإطار الذى يحدث التصرف السياسى فى نطاقه.
أى أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر فى السلوك السياسى لأعضائه حكاماً ومحكومين.
وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالى :
• تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
• الثقافة السياسية ثقافة فرعية. فهى جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع.
• تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهى لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها : مدى ومعدل التغير فى الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافى، وحجم الاهتمام الذى توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير فى ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم فى نفوس الأفراد.
• تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع. هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الاقامة والمهنة والمستوى الاقتصادى والحالة التعليمية.

2 ـ مكونات الثقافة السياسية :
يمكن الحديث عن مجموعة من العناصر أو المكونات للثقافة السياسية سواء تلك التىتتبناها الدولة (ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وتلك السائدة لدى أفراد المجتمع (المحكومين) والتى تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه المكونات :

أ ـ المرجعية :
وهى تعنى الإطار الفكرى الفلسفى المتكامل، أو المرجع الأساسى للعمل السياسى، فهو يفسر التاريخ، ويحدد الأهداف والرؤى، ويبرر المواقف والممارسات، ويكسب النظام الشرعية.
وغالباً ما يتحقق الاستقرار بإجماع أعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية الدولة، ووجود قناعات بأهميتها وتعبيرها عن أهدافهم وقيمهم. وعندما يحدث الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الأزمات التى تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره.
ومن أمثلة المرجعيات الديمقراطية، والاشتراكية، والرأسمالية، والعلمانية .. الخ وأغلب الظن أنه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع فى الديمقراطيات الغربية، إذ أن هناك اتفاقا عاما على الصيغ المناسبة لشكل النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى، أما فى الدول النامية فالمسائل المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادى وحدود العلاقة بين الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.

ب ـ التوجه نحو العمل العام :
هناك فرق بين التوجه الفردى الذى يميل إلى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعى الذى يعنى الايمان بأهمية العمل التعاونى المشترك فى المجالين الاجتماعى والسياسى.
والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه من أهم مكونات الثقافة السياسية، ذلك أن هذا الشعور بالمسئولية يدفع المواطن إلى الإيجابية فى التعامل مع القضايا والموضوعات فى ظل ثقافة متشابهة مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.

ج ـ التوجه نحو النظام السياسى :
الاتجاه نحو النظام السياسى والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة فى العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة.
كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة فى هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلى.
بالاضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية فى الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التىتحددها الدولة. فالثقافة السياسية هى التى تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذيه بالمعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.

د ـ الاحساس بالهوية :
يعتبر البعض أن الاحساس بالانتماء من أهم المعتقدات السياسية، ذلك أن شعور الأفراد بالولاء للنظام السياسى يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما يساعد على بقاء النظام وتخطيه الأزمات والمصاعب التى تواجهه.
فضلاً عن أن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية الشعور بالواجب الوطنى وتقبل الالتزامات، كما يمكن من فهم الحقوق والمشاركة الفاعلة فى العمليات السياسية من خلال التعاون مع الجهاز الحكومى والمؤسسات السياسية ، وتقبل قرارات السلطة السياسية والايمان بالدور الفاعل لها فى كافة مجالات الحياة.

3 ـ أثر الثقافة السياسية على النظام السياسى :
يحتاج أى نظام سياسى الى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه. فالحكم الفردى توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها فى الخوف من السلطة والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة، وفتور الايمان بكرامة وذاتية الانسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة. أما الحكم الديمقراطى فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوق الانسان، وتقتنع بضرورة
حماية الانسان وكرامته فى مواجهة أى اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين فى ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الانسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة فى إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.
وتساهم الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع إلى حد كبير فى بلدان كثيرة فى تحديد شكل نظام الحكم، بل انها قد تساهم فى تحديد عناصر القيادة السياسية. فقد تكون القيادة السياسية حكرا على عائلة معينة أو على مجموعة صغيرة ذات وضعية خاصة دينية أو مذهبية أو عرقية أو تعليمية. وحيث يقدر المجتمع كبار السن ويعلى الذكور على الإناث، يغلب أن تجىء القيادة من صفوف المسنين الذكور. وفى كثير من الأنظمة السياسية ينظر إلى فئة معينة على أنها الأجدر بالسيطرة على المستويات العليا للسلطة. هذه الفئة قد تكون رجال الدين أو العسكريين أو المحامين .. الخ. وفى مثل هذه الحالة يتوقع أن تعكس السياسة العامة مصالحهم فى المقام الأول.
وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية ، فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطنى والمواطنة المسئولة، وهنا يتوقع ان يشارك الفرد فى الحياة العامة، وأن يسهم طواعية فى النهوض بالمجتمع الذى ينتمى إليه. وفى دول أخرى يتسم الافراد باللامبالاة والاغتراب وعدم الشعور بالمسئولية تجاه أى شخص خارج محيط الأسرة. وفى بعض الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسى على أنه أبوى يتعهده من المهد إلى اللحد ويتولى كل شىء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة. وفى المقابل قد يتشكك الفرد فى السلطة السياسية ويعتبرها مجرد أداة لتحقيق مصالح القائمين عليها ليس إلا.
لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسى يعتمد على الثقافة السياسية. فالتجانس الثقافى والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على الاستقرار. أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسى.

4 ـ مشكلة الهوية :
يمكن القول أن هذه الأزمة هى آخر الأشكال التى وصلت إليها التطورات فى الدول النامية. وهى تعنى فى مضمونها : تخبط الجماعة السياسية فى تعريفها لنفسها وفى تحديد شعورها الجماعى بهويتها الحضارية من منظور التاريخ بمعنى .. هل نحن امتداد للماضى أم ينبغى أن تكون انظارنا مشدودة ومتطلعة إلى المستقبل الذى يتجسد فى الطريق الذى سلكه غيرنا أم أننا أبناء الحاضر وكفى !!
وتتلخص هذه الأزمة فى التخبط عند اختيار النموذج الحضارى الذى تنشده الجماعة السياسية فى التحديث الثقافى والتنمية الشاملة .
وهناك على الساحة نماذج وأفكار مطروحة ومتناقضة ابتداء من النموذج التركى الذى اختار التغريب الكامل وانتهاء - على العكس من ذلك - بإدانة المجتمع العصرى الحالى باعتباره مجتمعاً جاهلياً ينبغى تكفيره وهجره ونبذ اساليب الحياة فيه.
ويمكن طرح قضية الأصالة والمعاصرة على شكل بدائل ثلاث هى : التمسك بالأصالة، أو السير فى طريق المعاصرة، أو القيام بمحاولة توفيقية بالجمع بين الاثنين. غير أن الاكتفاء بهذا الطرح فى تحليل أزمة الهوية يثير إشكاليات تزيد من تعقيد القضية ، ويجعل الوصول إلى رأى حاسم فيها أمر يكاد يكون مستحيلاً.
لذلك اقترح بعض المفكرين صيغة أخرى تقضى على هذا التداخل .. وهى صيغة (الاتباع أم الابداع) بمعنى أن الشكل الحضارى الذى نواجهه هو :هل نظل إلى الأبد مقلدين محاكين (سواء لأجدادنا أو للأجانب) نساير الآخرين ونمسك بذيل تطور لم نصنعه، أم نصبح مبدعين نبتكر حلولنا الخاصة ونقف ندا للآخرين بأفكارنا الخلاقة.
وفى محاولة للبحث عن أصول أزمة الهوية فإنه يمكن القول أن أزمة الهوية تظهر عند الفتى فى سن المراهقة فى شكل أزمة ذاتية .. والذات هى المفهوم الذى يكونه الفرد عن نفسه باعتباره مصدر للتأثير والتاثر فى البيئة المحيطة.
وفى تلك السن يقوم داخل الفرد صراع بين النوعين من القيم : صراع بين الدافع إلى تحقيق صورة للذات مقبولة اجتماعياً،وبين جانب من الذات ثابت ومستقر يتضمن معانى القصور والعجز والضعف، وعدم التكافؤ والفشل وغير ذلك. وبذلك يقع المراهق فى بلبلة وحيرة واضطراب تتدخل فيه عدة عوامل ، فيما يتعلق بتحديد (الذاتية) أى الصفات المميزة التى يرضى المراهق أن تتحدد بها ذاته، فى هذه الحالة تحدث أزمة ذاتية وذلك عندما يعجز الفرد عن أن يحدد تكاملاً ذاتياً بين قيمه وأهدافه وقدراته، أى عند فشله فى تحديد "هويته".
وبالمثل يمكن القول أن الأمم النامية والدول الغنية تقع قبل مرحلة الانتقال أو التطور فريسة لأزمة ذاتية من هذا النوع. وذلك عندما تخفق فى تحديد هويتها الحضارية.
ويذكر علماء النفس أنه فى حالة إخفاق الفرد فى التوافق مع الذات وتأكيدها فإنه يلجأ إلى أسلوب لا توافقى يتراوح بين حالتين هما : الاغتراب أو التطرف. وعادة ما يوجه المغتربون اهتماماتهم على وجه الأخص إلى الداخل، فى حين أن المتطرفين يوجهون اهتماماتهم إلى الخارج، وهو نفس السلوك السياسى لبعض الأقطار الذى يتراوح بين الانغلاق الداخلى أو العزلة وبين التطرف العدوانى. هذا فضلاً عن الاحساس بالقصور والعجز والضعف وعدم التكافؤ وتزايد الاحساس بعدم الثقة فى العالم المحيط.
وتكمن جذور أزمة الهوية فى عدة عوامل من أبرزها السيطرة الأجنبية وما تلاها من تبعية وما يترتب عليها من تشويه اقتصادى واجتماعى حضارى ونفسى وكذلك تعميق التبعية بمعنى كثافة الاعتماد من جانب الحكومات على القوى الخارجية لتحقيق الأهداف الوطنية، وأيضا شدة الاعتماد من جانب الشعوب على حكوماتها لتحقيق الآمال الجماهيرية، فضلا عن النظرة الأحادية للأمور بمعنى أن كافة الأشياء والظواهر والمواقف هى إما ابيض أو أسود ولا وسط مما يضيع نسبية الحقائق والأحكام ويدفع إلى التعصب والتطرف وعدم القبول بالحلول الوسط.
صفوة القول أن أزمة الذاتية تتبلور فى أن المشكلة ليست أزمة معرفة وإنما هى أزمة تقييم، بحيث نعجز عن تقييم موقعنا فى خريطة الأسرة الدولية المعاصرة وتحديد مركزنا على مر الزمن الذى يمتد عبر ثلاث نقاط من الماضى إلى الحاضر فالمستقبل.
وفى إطار البحث عن الذات أو الهوية الحضارية هذه ، تحدث نزعة الخلط بين موقفين : البحث عن الذات، والعودة إلى الذات، وهذه الأخيرة تعنى العودة إلى الداخل ونحو الماضى. وأصحاب هذه النزعة حينئذ يكونون بمثابة قوم يمسكون بمرآة عظيمة ينظرون فيها ليهتدوا بها إلى طريقهم، وهم فى الواقع لا يرون إلا انفسهم وعلى هذا النحو قد يضيع منهم الطريق الصحيح.
وتتمثل مشكلة تحديد الهوية فى تحديد تعريف الذات، ذلك أن هذه المشكلة تحدد مواقعنا فى مواجهة الآخرين. فلكى تتحدد الهوية لابد من تحديد علاقات الأشخاص ببعضهم ومدى انتمائهم أو بعدهم عنهم.
وهنا تبرز مشكلة الهوية لدى الشباب كجماعة اجتماعية متميز . فالشباب جماعة اجتماعية لها ثقافتها الفرعية الخاصة. وقد أدى طول فترة التعليم إلى توافر الوقت الطويل للشباب والذى نتج عنه ما يمكن تسميته بالمراهقة الممتدة .. تلك المراهقة الممتدة التى تؤدى إلى الهوية المشتتة.
ويرجع ظهور مشكلة الهوية لدى الشباب الى عوامل مثل :
أ ـ سرعة التغير فى المجتمع :
ان الحالة العامة للحياة وسرعة التحرك فيها وشعور الانسان بهذه الحياة من زاوية مفاهيمه عن الزمان والمكان والعلاقات الاجتماعية تتعرض لهزات عنيفة، بل ان مفاهيم المجتمع نفسه والثقافة قد أصابهما التغيير.
ب ـ التحديث :
تتمثل مشكلة التحديث فى التغير الضخم الشامل فى كل مكان، حيث لا تستطيع أى جماعة أن تفلت من التغيير فى هذا القرن. لقد نتج عن عدم القدرة على التعامل بنجاح مع مجتمع ديناميكى كثير من التغيير والفوضى وعدم الرضا. وفى النهاية اهتزاز الهوية لدى الشباب نتيجة لصدمات التغيير.

جـ ـ التشتت النفسى :
ويحدث هذا الشتت بين القديم الأصيل والجديد المستورد، وبين قيمة العمل اليدوى وعائده وبين الوظيفة ونتيجة لتلك المشاكل يشعر الشباب بالاغتراب فى وطنه بسببب فتور العلاقات الانسانية وشكه فى كل شىء، مما يؤدى إلى وجود صراع بين الهوية القومية أو الوطنية وبين الحضارة الحديثة، وقبول أو عدم قبول تقويم الحضارة الغربية لحضارتنا الوطنية وقيمها ورموزها وطريقة حياة شعبنا.
وفى هذا الاطار يمكن أن نميز بين هويات متعددة هى الهوية الوطنية والهوية العربية والهوية الإسلامية والهوية العالمية.
1) الهوية الوطنية :
تتحدد الدائرة الوطنية بالحدود السياسية للدولة .. وقد غلب هذا التيار الداعى للانتماء إلى الوطن (مصر) والدولة، على أى من الدوائر الأخرى.
ولقد كان هذا التيار قوياً فى فترة الجهاد من أجل الاستقلال، ثم ضعف بعد ثورة التحرير وقيام الدولة المستقلة لكنه عاد إلى القوة مرة أخرى بعد حرب يونيو 1967 ثم ازداد قوة بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل والمقاطعة العربية لمصر.
2) الهوية العربية :
تؤكد الهوية العربية على الانتماء إلى الدائرة التى تشمل الوطن العربى الكبير من المحيط إلى الخليج. ويؤكد هذا التيار على روابط مصر العربية، والمتمثلة فى اللغة والثقافة والحضارة والأصل السامى لكل الأمة العربية.
كما يركز هذا التيار على إنكار رسوخ الدولة الوطنية ويتجاهل الخصوصيات الثقافية المشتركة فى بلاد الوطن العربى ويركز على تحقيق الوحدة العربية.
3) الهوية الاسلامية :
يؤكد التيار الاسلامى على الانتماء إلى دائرة الحضارة الاسلامية التى ساهم فى بنائها العرب، وغلب على هذا التيار الانتماء إلى العقيدة اكثر من الوطنية والانتماء القومى، وسعى إلى التواصل مع التنظيمات المعبرة عنه فى العالم الاسلامى. وقد عمل هذا التيار على استقطاب العديد من الشباب. بالتركيز على الإحباط الثقافى والحضارى .
4) الهوية الإنسانية العالمية :
ان النظرة العالمية هى النظر إلى الجنس البشرى كأسرة واحدة تقوم على تنمية المصالح المشتركة باستخدام مصادر الثروة الطبيعية وتسيير المجتمع نحو الرفاهية. وتظهر لدى الشباب الرغبة فى التمثل بالأنماط السلوكية المتبادلة التى تنتجها الحضارات المختلفة فى مراحل تماسكها واحتكاكها المباشر، تعبيراً عن طبيعة العلاقات المتطورة بينها.
كما ينتج عن ذلك صراع بين الحضارات، وتمزق شباب الدول النامية بين قيمه الموروثة والمحببة، وبين مقتضيات ومتطلبات الحضارة العالمية الصناعية إذ لا يمكن تفادى وقوع التغيير الحضارى الذى اتسعت فيه الاتصالات الفكرية والمادية مما يؤدى إلى وقوع الشباب فريسة الصراع الثقافى وتنافس الهويات بالأخص فى ظروف التحول نحو العالمية فى الاقتصاد والاتصال والاعلام والثقافة، الأمر الذى يعلى من شأن المؤثرات الخارجية على القيم السياسية لكافة المواطنين وفى مقدمتهم الشباب.
ومع ذلك .. فإنه يمكن القول أن أزمة الهوية الحضارية والثقافية لدى الشباب ينبغى ألا تثير الانزعاج بيننا، لأننا نشترك فيها مع معظم دول المعمورة.
أما وجه القلق فيها فيكمن فى الخطورة التى تترتب على عدم حسمها والتى تتلخص فى تأخيرنا عن اللحاق بقطار العالمية السريع الذى يتوجب أن نأخذ فيه مكاناً مناسباً.
والحل المنشود قد يكون غير تقليدى ومبتكر فلابد أن نسعى لاستيعاب الشباب ودمجه فى قضايا مجتمعه وابتكار اساليب وجهود لتنمية ولاءات الشباب تجاه هويتهم الوطنية مع عدم اغفال للتيارات القومية والعالمية حتى نتمكن من مواجهة التحديات القادمة وسوف نحاول طرح بعض الأساليب المبتكرة لعلاج هذه القضية فى الفصل القادم (المشاركة السياسية).

ثانيا ً: عملية التنشئة السياسية
تشهد المجتمعات المعاصرة - بدرجات متفاوتة- أزمة تكامل قومى ، فمن الواضح ان اكثر الدول النامية بها العديد من الجماعات المختلفة عرقياً ولغوياً ودينياً ، الأمر الذى جعل من عملية بناء الآمة مطلباً ملحاً. وتواجه اكثر من دولة متقدمة وان كان بدرجة اقل حدة نفس المشكلة حيث تضم اقليات لم تستوعب فى النسيج الاجتماعى ومن هنا تصبح التنشئة السياسية لازمة لخلق شعور عام قوى بالهوية القومية.
ولقد شرعت الدول النامية عقب حصولها على الاستقلال فى القيام بعمليات تحديث اقتصادية واجتماعية وسياسية. وتتضمن التنمية فى بعدها السياسى تطوير المؤسسات السياسية وتحقيق نوع من التمايز التخصص الوظيفى فيها بمعنى إنشاء مؤسسات سياسية ودستورية متخصصة كالأحزاب والبرلمان … الخ. كما شكل إحلال نسق من القيم السياسية الحديثة محل منظومة القيم التقليدية . وتعد التنشئة المخططة والمستمرة سبيلاً لاغنى عنه لإحداث التطوير الثقافى المنشود.
وتتعدد التعريفات التى طرحها الباحثون لمفهوم التنشئة السياسية. فليس هناك تعريف واحد متفق عليه. وسنعرض فيما يلى طائفة من هذه التعريفات، فنتناول أولا مفهوم التنشئة بصفة عامة ثم التنشئة السياسية.
وتعرف التنشئة على إنها عملية التفاعل الاجتماعى التى يتم من خلالها تكوين الوليد البشرى وتشكيله وتزويده بالمعايير الاجتماعية، بحيث يتخذ مكاناً معيناً فى نظام الأدوار الاجتماعية ، ويكتسب شخصيته، أو هى العملية التى يتم من خلالها تكييف الفرد مع بيئته الاجتماعية بحيث يصبح عضواً معترفاً به ومتعاوناً مع الآخرين.
وهو مصطلح يستخدم للاشارة الى الطريقة التى يتعلم بها الاطفال قيم واتجاهات مجتمعهم وما ينتظر ان يقوموا به من أدوار عند الكبر. ويعرفها البعض على انها تلك العملية التى يكتسب الفرد من خلالها ثقافة ومعايير جماعته فى السلوك الاجتماعى وهى عملية لا تحدث لفترة معينة ثم تتوقف ولكنها مستمرة وممتدة أى أن هناك اتجاهين للنظر إلى مفهوم التنشئة :
الأول : ينظر إلى التنشئة كعملية يتم بمقتضاها تلقين المرء مجموعة من القيم والمعايير المستقرة فى ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها .
الثانى : ينظر إلى التنشئة على أنها عملية من خلالها يكتسب المرء تدريجيا هويته الشخصية التى تسمح له بالتعبير عن ذاته وقضاء مطالبه بالطريقة التى تحلو له.
ويمكن أن نخلص إلى تحديد عناصر مفهوم التنشئة السياسية على النحو التالى :
1- التنشئة السياسية ببساطة هى عملية تلقين لقيم واتجاهات سياسية ولقيم واهتمامات اجتماعية ذات دلالة سياسية.
2-التنشئة السياسية عملية مستمرة بمعنى أن الإنسان يتعرض لها طيلة حياته من الطفولة وحتى الشيخوخة.
3 - تلعب التنشئة السياسية أدواراً رئيسية ثلاثة :
• نقل الثقافة السياسية عبر الأجيال.
• تكوين الثقافة السياسية.
• تغيير الثقافة السياسية.
4- هناك العديد من الأنساق الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية المختلفة تقوم بهذا الدور (التنشئة السياسية) بالنسبة للفرد.
5- هذه العملية هى المحدد لسلوك الفرد السياسى سواء بقبول أو رفض النظام السياسى أو قبول أو رفض المجتمع ككل أو إحدى مؤسساته.

1 ـ أبعاد التنشئة السياسية :
أ ـ التنشئة والمشاركة السياسية :
تتوقف مشاركة الفرد فى الحياة السياسية جزئياً على كم ونوعية المنبهات السياسية التى يتعرض لها. غير أن مجرد التعرض للمنبه السياسى لا يكفى وحده لدفع الفرد إلى المشاركة السياسية وإنما لابد ايضاً أن يتوفر لديه قدر معقول من الاهتمام السياسى، وهو ما يتوقف على نوعية خبرات تنشئته المبكرة.
فالتجارب والخبرات التى تحدث فى مرحلة الطفولة تلعب دوراً هاماً فى تشكيل اتجاهات الأفراد وتوجيه سلوكهم الفعلى فيما بعد، ويستمر تأثير هذه التجارب والخبرات على الأفراد طوال سنوات المراهقة والنضج.
ولما كانت التنشئة لا تقف عند المراحل الأولى من العمر بل انها تحدث طوال حياة الفرد فإنه يمكن القول أن كل ما يتعلمه الفرد، وما يمر به من خبرات وتجارب على مدى عمره من الطفولة وحتى الكهولة، يؤثر بدرجة كبيرة على مدى مشاركته السياسية.
ب ـ التنشئة والتجنيد السياسى :
يقصد بالتجنيد السياسى تقلد الأفراد للمناصب السياسية سواء سعوا إليها بدافع ذاتى أو وجههم آخرون إليها.
وينحدر شاغلو المراكز السياسية من ثقافات فرعية مختلفة، ولذا تصبح التنشئة السياسية الفعالة عملية حيوية لتزويدهم بالمعارف والمهارات السياسية. ومما يذكر أن القيم والاتجاهات التى اكتسبها الفرد من معايشته للجماعات الأولية تظل تزاول تأثيرها عليه بعد تجنيده فى أى منصب سياسى.
جـ ـ التنشئة والاستقرار السياسى :
يشير الاستقرار إلى قدرة النظام على أن يحفظ ذاته عبر الزمن أى يظل فى حالة تكامل، وهو ما لا يتأتى له إلا إذا اضطلعت أبنيته المختلفة بوظائفها على خير وجه ومن بينها وظيفة التنشئة السياسية.
وللتنشئة السياسية بعدان باعتبارها وظيفة ضرورية لاستمرار النظام أولهما البعد الأفقى ومضمونه أن الجيل القائم ينقل ثقافته إلى الجيل اللاحق. وثانيهما البعد الرأسى ومؤداه أن يوجد اتساق بين قيم واتجاهات وسلوكيات أفراد الجيل السائد بما يضمن للجسد السياسى قدراً …. من التلاحم والترابط.
ويشير البعض إلى وظائف التنشئة على النحو التالى :







قديم 19-06-07, 03:35 AM   رقم المشاركة : 16
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

1) تعليم اللغة.
2) تشكيل السلوك الانسانى للفرد.
3) تشكيل السلوك الاجتماعى للفرد.
4) اكساب الفرد ثقافة المجتمع.
5) الحفاظ على نسق القيم السائد فى المجتمع
6) تعليم المهارات.
(7 تشكيل شخصية الفرد.

2 ـ مراحل التنشئة السياسية :
تمر عملية التنشئة بعدد من المراحل التى ترتبط بنمو الفرد وتطوره، وهى مرحلة الطفولة ثم المراهقة وأخيراً النضج والاعتدال. ويتحدد السلوك السياسى للفرد فى مرحلة النضج بدرجة ما بخبرات التنشئة التى يكتسبها فى مرحلتى الطفولة والمراهقة.
ويتلقى الفرد فى كل مرحلة من هذه المراحل جزءاً من عملية التنشئة. كما يتعرض ايضاً فى كل مرحلة إلى أداة أو أكثر من أدوات التنشئة التى قد تكمل بعضها البعض أو قد يتعارض بعضها مع البعض الآخر.
فالإنسان فى مختلف مراحل حياته يعايش مؤسسات عديدة، بعضها مفروض عليه ـ كالأسرة أو المدرسة مثلاً ـ وبعضها الآخر إرادى ينضم إليه طوعاً دون ضغط، ويتلقى من كل هذه المؤسسات خبرات وقيم واتجاهات ومبادىء يختزنها فى ذاكرته ووجدانه لتساهم بطريق مباشر أو غير مباشر فى تحديد مواقفه وسلوكه بعد ذلك.

3 ـ أدوات التنشئة السياسية :
تتنوع وتتعدد الأدوات التى تلعب أدواراً رئيسية فى عملية التنشئة. فتحت تأثير الأسرة والمدرسة وجماعات الرفاق وأدوات الاعلام يكتسب الفرد قيماً ومعايير واتجاهات منها ما هو اجتماعى له آثاره السياسية، ومنها ما هو سياسى. وسوف نتناول هذه الأدوات على النحو التالى :
أ ـ الأســـرة :
تعتبر الأسرة من أهم أدوات التنشئة السياسية وأعظمها تأثيراً فى حياة الأفراد فهى أول جماعة يعيش فيها الفرد، وهى التى تقوم بإشباع حاجاته البيولوجية وما يرتبط بها من حاجات سيكولوجية واجتماعية خلال مراحل حياته الأولى، وهى التى تنقل إليه كافة المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم التى تمكنه من أن يعيش حياة اجتماعية ناجحة بين أفراد المجتمع.
وقد أكدت معظم الكتابات التى تناولت التنشئة على أن الأسرة هى أهم أدوات التنشئة نظراً لما لها من تأثير حلزونى يمتد ليطوق كل الأدوات الأخرى مثل جماعات الرفاق والمدرسة والسلطة ووسائل الإعلام وغيرها.
وتعتبر الأسرة المدرسة الأساسية لكل طفل لأن ما يتعلمه فيها يبقى معه طوال حياته. فعن طريقها يكتسب قيمه الاجتماعية، ومعايير سلوكه، ويكتسب ضميره الآمر الناهى الذى يثيبه على خير ما يقوم به ويعاقبه على شر ما يقترفه، وعن طريقها ايضاً يكتسب الطفل المعايير العامة التى تفرضها أنماط الثقافة السائدة فى المجتمع.
ب ـ المدرسة :
وتقوم المدرسة بعملية التنشئة السياسية عن طريقين :
1) التثقيف السياسى : ويتم هذا التثقيف من خلال مواد معينة كالتربية الوطنية والتاريخ. وتهدف التربية الوطنية إلى تعريف التلميذ بحكومة بلده، وتحديد السلوك المتوقع منه، وزرع مشاعر الحب والولاء القومى فى نفسه، ويرمى تدريس التاريخ بما يتضمنه من انتصارات وهزائم إلى تعميق إحساس الطالب بالفخر والانتماء القوميين.
2) طبيعة النظام المدرسى : فالمدرسة وحدة اجتماعية لها طابعها الخاص الذى يساعد بدرجة كبيرة فى تشكيل إحساس التلميذ بالفاعلية الشخصية وفى تحديد نظرته تجاه البناء الاجتماعى القائم.
3) جماعة الرفاق :
تعرف جماعة الرفاق على أنها الجماعة التى تتكون من أصدقاء الطفل الذين يتقاربون فى أعمارهم وميولهم وهواياتهم، كما أنها الجماعة التى ينسب إليها الفرد سلوكه الاجتماعى ويقيمه فى إطار معاييرها وقيمها واتجاهاتها وأنماط سلوكها المختلفة.
وجماعات الرفاق لها دور فى التنشئة السياسية من خلال حث أعضائها أو الضغط عليهم ليعملوا وفق الاتجاهات وأنماط السلوك السياسية الى تقبلها الجماعة، فالفرد قد يصبح مهتماً بالسياسة أو متابعاً للأحداث السياسية لأن أحد أو بعض رفاقه المقربين يفعلون ذلك.
4) دور المؤسسات الدينية :
تقوم المؤسسات الدينية بدور كبير فى عملية التنشئة وذلك لما تتميز به من خصائص فريدة أهمها : إحاطتها بهالة من التقديس، وثبات وإيجابية المعايير السلوكية التى تعلمها للأفراد، والاجماع على تدعيمها.
والدين له مؤسساته التى تعمل على تحقيق أهدافه وغاياته السامية، ولا يقف الدين عند حدود العبادات وإقامة الشعائر الدينية، بل ان الدور الذى يقوم به فى تنشئة الأفراد يكاد يعكس آثاره على بقية المؤسسات الأخرى العاملة فى مجال الضبط الاجتماعى، ولذلك يعد الدين والمؤسسة التى تعمل على تحقيق أهدافه عنصراً أساسياً من عناصر التنشئة.
وتقوم المؤسسات الدينية بدورها فى عملية التنشئة من خلال:
• تعليم الفرد والجماعة التعاليم الدينية والمعايير السماوية التى تحكم سلوك الفرد بما يضمن سعادة الفرد والمجتمع.
• إمداد الفرد بسلوكيات أخلاقية.
• تنمية الضمير عند الفرد والجماعة.
• الدعوة إلى ترجمة التعاليم السماوية السامية إلى سلوك عملى.
• توحيد السلوك الاجتماعى والتقريب بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
5) دور مؤسسات العمل :
وتؤثر مؤسسات العمل فى التنشئة من خلال ما يدور داخلها من علاقات واتصالات ومعاملات بين الرؤساء والمرؤوسين ، وبين العاملين فى هذه المؤسسات بعضهم البعض بحيث أنه كلما اتسمت هذه العلاقة بالود والتعاون والمشاركة فى اتخاذ القرارات ، وفى تسيير أمور المؤسسة، كلما كان الفرد أكثر ميلاً للمشاركة خارج نطاق العمل، أما إذا اتسمت هذه العلاقة بالحقد والكراهية والتسلط، كلما كان الفرد أكثر ميلاً إلى السلبية واللامبالاة فى داخل وخارج بيئة العمل.
6) دور الأحزاب السياسية :
تقوم الأحزاب السياسية بدور كبير فى عملية التنشئة من خلال غرس قيم ومفاهيم ومعتقدات سياسية معينة لدى الفرد، وذلك بهدف توجيه الأفراد وجهة سياسية معينة تتفق مع توجهات هذه الأحزاب، كما تم توضيحه فى العدد الثانى من هذه السلسلة عن الأحزاب.
وتقوم الأحزاب بهذا الدور من خلال ما تقدم من معلومات، وما تمارسه من تأثيرات على الآراء والقيم والاتجاهات السلوكية السياسية للجماهير، مستخدمة فى ذلك كل ما تملك من وسائل اتصال بالجماهير سواء كانت هذه الوسائل جماهيرية كالراديو والتليفزيون والصحف والمجلات والكتيبات والنشرات وغيرها، أو وسائل اتصال مباشر كالندوات والمؤتمرات والمحاضرات والاجتماعات والمناقشات والمقابلات التى ينظمها الحزب من أجل الوصول إلى أكبر قطاع ممكن من الجماهير.
وتقوم الأحزاب السياسية بدور مزدوج فى عملية التنشئة السياسية يتمثل فى دعم الثقافة السياسية السائدة، وخلق ثقافة سياسية جديدة.
7) دور وسائل الاتصال :
تؤدى هذه الوسائل من صحف ومجلات وإذاعة وتليفزيون دوراً هاماً فى عملية التنشئة السياسية. إذ تزود الفرد بالمعلومات السياسية وتشارك فى تكوين وترسيخ قيمه السياسية . وفى المجتمعات المتقدمة تنتشر الوسائل الاعلامية على نطاق واسع وتقوم هذه الوسائل بنقل المعلومات عن قرارات وسياسات النخبة الحاكمة إلى الجماهير، ونقل المعلومات عن مطالب وردود فعل الجماهير إلى النخبة وهذا التدفق المستمر للمعلومات من أعلى إلى أسفل وبالعكس من شأنه العمل على تأكيد قيم الثقافة السياسية السائدة.
وقد عمدت القيادات السياسية فى الدول النامية إلى تطوير وسائل الاتصال الجماهيرى لتسهم فى تشكيل الثقافة السياسية الجديدة غير أنه توجد مجموعة من العوامل كالأمية وتدهور مستويات المعيشة والفقر والمرض وغياب التيار الكهربائى وعزلة القرية التى تحول دون تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الوسائل.
ويقتضى تعظيم الاستفادة من الوسائل الجماهيرية حدوث نوع من التعاون والتضافر فى الجهود التى تبذلها مؤسسات أخرى







قديم 19-06-07, 03:37 AM   رقم المشاركة : 17
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

الفصل الثالث

دور الشباب فى المشاركة السياسية


لا شك أن قضية الشباب تطرح نفسها بكل ثقلها فى هذه المرحلة من العمل الوطنى لأسباب تتعلق بهموم الشباب نفسه ولاسباب تتعلق بمتغيرات المجتمع وتوجهاته الجديدة وافرازاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية. ويزيد من صعوبة التناول لقضية الشبااب أنه ليس قطاعاً رأسياً يمكن دراسته والبحث عن قضاياه المتعددة بسهولة كما فى القطاعات الرأسية الأخرى فى المجتمع. فالشباب قطاع أفقى يتغلغل داخل كل القطاعات التى يتكون منها البنيان السكانى.
والشباب هو نتاج المجتمع بما فيه من نجاحات واخفاقات، ومن عوامل ومؤثرات وما يملك من حصاد التجربة وارث الحضارة فالشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل .
ولأن الشباب فى مصر يمثل أكثر من 60 % من مجموع السكان فهو عنصر فاعل وحاسم فى قضايا التنمية، فالتنمية لابد أن تبدأ من الشباب لأنه يملك الطاقة والقدرة على العطاء.
فنحن نملك ثروة بشرية قادرة على العمل والانتاج, وإذا كان البعض ينظر إلى هذه الامكانات البشرية كعبء أو كمشكلة،فإن البعض الآخر يرى فيه الحل لكافة مشاكل المجتمع.
وإذا كانت هناك اجتهادات عديدة لبلورة اطار محدد لمفهوم الشباب، فإنه يمكن على الاقل التمييز بين اتجاهين رئيسيين فى هذا المجال.. احدهما يرى الشباب مجرد مرحلة محدودة من العمر، وثانيهما يرى الشباب حالة نفسية تمر بالانسان ويمكن أن تعيش معه فى أى مرحلة عمرية، وتتميز بالحيوية والقدرة على التعلم ومرونة العلاقات الانسانية.
وطبقا للاتجاه الاول فإن المقصود بالشباب هو المرحلة العمرية التالية للصبا والسابقة للنضج فتنحصر ما بين 15 - 25 عاماً (وأحياناً 35 عاماً) وهى مرحلة مفعمة بالطاقة والنشاط وامكانية اكتساب الجديد من المعارف والمعلومات والمهارات وتحمل المسئولية الى جانب مرونة وعدم جمود العلاقات الانسانية.

ويؤكد علماء النفس أن مرحلة الشباب عبارة عن مرحلة نمو وانتقال بين الطفولة والرشد لها خصائصها المتميزة عما قبلها وبعدها وقد تتخللها اضطرابات ومشكلات يسببها ما يتعرض له الشباب فى الأسرة والمدرسة والمجتمع من ضغوط. فهى مرحلة تحقيق ذات ونمو الشخصية وصقلها .. وهى نقطة ضعف وثغرة يحتاج فيها الشباب إلى مساعدته للأخذ بيده وهو يعبرها ليصل إلى مرحلة الرشد بسلام.

ويمكن إلقاء الضوء على دور الشباب فى المشاركة من خلال النقاط التالية :

أولاً : سمات مرحلة الشباب
تعد مرحلة الشباب من أهم مراحل الحياة فخلالها يكتسب الفرد مهاراته الانسانية البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية اللازمة لتدبير شئون حياته وتنظيم علاقاته مع الآخرين.
1ـ الاستعداد للتغيير : ولأن الشباب بحكم الطبيعة مرحلة تغير بيولوجى ونفسى واجتماعى يعيشها الانسان، فإنها يمكن أن تتسق مع تغييرات مقابلة فى الثقافة المادية والمعنوية. وأساليب الحياة وطرقها، تلك التغيرات التى تعنى بها وتستهدفها التنمية وبالتالى فإن التنمية كتغيير تجد أخصب الفرص وأثراها للنجاح فى وسط بيئة الشباب المتغيرة بطبيعتها. ويؤكد ذلك أن الفرد فى مرحلة الشباب يكون فى طور تلقى واكتساب قيم المجتمع وتقاليده وعاداته. ولم ترسخ بعد فى نفسه أو تتغلغل فى ذاته ومن ثم لم تصبح جزءا وطيداً من نسيجه القيمى والثقافى. وهو ما يجعل تقبله للقيم الجديدة التى تأتى بها التنمية أكثر يسراً وبساطة إذا ما قورن بكبار السن الناضجين أولئك الذين أصبحت القيم والثقافة السائدة جزءا لا يتجزأ من خصائصهم الذاتية ويبادرون بالدفاع عنها ضد محاولات تغييرها، ومن ثم لا يلاقون جهود التنمية فى هذا المضمار بالمقاومة والصد والرفض.
2ـ الطموح والتطلع للمستقبل : تتميز مرحلة الشباب بأنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة فى إطار من المثاليات. فمرحلة الشباب هى المرحلة التى تتمثل فيها وبدرجة عميقة المثل العليا للحياة، وتبدو فيها واضحاً التطلع لمستقبل زاهر قبل أنتأتىمراحل العمر التالية لتصدمه خلال الحياة بمعاناتها وتطحنه بصراعاتها وتفرض عليه التكيف بالتنازل عن كثير من آماله وطموحاته ومثالياته التى عاشها خلال مرحلة الشباب. وهذا يجعل من الطبيعى أن يكون الشباب هم أكثر فئات المجتمع مساندة لعملية التنمية، وهم جيشها الحقيقى القادر على تحمل مسئوليات تضحياتها من منطلق رغبتهم الأكيدة وتطلعهم إلى بناء مستقبلهم من خلال هذه التنمية.
3ـ التذبذب والتردد : والشباب فى كل مجتمع وإن كانوا نبع الطاقة الحيوية، فإنه يشكل مجموعة من المتناقضات التى لابد من فهمها وتقبلها. فالفرد خلال هذه المرحلة العمرية تتناوبه مشاعر وأحاسيس شديدة التقلب وتنعكس على تصرفاته بنفس الدرجة فهو قد يكون مرحاً فى يوم عابساً فى يوم آخر، عقلانيا تارة وعابثاً تارة أخرى قابلا للنصح والارشاد فى فترة ورافضاً وساخطاً فى فترة أخرى. هذا التذبذب فى التفكير والمشاعر والسلوك بين وقت وآخر، يعكس الصراع الذى يدور داخل الشباب جسدياً وعقلياً وانفعالياً، فهو حائر بين طموحه اللانهائى وامكانات تحد من هذا الطموح.
4ـ القدرة على اكتساب المعلومات : فقد أدى العصر الحديث بمتغيراته المتنوعة وثورة الاتصال والتقدم الهائل فى تقنياته ووسائله، الى تيسير حصول الشباب على كم كبير من المعلومات فى أى مجال من مجالات المعرفة. فالبيئة المحيطة بالشباب تموج بالمعلومات من خلال وسائل الاتصال المختلفة، فضلاً عن أن الشباب أصبح معرضاً ـ بدرجة أكبر من شباب الأجيال السابقة ـ لآراء متعددة ووجهات نظر متباينة وأفكار مختلفة فى مختلف مجالات وميادين الحياة مثل الدين والاجتماع والاقتصاد والسياسة والاخلاق. ولا شك أن هذا الاتساع الرحب للمعارف والآراء المتاحة يعد فى صالح الجيل الراهن من الشباب، إلا أن ذلك يواكبه فى نفس الوقت عدم توافر سبل الارشاد لايضاح ما هو زائف وما هو صحيح فى وسط هذا الخضم المتلاطم من المعلومات والآراء المتدفقة. مما يعد مصدراً رئيسياً لكثير من مشاكل شباب الجيل الحالى.
هذا بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من شباب الجيل الحالى قد حظيت بتلقى تعليم نظامى أعلى بكثير فى المستوى وأطول فى المدة من الأجيال السابقة، مما أسهم فى تحسين مستوى النضج العقلى الانفعالى لشباب اليوم إذا ما قورن بأقرانهم فى العمر من الأجيال السابقة، وهو ما انعكس على كون الشباب المعاصر يشكل مجموعة مستنيرة ولديها خبرة فى أمور عديدة بدرجة لم تكن متوافرة لأمثالهم فى فترات سابقة مما خلق مشاكل الاغتراب عن المجتمع، لعدم قدرة المجتمع على استيعاب امكاناتهم الجديدة والمتلاحقة، فكان المقابل مزيد من النقد الصريح والرفض من جانبهم لأفكار الكبار وأسلوبهم فى الحياة.

ثانياً : احتياجات الشباب
غالباً ما تتركز اهتمامات الشباب فى الاهتمامات الآتية :
1- المشكلات الشخصية.
2- التعليم والعمل وتحقيق الاستقلال المادى عن الأسرة.
3- الاعداد للزواج وتكوين أسرة.
4- اثبات الذات وتحقيق المكانة الاجتماعية المتميزة.
5- ايجاد فلسفة ومبادىء مستقرة للحياة.
6- المشاركة فى الحياة الاجتماعية العامة.
7- تنمية الشعور بالاحترام والتقدير المتبادل مع الآخرين.
وعلى أساس هذه الاحتياجات يجب أن تبنى برامج الشباب فى إطار خطط التنمية بحيث تسعى هذه البرامج لاشباع تلك الاحتياجات حتى تضمن أعلى مستوى للقبول والاستجابة من جانب الشباب للمشاركة الفعالة فى أنشطتها.

ثالثاً : مقومات المشاركة الفاعلة للشباب
أشرنا فيما سبق إلى أن مرحلة الشباب تنفرد بسمات خاصة، ويقتضى حسن الاستفادة من هذه الطاقات والامكانات أن تقوم الدولة من خلال مؤسساتها المختلفة بخلق المناخ الملائم والبيئة المناسبة التى تتيح فرصة الانطلاق وتفجر الطاقات الابداعية للشباب لكى يشارك فى كافة الأنشطة والجهود فى كافة مناحى الحياة، ويتأتى ذلك من خلال توفير المقومات التالية.

1ـ اعداد قاعدة بيانات أولية عن الشباب :
المعلومة هى ركيزة التخطيط السليم، فلا يستطيع أى مخطط ان ينجح فى إعداد سياسات ناجحة بدون توفير حد أدنى معقول من المعلومات والبيانات السليمة. ولكى يحسن المجتمع الاستفادة من الطاقات السياسية ويستطيع توظيفها لخدمة قضايا المجتمع واحتياجاته، لابد من اعداد قاعدة بيانات عن الشباب تتضمن الجوانب التالية :
q تعداد الشباب فى المجتمع المصرى.
q توزيعهم على الفئات العمرية المختلفة.
q التوزيع الجغرافى بين الريف والحضر.
q المستويات التعليمية.
q توزيعهم من حيث الجنس.
q الوضع الاقتصادى.
q الحالة الاجتماعية.
q الانتماءات العقائدية.
q علاقة الشباب بوسائل الاعلام.
q قضايا الشباب ومشكلاته.
ولأن الشباب يمثل شريحة كبيرة من الجماهير المصرية، فعلى ضوء رسم خريطة احصائية دقيقة لخصائص وسمات الشباب المصرى يمكن اعداد الخطط والسياسات بشكل يضمن استيعابه ضمن الإطار المجتمعى.

2ـ دراسة المنظمات العاملة فى مجال خدمة الشباب :
يتردد الشباب عبر مراحل عمره على العديد من المؤسسات كالمدارس والجامعات والأندية الرياضية والمؤسسات الثقافية والإعلامية ودور العبادة ... الخ. وتقوم هذه المؤسسات بدور كبير فى مجال تنشئة الشباب وإعداده للخدمة العامة، ويقتضى تعظيم الاستفادة من امكانات هذه المؤسسات الالمام بجوانب معينة منها :
• مدى اقبال الشباب على التعامل مع هذه المؤسسات.
• مدى نجاح المؤسسات فى تلبية احتياجات الشباب.
• مدى التزام المؤسسات بالأسلوب الديمقراطى فى التعامل مع الشباب.
• دور المؤسسات فى تدعيم مشاعر الولاء والانتماء لدى الشباب.
• المشاكل والعقبات التى تعترضها فى تأدية رسالتها ، وكيف يمكن التغلب عليها.
• نوع العلاقة بين هذه المؤسسات وبعضها ومدى التوافق أو التعارض بين ما تقدمه من مضامين.
• مدى إيمان قيادات هذه المؤسسات بدور الشباب فى التنمية.
ومن خلال الاجابة على هذه التساؤلات يتسنى الوقوف على نواحى القوة والضعف فى عمل هذه المؤسسات وبلورة توجه واع متغير للاستفادة من إمكاناتها للقيام بدور فعال فى إعداد الشباب والنهوض بمستواه المادى والارتقاء بمستواه الثقافى، وتهيئته للمشاركة فى قضايا مجتمعه.

3ـ حل مشاكل الشباب وتلبية احتياجاته :
تعد مشاكل الشباب فى مصر نتاجاً لبيئة اجتماعية ذات خصائص ومواصفات معينة، أو هى نتيجة لعدة ظروف أو أوضاع أفرزتها البيئة الاجتماعية.
وعندما توجد حاجات أساسية وهامة لدى الشباب ولا تجد لها إشباعاً مناسباً فى مدىزمنى معقول ، فلا يتوقع من الشباب أن يكون مشاركاً فاعلاً فى قضايا مجتمعه. وعندما تكون الخدمات غير مهيئة بالقدر الكافى والاحتياجات غير مشبعة فلا ننتظر من الشباب أن يكون إيجابياً. فالشباب يحتاج إلى الأمن والاطمئنان على مستقبله وأنه سيتمكن فى مدى زمنى معقول أن يجد بيتاً صغيراً يكون فيه أسرة، وأن يجد حلاً مستقراً يحقق له نوعاً من الاعتماد على الذات فى تلبية احتياجاته.
كما أن الشباب فى حاجة إلى من يشعره بالانتماء، وفى حاجة إلى من يشعره بالتقدير والاحترام يمنحه الفرصة ويثنى على نجاحاته وإنجازاته.
ولا شك أن اهتمام الدولة ـ بمؤسساتها المختلفة ـ بحل مشاكل الشباب وتلبية احتياجاته سينعكس ايجابياً على مشاركة الشباب الفاعلة فى كل ما يجرى على أرض مصر. فسنراه حينئذ زارعاً هنا وصانعاً هناك منخرطاً فى عمل حزبى أو نقابى، رافعاً لافتة انتخابية يؤيد بها مرشحاً أو آخر، أو متردداً على لجنة انتخابية يمارس حق التصويت لاختيار من يشعر أنه جدير بتمثيله.
وبتعدد المشاركين يزيد الانتاج وترتقى الممارسة الديمقراطية، وتختفى السلبية رويداً ويزول شبح اللامبالاة شيئاً فشيئاً.

4ـ تنمية وعى الشباب بقضايا مجتمعه :
لا يشارك انسان فى موضوع يجهل أبعاده. وغالباً ما يحجم الشباب عن المشاركة فى قضايا مجتمعه حينما تقل المعلومات أو تنعدم. وكذلك عندما تتسم القضايا الموجودة فى محيطه بعدم التحديد والغموض.
وكذلك ينبغى على كل مؤسسات التنشئة والقائمين على أمرها أن تضع بين ايدى الشباب كافة القضايا والمستجدات التى تفرض نفسها على المجتمع فى لغة سهلة وبسيطة بعيدة عن الغموض والتجريد متحاشية استخدام الأساليب الخطابية الرنانة والمصطلحات العلمية المتخصصة. مع شرح المصطلحات الجديدة التى بدأت تترددد على مسامعنا كالخصخصة والعولمة وصراع الحضارات والنظام العالمى الجديد. علينا إيجاد الصيغ المقبولة والتى تسمح بنقل المعانى من ثقافات أخرى مع توضيح انعكاسات هذه الثقافات علينا.
كما أنه من الضرورى خلق رأى عام مؤمن بقضايا المجتمع المختلفة مع ربطها بالمصلحة المباشرة للشباب. فمن الخصائص المميزة للرأى العام وتر المصلحة الذاتية. فعندما نطرح على سبيل المثال قضية الخصخصة فلابد من توضيح انعكاساتها الايجابية على المصالح المباشرة للشباب من خلال اتاحة فرص العمل الجديدة أمام جموع البطالة التى تتزايد يوماً بعد يوم.
وفى مجال ترسيخ قيم الديمقراطية فى وجدان الشباب ومناقشة أبعاد هذه القضية فإنه ينبغى الاعداد الجيد للشباب وإكسابه قيم التعاون والمشاركة وتعويد الشباب على أن كل حق يقابله واجب وترسيخ قيم المواطنة لديه من خلال إدراك حقوقه وواجباته واشعاره بأهمية وجدوى مشاركته وفاعليتها، وربط الديمقراطية بعنصر المصلحة .. فعندما يحترم رأى الآخرين يحترمون رأيه. وعندما يشارك بالرأى فى قضايا وطنه فهو يساهم فى صنع السياسات العامة لوطنه، كما أن الإدلاء بالرأى يعد مدخلاً لتلبية الاحتياجات فكيف يعرف صانع القرار احتياجاتى إذا أحجمت عن إبداء رأيى.
5ـ التعبير عن المشاركة كواجب دينى :
ينبىء استقراء تاريخ مصر عبر عصورها المختلفة بحقيقة مؤداها أن الحياة المصرية القديمة منذ آلاف السنين قامت على أسس دينية. فمنذ القديم عرف المصريون بقوة التدين فقد قال هيرودوت أبو التاريخ إن المصريين أشد البشر تديناً ولا يعرف شعب بلغ من التقوى درجتهم فيها .
وللدين سلطان نافذ على عقول المصريين يدعوهم إلى التدين والتقوى والصلاح والاحسان إلى الغير والعمل الصالح. ويعد الدين من أهم العوامل التىتحكم نظرة المجتمع إلى متغيرات العصر والتىينطلق منها إلى اتخاذ موقف معين من القضايا والمشكلات سلباً وإيجاباً.
ورغم صور الانحراف التى شاعت بين شباب العالم بصفة عامة، والقت بظلالها على الشباب المصرى، إلا أنه يمكن القول أن القاعدة الشبابية فى مصر فى مجموعها منضبطة وملتزمة ومتدينة بالفطرة. والقلة الشاردة لا تغير فى القاعدة ولا حكم لها.
فإذا تلقى الشباب عبر مؤسسات التنشئة المختلفة مما يلقى الأضواء على موقف الاسلام من المشاركة واعتبارها واجباً دينياً، فإن نهوض الشباب لتلبية هذه الواجب الدينى ستتسم بسرعة الاستجابة، وستكون أكثر فاعلية. وقد تضمنت الآيات القرآنية العديد من القوانين والأسس التى تؤكد على ضرورة مشاركة الجماهير فى كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لايجاد مجتمع اسلامى متكامل. فقد امتدح القرآن الكريم الجماعة التى تعتمد الشورى منهاجاً لحياتهم وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون الشورى/ 38. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر آل عمران / 159.
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بأمور المسلمين كشروط للانتساب لعضوية المجتمع المسلم فيقول من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم وهكذا تكون المشاركة عنصراً أساسياً للانتماء للمجتمع الاسلامى. كما قال صلى الله عليه وسلم ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم وقال ايضاً استعينوا على أموركم بالمشاورة كما قدم الرسول العديد من المواقف العملية فى مجال الشورى فقد استشار أصحابه فى غزوة بدر وأحد والأحزاب وغيرها من المواقف التى نزل على رأيهم فيها واستجاب لمشورتهم عندما استحسنها.
كما أن الدعوة للمشاركة موجهة أيضاً إلى المواطنين المسيحيين مساهمة فى العمل العام وتوثيقا لعرى الوحدة الوطنية فالدين لله والوطن للجميع.

6ـ اعتماد نظرية الحوافز :
تعد الحوافز من محركات السلوك ، ويرى علماء النفس أن كل الافعال التى يقوم بها الانسان يمكن وصفها على أنها مجهود يقوم به الانسان لاشباع متطلب أساسى أو حاجة ضرورية. فإذا تم ايجاد الرابط أو العلاقة بين المشاركة وبين ما يسميه علماء النفس بالجزاء، فإن هذا يؤدى إلى تعظيم المشاركة وتفعيلها.
ولما كانت الحاجة إلى التقدير بشقيه المادى والمعنوى من حاجات الانسان الاجتماعية، فإن إشباعها يؤدى إلى مزيد من العطاء، فمن يشارك فى محو أمية مجموعة من المواطنين أو يستصلح قطعة أرض صحراوية أو يساهم فى نظافة البيئة أو تشجير المنطقة التى يقطنها عندما يمنح حافزاً مادياً أو معنوياً فإن هذا يؤدى إلى حدوث تأثيرين إيجابيين:
• رفع معنويات المشارك بما يؤدى به إلى بذل المزيد من الجهو د.
• تقديم النموذج الذى يمكن أن يحاكى من الآخرين.
وتطبيقاً على ذلك فإنه يجب على الهيئات المعنية بشئون الشباب والمؤسسات التىيتردد عليها أن تتبنى سياسة تشجيع الشباب من خلال الجزاءات والحوافز حتى ولو كانت حوافز نسبية.

7 ـ اقتناع القيادة بأهمية دور الشباب :
ان ايمان القيادة على أى مستوى وفى كل موقف بفلسفة مؤداها أن الشباب جزء هام فى كيان المجتمع، وأن انعدام مشاركة هذه الجزء وتهميشه يعود بالضرر على المجتمع ككل.
فالاقتناع بدور الشباب من شأنه أن ينعكس ايجابياً على تهيئة الظروف المناسبة لاندماج الشباب فى أنشطة المجتمع ومشاركته فى الأدوار المطروحة.
ويمكن تحديد عدد من الآليات التى تترجم هذا الاقتناع إلى واقع عملى ملموس :
• إتاحة الفرصة أمام الشباب للتعبير عن آرائهم فى قضايا مجتمعهم ورؤيتهم لكيفية التعامل مع مشاكل المجتمع دون خوف من عقاب أو مساءلة، وفى ظل مناخ آمن يرعى الحريات ويدعم الديمقراطية.
• توفير قنوات أو منابر تتيح لهم طرح مشاكلهم وتصوراتهم لكيفية حلها والتعبير عن طموحاتهم وتصوراتهم.
• ضرورة أن تضم الهيئات المعنية بأمور الشباب فى عضويتها بعض العناصر الشبابية التى تحسن التعبير عن همومها وقضاياها إذ ليس من المعقول أن ينفرد بالتعبير عن قضايا الشباب من هم خارج هذه الشريحة الشبابية. فالشباب هم الأقدر على التعبير عن أنفسهم.
• الاهتمام بعمل استطلاعات دورية لآراء الشباب حول همومهم وقضايا المجتمع.
• تطوير دور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى لاستيعاب الشباب وتدريبهم على التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
• أن تحتفظ مؤسسات المجتمع ومنظماته ببعض الأدوار القيادية لكى يشغلها المتميزون من الشباب دون التقيد بالعوائق البيروقراطية ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما كان يحلل الخصائص المدخرة فى الشخصيات ويضع الرجل المناسب فى المكان المناسب دونما التفات لاعتبارات تتعلق بالسن، وإنما المعيار مدى الأهلية والكفاءة للقيام بالدور المنوط به.
• فقد كلف الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بقيادة جيش المسلمين لغزو الروم وهو دون العشرين من عمره وتحت إمرته أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ـ وعندما استكثر البعض على أسامة هذا المنصب .. قال الرسول : والله انه بالإمارة لخليق، وان أباه من قبله بالإمارة لخليق فاستوصوا به خيراً فإنه من صالحيكم. كما يذكر التاريخ أنه قد التف حول المسيح عليه السلام عدد من الحواريين الشبان.
ومما هو جدير بالذكر أن القيادة السياسية فى مصر تضع نصب أعينها هموم الشباب ومشاكله وتحاول ايجاد الحلول المناسبة لها ايماناً منها قدراته الخلاقة الفاعلة والدافعة لقضايا التنمية.
وليس أدل على ذلك من عبارة الرئيس حسنى مبارك يدعو فيها لاستيعاب الشباب ومحاولة دمجهم فى المجتمع إننى اشعر بشعور كل أب مصرى، حين أجد آلافاً من الشباب القادر على العمل عاجزين عن العثور على عمل يتيح لكل منهم أن يعبر عن طاقته الكامنة، ويحقق ذاته ويبين مستقبله، وليس أقسى على نفسى من التفكير فيما ينال هذه الفئات من شباب مصر من إحباط فضلاً عن حرمان الوطن من هذه الطاقة الشابة القادرة على الإنجاز والبناء.
8 ـ توافر النموذج والقدوة :
يتعامل الشباب عبر مراحل عمره المختلفة مع العديد من المؤسسات التى يتولى الاشراف عليها قيادات مختلفة.
والانسان كما يتلقى تعليمه وثقافته عن طريق الاضطلاع والقراءة والدرس، فإن جزءاً كبيراً من خبراته ومعارفه تنتقل إليه نتيجة احتكاكه بمن حوله فى مواقف الحياة الاجتماعية المختلفة.
فالطفل أثناء عملية نموه يكتسب أنماطاً من السلوك نتيجة تفاعله مع أفراد أسرته أو مجتمع الدراسة أو النادى وخلافه .. وفى جميع مراحل الحياة يكون فى حاجة إلى الموجه الذى يوجهه ويأخذ عنه، فأحيانا يكون الأب أو الأم وأحياناً أخرى يكون المعلم وربما أى شخص يظن فيه الانسان القدرة على النصح والتوجيه وهداية السلوك. ومن الخطأ الظن أن الإنسان يمكن أن يستغنى عن القدوة فهو كائن اجتماعى يتأثر بالمجتمع، ومن الخطأ المبين الظن أن الأخلاق الفاضلة والسلوك المستقيم للفرد والمجتمع تتحقق بمجرد سن القوانين وتوقيع العقوبات، وإنما يلزم مع ذلك وجود القدوة الحسنة فى مختلف مجالات الحياة الاجتماعية.
لذلك يجب أن تحرص القيادات على أن تكون مثالاً للقدوة الطيبة فى الحفاظ على الوقت والانضباط فى العمل، والصدق فى القول، والحفاظ على المال العام. فالأخلاق الفاضلة دعاية صامتة أما إذا اتصف سلوك القيادة بالغش والخداع وعدم المطابقة بين القول والعمل، فإن هذا سيؤدى إلى إشاعة مناخ من الإحباط لدى الشباب بما يعيق نمو شعورهم بالولاء والانتماء للمجتمع.







قديم 19-06-07, 03:38 AM   رقم المشاركة : 18
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

رابعاً : آفاق جديدة لمشاركة الشباب فى قضايا الوطن
يعد التعليم المدنى أحد القضايا بالغة الأهمية مع بداية القرن الجديد لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة وهو يعنى التعليم السياسى أى التشكيل الثقافى بغرض تكوين
المواطن المشارك فى نظام حكم صالح بكل شروطه ومقوماته، وتنبع هذه الأهمية من عدة ظواهر لعل فى مقدمتها.. العولمة بكل الفرص والمخاطر التى تطرحها ومناخ الأزمات المتشابكة وضرورات إدارة التغيير ـ الأمر الذى يملى حتمية التركيز على بناء وقدرات وتنمية مهارات الإنسان الذى يستطيع أن يتعامل بذكاء واقتدار مع كل هذه التحديات.
ومثلما ننادى باستثمار الثورة العلمية التكنولوجية والاسراع بمعدلات التنمية الشاملة والمتواصلة وإيجاد طبقة جديدة من المستثمرين الجدد وشباب رجال الأعمال، لابد أيضا من تدريب أبنائنا وبناتنا على المشاركة الواعية والسلوك الرشيد كمواطنين لهم حق المشاركة فى الانتخابات والحياة العامة واختيار الحكام والمفاضلة بين السياسات المطروحة، بل وبذل مجهود عملى لإنجاز التنمية الذاتية والنهضة الوطنية، لأن التنمية والاستثمار وتحسين الانتاجية وثمار التقدم مهددة فى حالة غياب نظام سياسى ديمقراطى يضمن توسيع المشاركة فى صنع القرار وحرية الاختيار القومى.
فالتعليم السياسى فى مفهومه المعاصر بهدف تنمية المجتمع المدنى ليس تعليماً حزبياً وإنما يقوم على التعددية الثقافية والدينية والاجتماعية، وهو بمثابة دعوة مفتوحة للمشاركة فى الشئون العامة فكراً وقولاً وعملاً بهدف تأمين الوحدة الوطنية.
والواقع أنه فى المجتمعات المعاصرة يلعب نظام التعليم دوراً محورياً فى إعداد النخبة السياسية وتأهيل حكام الغد من القيادات والمرؤوسين .. وتتوقف أبعاد هذا الدور على غاية العملية التعليمية فى مختلف المراحل وعلى امتداد سنى الدراسة من الطفولة فالصبا حتى الشباب فى إطار فلسفة النظام السياسى.
فقد تكون الغاية هى تخريج الموظفين والفنيين وقد تتسع لتكوين وإعداد المواطن الراشد والانسان الايجابى. كل ذلك من منطلق أن التعليم الذى نعنيه أوسع بكثير من مفهوم التعليم المدرسى والجامعى ليشمل الثقافة والاعلام والتدريب والصحة والرعاية وكل صور التنمية البشرية بل والتنمية السياسية التى تشمل تقاليد الحكم والممارسات الدستورية ومستوى المشاركة الديمقراطية والمساهمة فى التنمية.
وجدير بالذكر أن التعليم المدنى أو التعليم السياسى للشباب ليس مسئولية مؤسسات التربية والتعليم كالمدارس والجامعات ومراكز الشباب فقط، بل انه يمتد إلى جميع المنظمات التى تشارك فى التنشئة السياسية للمواطنين مثل الأسرة والنادى ودور العبادة والخدمة العسكرية، وأجهزة الاعلام والمنظمات الأهلية التطوعية.
ومن جهة أخرى فإن آفاق التعليم السياسى الذى يستهدف تنمية فعاليات المجتمع المدنى الجديد الذى نحاول ارساءه بدلاً من المجتمع التقليدى العسكرى الموروث ـ يشمل العديد من الاهتمامات والمسئوليات التى يتوجب على الشباب فتيات وفتيان القيام بها ـ مع الأخذ فى الاعتبار توسيع مفهوم العمل السياسى والمشاركة الشعبية ـ لتشمل فى ظروف الاقطار النامية أهمية بث روح الخدمة العامة والعمل التطوعى لدى الشباب وهكذا تشمل قائمة مهام التعليم المدنى والعمل الاجتماعى أنشطة عديدة مثل :محو الأمية وترشيد المستهلك وحماية البيئة ، وقيد المواطنين فى جداول الانتخابات والتنمية المحلية وأصدقاء السائح وحملات النظافة وهناك ايضا العديد من القضايا الأخرى مثل قوافل العلاج التى تخدم العشوائيات والريف والتدريب على مهارات العصر وتنظيم الرحلات الترفيهية من خلال أعرف بلدك.
كما يزخر العمل التطوعى والعام بكثير من مناحى النشاط مثل القرية المنتجة والتعاون مع المحليات ومعسكرات الجوالة والكشافة وكذا مشروعات التخلص من القمامة وتجفيف البرك وتطهير الترع والمصارف ومكافحة الذباب وتشجير الشوارع ومشروعات التنمية المحلية مقابل أجور رمزية يوفرها رجال الأعمال.(وغير ذلك من الأنشطة التى سيرد ذكرها فى الملحق).
إن التعليم المدنى هو الباب المفتوح أمام شبابنا لتأهيلهم للقرن الجديد وإعداد مجتمعنا للنهضة الوطنية. وفى هذا الإطار نؤكد على أهمية الانتقال بالتعليم من مرحلة التلقين إلى مرحلة الممارسة فأذكر أننى خضت تجربة شخصية خلال تدريسى لمقرر العلوم السياسية لطلاب الجامعة فى كليات مختلفة حيث تبين لى عدم جدوى الاعتماد على التلقين واستظهار المقرر الذى يتحدث عن الانتخابات والمشاركة والحقوق والحريات السياسية دون ممارسة يومية أو تدريبية لها. فكان أن كلفت الطلاب كجزء من الواجبات الأكاديمية قيد أسمائهم فى جداول الانتخابات حين بلوغهم سن الثامنة عشر. كما قاموا أيضاً بالزيارات الميدانية للمجلس الشعبى المحلى والاتصال الشخصى بأعضاء البرلمان وإجراء الاستطلاعات المبسطة للتعرف على اتجاهات الرأى العام تجاه القضايا المختلفة.
وقد ثبت من إجابات الطلاب وتجاربهم الشخصية أن العقبات الإدارية والقيود البيروقراطية وموقف موظفى السجل المدنى تشكل صعوبات جمة أمام المشاركة الديموقراطية، وبالتالى تحتاج اصلاحاً عاجلاً والأهم همة عالية لدى الشباب تقوى من تصميمهم على اقتحام الجديد وأخذ زمام المبادرة فى العمل السياسى. وقد استعان الطلاب بالنماذج المرفقة لإجراء بحوثهم الميدانية التى أتاحت لهم خبرة عملية أعمق بالواقع المحلى والوطنى. (انظر الملحق المرفق كتدريب على التعليم بالممارسة).
وهنا يثار سؤال أساسى :
ما هى المجالات التى يستطيع الشباب أن يقتحمها للمشاركة بجهده وفكره وعقله وعرقه ؟
وإذا تهيأت مقومات المشاركة الناجحة أمام الشباب :
• فتوفرت قاعدة بيانات أولية تفيد فى توضيح كيفية التعامل معه.
• وتمت دراسة المنظمات والمؤسسات التى تعمل فى مجال الشباب ومبيناً إيجابياتها وسلبياتها.
• وأحطنا الشباب علماً بقضايا مجتمعه.
• وسعينا فى اتجاه تلبية احتياجاته وحل مشاكله.
• واعتمدنا على أسلوب الحوافز المادية والمعنوية لشحذ همته وحفز طاقته.
• وأوجدنا نموذج القدوة الذى يمكن أن يحاكيه الشباب.
• على ضوء ذلك كله : ماذا عساه أن يفعل ؟ وما هى المجالات التى يمكن أن يشارك فيها الشباب ؟
هذا ما سوف نوضحه من خلال النقاط التالية :
1 - المشروع القومى للشباب :
ينبغى استثمار طاقات أولئك الذين لا يذهبون إلى الخدمة العسكرية لسبب أو لآخر. وايجاد المشروع القومى للشباب الذى يقوم بتجميع هؤلاء الشباب تحت راية وزارة الشباب والرياضة وتوجيههم للعمل فى مشروعات خدمة الوطن.
وبناء على ذلك تتحول مراكز الشباب فى المدن والقوى الى خلية نحل، وعلى ضوء احتياجات المدينة أو القرية أو الحى يوزع الشباب إلى مجموعات أو تشكيلات تتولى كل مجموعة منها عملاً معيناً : فهذه تنظف منطقة ، وتلك تشجر طريقاً ، وأخرى تستصلح ارضاً ورابعة تمحو الأمية.
وينبغى فى النهاية أن نقوم بعملية تقويم للجهد المبذول، ونمنح المجيدين منهم الحوافز المادية والمعنوية. ومن الممكن تقديم الثقافة السياسية لهؤلاء الشباب وهو يعمل فى خدمة الوطن (ثقافة واقعية قائمة على الممارسة).
2 - كتائب العمل فى زوايا تخصصية :
تعد جامعاتنا الشباب لأداء أدوار معينة، ويا حبذا لو اعتبرنا جهودهم فى الخدمة الوطنية والتطوعية من مشروعات التخرج بحيث يقومون بأعمال تدخل ضمن صميم تخصصاتهم.
فهذه كتائب الصحة لطلبة الطب والتمريض تنطلق تحت إشراف أساتذتهم لتزاول الارتقاء لوطنها من خلال علاج غير القادرين فى المدن والقوى والمستشفيات. وهذه كتائب التربية والتعليم لطلاب كليات التربية تمحو الأمية وتقدم الشرح والتفسير فى نواحى معرفية لغير القادرين. وهذه كتائب التعمير لطلبة الهندسة والفنون ترصف طريقاً أو تساهم فى بناء مدرسة. ويمكن أن تجمع هذه المعسكرات أو الكتائب بين تقديم الخدمة التطوعية والترفيه إلى جانب تقديم الثقافة السياسية الواقعية من خلال نماذج المشاركة.
3 - مجالات مشاركة على صعيد العديد من المؤسسات :
ينبغى تشجيع الشباب ولفت أنظارهم إلى أن المشاركة متاحة ومتعددة بتعدد المؤسسات التى يتاح لهم المرور من خلالها وتتمثل فى المؤسسات الآتية :
فى المدرسة :
? يشارك فى نظافة مدرسته بجمع القمامة وتوجيه النصح للطلاب الذين لا يحرصون على نظافة مدرستهم.
? يعد لوحة أو يرسم صورة تزين واجهة مدرسته.
? يتعلم المشاركة مع الآخرين فى إخراج يوم دراسى ناجح.
? يقرا نشرة الصباح لزملائه.
? يشترك مع جماعة الصحافة أو جماعة الخطابة أو جماعة المسرح.
فى الجامعة :
? تنظيم ندوات تثقيفية وتوجيهية للطلاب بشكل مستمر.
? دخول الطالب فى حوار مع أساتذته وزملائه ويتعلم كيف يعرض رأيه فى إطار عدم التعصب له (تعليم الحوار البناء وبرلمان الشباب).
? يساهم فى اختيار من يمثله فى الاتحادات الطلابية.
? يرشح نفسه إذا وجد فى نفسه كفاءة.
? أن يعرض برنامجه الانتخابى أمام الآخرين.
? يستخدم وسائل الاتصال المتاحة فى حدود امكاناته وظروفه.
? يلتحق بعضوية الأسر الطلابية التى تقدم ألوانا من النشاط يعود عليه بالنفع وعلى الآخرين بالفائدة. ومن خلال ذلك يتعلم القيادة والمبادأة وتحمل المسئولية والتعاون مع الآخرين.
? لا يحرم نفسه من الاشتراك فى المعسكرات الشبابية الطلابية التى تعود الطلاب على العمل الجماعى والتعاون ويتعلم كيف يوجه نشاطه لخدمة المجتمع.
فى العمل :
سواء كان يعمل فى إدارة حكومية أو مؤسسة عامة أو خاصة فإنه يمكن أن يقتحم مجالات المشاركة التالية :
? يشارك بإبداء الرأى ليعرف مشاكله أو يقترح سبلاً لتطوير العمل أو تطوير الانتاج.
? يحافظ على نظافة مكتبه ومقر عمله.
? يشارك فى إنشاء صندوق للزمالة.
? يصبح عضواً فاعلاً فى نقابة أو اتحاد أو غرفة أو يرشح نفسه لقيادتها أو النهوض بأحد مهامها الرئيسية.
? يشارك زملاءه مناسباتهم الخاصة أو يشارك مؤسسته فى المناسبات الخاصة بها (ذكرى الانشاء أو مرور 25 عاماً أو افتتاح فرع جديد أو الاحتفال بتكريم شخصية معينة).

4 - الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث :
تعرف البيئة على أنها كل ما هو خارج ذات الانسان ويحيط به بشكل مباشر أو غير مباشر، وجميع النشاطات والمؤشرات التى يستجيب لها ويدركها من خلال وسائل الاتصال المختلفة المتوافرة لديه، ويشمل ذلك تراث الماضى من عادات وتقاليد وأعراف ومكتشفات الحاضر. والانسان هو المستفيد الأول من البيئة النظيفة وهو الخاسر الأول الذى يعانى إذا كانت بيئته ملوثة.
ومن هنا كان لزاماً على الشباب أن يشارك فى المشروعات الخاصة بالبيئة وفى الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم إماطة الأذى عن الطريق صدقة . وعليه أن يتعلم الحفاظ على بيئته نظيفة فلا يلوثها بالقاء القاذورات فى غير الأماكن المخصصة لها. ويتعامل مع مياه الأنهار بأسلوب حضارى فلا يلقى فيها مخلفاته وحيواناته النافقة ولا يرصع جوانبها ببقايا مأكله وملبسه وعوادمه ومخلفاته. عليه أن يساهم بجهوده لتنظيف الأماكن القذرة والخربة واخلاء ما بها من مخلفات وقاذورات وإعدادها لتكون حدائق عامة ومتنزهات.

5 - المساهمة فى مشروع محو الأمية :
إذا كانت الأمية فى مصر تقترب فى نسبتها من 60 % فإن هذه المشكلة تتطلب تضافر الجهود لحلها وما دام الشباب جزءاً له أهميته فلا ينبغى أن تواجه المشكلة فى غيبة جهوده واسهاماته.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرض على كل أسير من المشتركين فى غزوة بدر ممن يعرفون القراءة والكتابة أن يعلم عشرة من المسلمين إدراكاً منه لخطورة الأمية والجهل.
وتتأتى مساهمة الشباب فى حل هذه المشكلة من زاويتين :
أ. القيام بمحو أمية غيره إذا كان من المتعلمين.
ب . الانضمام إلى قوافل مشروعات محو الأمية كطالب دارس إن كان من الأميين. وعندما تمحى أميته فإنه يقدم لنفسه ومجتمعه أجمل هدية ويصبح أكثر وعياً بما يدور حوله وأكثر قدرة على الاستفادة من المصادر المتاحة للمعلومات فى عصرنا الراهن.

6 - التصدى لبعض القيم المعوقة للتنمية :
نستطيع أن نحشد جهود شباب الجامعات وخريجيها للتصدى لبعض السلوكيات التى تعوق جهود التنمية. ويمكن أن نشركهم فى دورات تدريبية لزيادة وعيهم ببعض هذه القضايا. وبعد ذلك تنطلق قوافلهم تجوب المدن والقوى ببث الوعى والمعرفة.
ونستطيع أن نضرب مثلاً على ذلك بقضية الإسراف والتبذير وإهدرا الموارد. ويتم توجيه الدعوة لترشيد الأنماط السلوكية السائدة فى الأفراح والمآتم والأعياد الدينية والتى تصاحبها صور الإسراف والتبذير.
ويكون ضمن عوامل نجاح هذه الحملات أن نلجأ إلى القيم الدينية ونحسن توظيفها. وفى القرآن الكريم ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين الأنعام / 141 وقوله تعالى : إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً الاسراء / 27.
وقوله صلى الله عليه وسلم لا تسرف ولو كنت على نهر جار وقوله أيضاً الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة.
7 - ممارسة حق التصويت :
إن حرية الرأى ليست منحة قوانين وضعية ، وليست هبة من أحد وإنما هى أمر حث الله الإنسان عليه. فالدين يعطينى هذا الحق وفى نفس الوقت يحملنى واجباً : هو أن استغل هذا الحق ولا أعطله.
وبناء على ذلك فإن جموع الشباب مطالبون أن يقيدوا أنفسهم فى جداول الانتخابات وعندما تكون هناك فرصة للادلاء بالرأى فلا يترددون فى الذهاب إلى مكان أو لجان الانتخاب للادلاء بأصواتهم وانتخاب رئيس الجمهورية أو اختيار أعضاء البرلمان أو المجلس المحلى أو النقابة ... الخ. كما نتوقع من الشباب أن يحظى بعضوية الأحزاب ويرشح نفسه فى الانتخابات.

8 - الاشتراك فى أنشطة مواجهة الأزمات :
أصبحت الأزمات فى عالمنا المعاصر تحدث بشكل يومى حتى أصبحت الأزمات جزءاً من حياة أى مجتمع أو منظمة.
وتعرف الأزمات على أنها أحداث مفاجئة تتسبب عند وقوعها فى خسائر بشرية أو مادية بالنسبة لجماعة من الناس، مما يؤدى إلى درجة من التوتر فى النسيج الاجتماعى لهذه الجماعة. فالأزمة مثلث يتكون من التهديد المفاجىء وضيق الوقت ونقص المعلومات.
وإذا كانت الأزمة فى ملامحها تتطلب علاجاً يتم على نحو من السرعة والمرونة فى الإجراءات والتدخل الفورى وعمل الفريق وتضافر الجهود والتصدى لها يجب أن يتم بمعزل عن جهود الشباب ومشاركاتهم ويجب أن تستنفر هممهم للتعاون مع الغير والاشتراك مع الآخرين لحصار الآثار السلبية للكوارث والازمات التى تقع ـ لا قدر الله ـ فى المجتمع كالزلازل والحرائق والسيول والفيضانات والحوادث المفجعة.

9 - مجالات أخرى للمشاركة :
• طبقاً لفلسفة المسئولية الاجتماعية السائدة فى عديد من المجتمعات المتقدمة يصبح لزاماً على الفرد القادر والمنظمة القادرة أن تمد يد المساعدة والعون للمجتمع من خلال التبرع لبناء مدرسة، أو رصف طريق أو إقامة مستشفى، أو التبرع بشراء جهاز طبى. ولا يشترط أن يكون الدعم ماديا فيمكن أن يكون من خلال العمل وبذل الجهد.
• ينبغى أن يوجه الشباب للمشاركة والتعاون مع بعض القطاعات والأجهزة لتحقيق بعض الأهداف السامية أصدقاء المرور، اصدقاء الاعلام ، التبرع بالدم الهلال الأحمر.
• الاشتراك فى المسابقات الرياضية والثقافية التى تدور فى المدرسة والجامعة والنادى والشركة والمؤسسة.
ينبغى أن يقبل الشباب على التعاون والاستفادة من مشروع مبارك للخريجين ، أو مشروع منح الأراضى للشباب، أو الافادة من الصندوق الاجتماعى .


المصدر :
مركز الدراسات السياسية و الإستراتيجية







قديم 20-06-07, 10:12 AM   رقم المشاركة : 19
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

بحث في الحرية

مختارات من كتاب "بحث في الحرية"


الفصل الأول

المدخل: في حدود سلطة المجتمع على الفرد


ليس موضوع هذا البحث الحرية التي تسمى "حرية الإرادة" والتي تقابل لسوء الحظ ما يسمى خطأ بالضرورة الفلسفية، وإنما موضوعه: الحرية والمدنية، أو الاجتماعية، وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع شرعيا على الأفراد، وحدودها. إنها مسألة قلّ أن عرضت، وندر أن بحثت بشكل عام، ولكنها مع ذلك ذات أثر عميق في مشاكل هذا العصر العملية لوجودها الكامن الخفي. واكثر الظن أنها سوف تبرز نفسها قريبا لتعتبر مسألة المستقبل الحيوية. إنها أبعد ما تكون عن الجيدة. ويمكن القول انها منذ أقدم العصور تقريبا قد شطرت العالم. أما في مرحلة التقدم الحالية التي دخلها اكثر أقوام النوع الإنساني حضارة، فإنها تعرض نفسها ضمن شروط جديدة وتتطلب معالجة جديدة وأكثر عمقا.

إن الصراع بين الحرية وبين السلطة أبرز ظاهرة في أقسام التواريخ التي نعرفها، وخاصة تاريخ اليونان وروما وإنكلترا. أما في العصور القديمة فقد كان هذا الصراع بين الرعية أو بعض طبقات الرعية وبين الحكومة، وكان المعنى المفهوم من الحرية الاحتماء من استبداد الحكام السياسيين. فقد كان هؤلاء الحكام (باستثناء بعض حكومات الإغريق الشعبية) يُنظر إليهم وكأنهم بالضرورة في وضع معاد للشعب الذي يحكمون. كان الحكم بيد حاكم فرد، أو بيد قبيلة حاكمة أو سلالة، وكانت سلطتهم آتية عن طريق الإرث أو الفتح، ولم تكن تمارس برضى المحكومين، ولم يكن أحد يجرؤ على منازعة تلك السيادة أو يرغب في ذلك رغم كل الاحتياطات التي كانت تتخذ لاتقاء ضغطها التعسفي. كانت النظرة إلى سلطانهم أنه ضروري وأنه عظيم الخطر في الوقت نفسه، فهو سلاح قد يحاولون استعماله ضد رعيتهم كما يحاولون استعماله ضد العدو الخارجي. كذلك كان من الضروري، حتى لا يقع الضعاف من أعضاء المجتمع فريسة ينهكها عدد لا يحصى من العقبان، أن يوجد هناك حيوان جارح يكون أقوى من الآخرين يُناط به أمر إخضاعها. ولكن، لما كان ملك العقبان ليس أقل ميلا إلى افتراس الرعية من أي نهاب سلاب آخر، فقد كانت الضرورة تقضي دائما باتخاذ خطة الدفاع ضد مخلبيه ومنقاره. لذلك كان هدف الوطنيين وضع حد للسلطة التي يجب أن يتحمل الحاكم مسؤولية ممارستها على المجتمع، وهذا التحديد هو ما عنوه بالحرية. حاولوا إرساء أسس هذا التحديد بطريقتين: الأولى هي الحصول على اعتراف ببعض الحصانات، تسمى الحريات أو الحقوق السياسية، كان انتهاكها من قبل الحاكم يعتبر إخلالا بواجبه، فإذا اقدم على انتهاكها كان في عمله ما يبرر المقاومة الخاصة أو الثورة الشاملة؛ أما الطريقة الثانية التي ظهرت بعد الأولى فكانت إقامة ضوابط دستورية بموجبها أصبحت موافقة المجتمع، أو أي هيئة يفترض انها تمثل مصالحه، شرطا لازما في بعض الإجراءات الهامة التي تريدها السلطة الحاكمة. لقد اضطرت السلطة الحاكمة في معظم البلاد الأوروبية إلى الرضوخ، نوعا ما، للطريقة الأولى. ولكن الحال لم يكن كذلك بالنسبة للطريقة الثانية: إذ أصبح الوصول إلى هذا النوع من التحديد أو إلى إكماله حين يكون جزء منه مؤمنا، اصبح ذلك في كل مكان الغرض الأساسي لمحبي الحرية. ولما اطمأن البشر إلى محاربة عدو بعدو آخر، وقنعوا بأن يُحكَموا من قبل سيد ضمن شروط تؤمن لهم نوعا من الحماية ضد استبداده، فانهم لم يعودوا يعملون ليدفعوا بأمانيهم إلى أبعد من هذه النقطة.

ثم جاء زمن رأى الناس فيه أن ليس من ضرورة طبيعية أن يكّون حكامهم سلطة مستقلة، تتعارض مصالحها مع مصالحهم. وبدا لهم أن الأفضل أن يكون أولئك الذين يستلمون شؤون الدولة وكلاء أو مندوبين عنهم يعزلونهم متى شاءوا. وظهر أن هذا هو السبيل الوحيد الذي يعطيهم الضمانة التامة في أن لا يساء استعمال سلطة الحكم في غير صالحهم. هذا الطلب الجديد لحكام ينتخبون انتخابا لمدة مؤقتة أصبح تدريجيا الغرض الرئيسي لأي حزب شعبي أينما وجد حزب من هذا النوع. وأخذ هذا الطلب، إلى حد بعيد، مكان طلب الحد من سلطة الحكام الذي كانت تسعى إليه الجهود السابقة. وفيما كان النضال لجعل السلطة الحاكمة تنبثق عن انتخاب دوري من قبل المحكومين يسير في وجهته، أخذ بعض الناس يفكرون بأن الأهمية التي علقوها على مسألة تحديد السلطة نفسها كانت أكثر من اللازم، وان المسألة نفسها يمكن أن تكون مأخذا يؤخذ ضد الحكام الذين كانت مصالحهم عادة متضاربة مع مصالح الشعب. فما هو مطلوب الآن هو أن يكون الحكام متجاوبين مع الأمة وأن تكون مصالحهم وإرادتهم مصلحة الأمة وإرادتها. لن تحتاج الأمة إلى حماية من إرادتها الذاتية، وليس هناك خوف من أن تستبد بنفسها. ليكن الحكام مسؤولين عنها بطريقة مثمرة، وليكونوا عرضة للعزل من قِبَلِها، وعندها يمكن أن تمنحهم سلطات تستطيع هي أن تفرض أين يجب أن تُستعمل. وسلطتهم عندئذ ليست شيئا آخر سوى سلطة الأمة، وقد تمركزت بطريقة صالحة للتنفيذ.

أن هذا الأسلوب في التفكير، أو بالأحرى في الشعور، كان شائعا بين الأجيال الأخيرة من أحرار أوروبا، ولا يزال شائعا فيها حتى الآن كما يظهر. ويبقى أولئك الذين يقبلون فرض أي حد على ما يمكن أن تفعله الحكومة (إلا في حالة الحكومات التي يعتقدون أنها يجب أن لا توجد) يبقون قلة لامعين بين مفكري أوروبا السياسيين. إن أسلوبا في الشعور مماثلا لما ذكرت كان من الممكن أن يكون سائدا في بلادنا نفسها في هذا الوقت لو أن الظروف التي شجعته فترة من الزمن بقيت ولم تتبدل.

بيد أن النجاح في النظريات الفلسفية والسياسية، وفي الأشخاص أيضا يكشف عن عيوب وخطيئات قد يخفيها الفشل عن عين الملاحظ. فالرأي القائل بأن الشعب لا يحتاج إلى تحديد سلطته على نفسه قد يبدو حقيقة بديهية حين تكون الحكومة الشعبية مجرد حلم، أو مجرد شيء تقرأ عنه على أنه حدث في الماضي البعيد. ولم يتضايق هذا الرأي بما حدث من انحرافات مؤقتة كانحرافات الثورة الفرنسية التي جاء أسوأ ما فيها عن عمل قلة مغتصبة، والتي لم تكن في أي حال ناجمة عن عمل ثابت لمؤسسات شعبية بل عن ثورة فجائية اضطرابية قامت ضد استبداد الملك والطبقة الأرستقراطية. ولكن قامت مع الزمن جمهورية ديمقراطية احتلت حيزا واسعا من سطح الكرة الأرضية وأثبتت وجودها كواحدة من أقوى أعضاء مجموعة الأمم، وبذلك وضعت حكومة منتخبة ومسؤولة موضع الانتقادات والملاحظات التي تنتظر حقيقة واقعية كبرى. وقد تبين عندئذ ان عبارات مثل "الحكم الذاتي" و"سلطة الشعب على نفسه" لا تعبر عن حقيقة الوضع الراهن. فـ "الشعب" الذي يمارس السلطة ليس دائما نفس الشعب الذي يخضع لها، و"الحكم الذاتي" الذي يتحدث عنه ليس حكم كل فرد من قبل نفسه بل حكم كل فرد من قبل كل الآخرين. وإرادة الشعب، إضافة إلى ذلك، إنما تعني عمليا إرادة العدد الأكبر أو إرادة الجزء الأكثر نشاطا من الشعب (إرادة الأكثرية)، أو أولئك الذين ينجحون في جعل أنفسهم مقبولين على أنهم الأكثرية. فقد يجوز بنتيجة ذلك أن يرغب الشعب في اضطهاد قسم من أفراده. وهنا يصبح من الضروري أن يُتخذ ضد هذا الأمر من الاحتياطات ما يُتخذ ضد أي نوع آخر من سوء استعمال السلطة وعليه تحديد سلطة الحكومة على الأفراد لا يفقد شيئا من أهميته عندما يكون القابضون على زمام السلطة مسؤولين بانتظام أمام المجتمع، أي أمام أقوى حزب فيه. وإن وجهة النظر هذه التي استساغتها على السواء عقلية المفكرين وميول الطبقات الهامة في المجتمع الأوروبي التي تتعارض مصالحها الحقيقية أو المفروضة مع الديمقراطية، لم تلاق صعوبة في تثبيت نفسها. وأصبح التفكير السياسي عامة يشمل مسألة "استبداد الأكثرية" في عداد الشرور التي يجب على المجتمع أن يظل على حذر منها.

كان أكثر الناس ولا يزالون يخشون طغيان الأكثرية كما يخشون سائر أنواع الطغيان الأخرى، وذلك لأنه ينفّذ في الغالب عن طريق إجراءات السلطات العامة. ولكن رجال الفكر يرون أن المجتمع حين يكون هو نفسه الطاغية (أي حين يكون المجتمع بجملته ضد الأفراد) فان ذلك يعني أن أساليب طغيانه لا تنحصر بالإجراءات التي يمكن أن ينفذها عن طريق موظفيه السياسيين. إن المجتمع قادر على إصدار الأوامر وعلى تنفيذها بنفسه. فإذا أصدر أوامر خاطئة بدلا من الصحيحة، أو إن أصدر أوامر في شؤون يجب أن لا يتدخل فيها، فإنه يمارس بذلك طغيانا اجتماعيا هو أشد عتوا من كثير من ألوان الاضطهاد السياسي لأنه، وإن لم تدعمه عادة عقوبات شديدة، فان وسائل النجاة التي يتركها قليلة، وهو ينفذ إلى الصميم في كثير من نواحي الحياة، ويستعبد الروح ذاتها. لهذا كان الاحتماء من طغيان الحكام غير كاف، وكان لا بد من حماية ضد طغيان الآراء والمشاعر الشائعة، وضد ميل المجتمع لان يفرض (دون اللجوء إلى العقوبات المدنية) آراءه الخاصة وطقوسه كقواعد للسلوك، يفرضها حتى على أولئك الذين لا يوافقون عليها، ليكبل النمو والتطور، ويمنع إن أمكن تكوين أي شخصية فردية لا تكون منسجمة مع طرقه، ويجبر كل الطبائع على تكييف نفسها طبق أنموذج من صنعه هو. إن هنالك حدا للتدخل المشروع في استقلال الفرد من قبل الرأي الجماعي. وإن إيجاد ذلك الحد وصيانته من التجاوز أو الاعتداء عليه لازم لحسن سلامة شؤون الناس لزوم الاحتماء من الاستبداد السياسي.

ولكن لئن كان من غير المتوقع أن تناقش هذه القضية بصورة عامة. فإن السؤال العملي: أين يجب وضع الحد، وكيف يمكن تحقيق التوفيق المناسب بين الاستقلال الفردي وبين السيطرة الاجتماعية؟ هذا السؤال يبقى الموضوع الذي عليه يتوقف كل شيء تقريبا.

إن كل ما يجعل للوجود قيمة في نظر أي شخص مرتكز على تنفيذ الضوابط التي تضبط أفعال الآخرين. فيجب إذن فرض بعض قواعد للسلوك عن طريق القانون أولا، ثم عن طريق الرأي العام في الأشياء الكثيرة التي لا تكون قابلة للإجراءات القانونية. أما ما هي هذه القيود اللازمة، فهذا هو السؤال الرئيسي في شؤون البشر.

إننا إذا استثنينا بعض المسائل الواضحة جدا، فان السؤال السابق يبقى بين المسائل التي لم يصل السعي وراء حل لها إلا إلى قدر ضئيل من التقدم. فلم يُعطِ عصران أو بلدان حلا واحدا له. لا بل إن الحل الذي قال به عصر أو بلد كان موضع استغراب الآخر وتعجبه. ومع كل ذلك فان الناس في أي عصر أو بلد لم يعودوا يرتابون بوجود أي صعوبة فيه، وكأنه موضوع كان الناس متفقين دائما حوله. والقواعد يجري بها العرف بينهم تبدو لهم جلية في حد ذاتها، ولا تحتاج إلى تبرير. إن هذا الوهم العام ليس إلا واحدا من الأمثلة على التأثير السحري للعرف، هذا العرف الذي يؤخذ لا على انه، كما يقول المثل، طبيعة ثانية فقط، بل يؤخذ دائما وخطأ على أنه طبيعة أولى. إن أثر هذا العرف في إزالة أي شك يمكن أن يعلق في نفوس الناس بشأن قواعد الأخلاق التي يفرضها الناس بعضهم على بعض هو في ازدياد مستمر لأن الموضوع أمر لا يوجد بشأنه اتفاق عام بأنه يحتاج إلى تبرير، لا من قِبَل شخص نحو الآخرين، ولا من قِبَل شخص نحو نفسه. فقد اعتاد الناس أن يعتقدوا أن مشاعرهم حول موضوعات من هذا النوع هي أفضل من الأسباب، وانها تجعل التعليل غير ضروري، وقد شجعهم على هذا الاعتقاد جماعة يطمحون في أن يكونوا بين الفلاسفة. والمبدأ العملي الذي يرشد هؤلاء الناس إلى آرائهم في تنظيم السلوك البشري هو الشعور الموجود في رأس كل منهم بأن على الجميع أن يفعلوا كما يريدهم هو ومن على شاكلته أن يفعلوا.

لا يعترف أحد في الواقع أمام نفسه أن مقياسه في الأحكام مبني على ما يحب ويرغب، ولكن الرأي الذي يُعطى في مسألة مسلكية ولا يكون مشفوعا بالأسباب لا يعدو كونه تفضيلا شخصيا. فإذا ذُكرت الأسباب ولم تكن شيئا آخر سوى تفضيلا مماثلا شعر به آخرون، بقي الأمر مجرد رغبة أناس كثيرين بدلا من واحد. إن هذا التفضيل الشخصي الذي يؤيده بهذه الطريقة تفضيل الآخرين ليس سببا كافيا وكاملا فحسب بالنسبة للشخص العادي، بل إنه السبب الوحيد عنده الذي به يبرر عادة أيا من آرائه في الأخلاق، أو الذوق، أو اللياقة حين لا تكون هذه الآراء مكتوبة صراحة في عقيدته الدينية، لا بل إنه أيضا مرشده الرئيسي في تفسيره حتى لتلك العقيدة. وهكذا تكون آراء الناس حول ما هو ممدوح أو مذموم متأثرة بكل الأسباب المتنوعة التي تتأثر بها رغباتهم بشأن سلوك الغير، وهي أسباب متعددة بقدر تعدد الأسباب التي تقرر رغباتهم بشأن أي موضوع آخر. فالأسباب تارة عقلهم، وأخرى تحّيزهم أو خرافتهم، وكثيرا ما تكون عواطفهم المحبة للمجتمع أو الكارهة له، أو حسدهم أو غيرتهم، أو غطرستهم أو ازدراؤهم. وأكثر الأسباب شيوعا هي محبتهم لأنفسهم أو خوفهم عليها: أو مصلحتهم الشخصية المشروعة أو غير المشروعة. وحيثما وجدت طبقة عالية فان القسم الأكبر من أخلاق البلاد ينبثق عن مصالح تلك الطبقة وعن شعورها بالتفوق الطبقي. فالأخلاق بين الإسبارطيين وبين الأرقاء، بين المزارعين وبين الزنوج، بين الأمراء وبين الرعية، بين النبلاء وبين مستأجري أراضيهم، بين الرجال وبين النساء؛ هذه الأخلاق كانت في معظمها وليدة تلك المصالح والمشاعر الطبقية. والعواطف التي تتولد بهذه الطريقة يرتد مفعولها على المشاعر الأخلاقية لأعضاء الطبقة العليا في علاقاتهم فيما بينهم، أما حين توجد طبقة كانت سابقا عالية وفقدت تفوقها، أو كان تفوقها غير محبوب، فان العواطف الأخلاقية السائدة عندئذ غالبا ما تحمل معها طابع الكراهية الملحة للتفوق. وهناك مبدأ خطير آخر من المبادئ التي يفرضها القانون أو الرأي العام والتي تحدد قواعد السلوك في الفعل أو في رحابة الصدر، هذا المبدأ هو خنوع البشر تجاه ما يحبه أو ما يكرهه أسيادهم المؤقتون أو أصنامهم. إن هذا الخنوع، الذي هو في الأصل أناني، ليس رياء كله: إنه يثير عواطف أصيلة من المقت والكراهية، وقد دفع البشر إلى إحراق السحرة والمارقين. لقد كان لمصالح المجتمع حتما، العامة منها والواضحة، نصيب، ونصيب كبير، بين تلك العوامل الكثيرة التي عملت في توجيه العواطف الأخلاقية، ولكن ذلك لم يكن بدافع الفكر والعقل، أو بسبب قيمة العواطف نفسها، بقدر ما كان نتيجة التعاطف أو الكراهية الذَين انبثقا عن تلك العواطف نفسها. إن ذلك التعاطف وتلك الكراهية لم تكن لهما أي صلة بمصالح المجتمع، ولكنهما أثبتتا وجودهما كقوتين كبيرتين في إيجاد الفضائل.

هكذا فإن ما يحبه المجتمع وما يكرهه، أو ما يحبه وما يكرهه قسم كبير منه، هو العامل الرئيسي الذي حدد عمليا القواعد التي يجب مراعاتها من قبل الجميع تحت طائلة عقوبة القانون أو الرأي العام. وحين جاء أناس سبقوا المجتمع في التفكير والشعور فانهم بشكل عام تركوا الوضع الراهن دون ان يحملوا عليه من حيث المبدأ، رغما عن أنهم قد يكونوا قد تصادموا معه في بعض التفاصيل. فقد شغلوا أنفسهم ببحث ما يجب على المجتمع أن يحب أو يكره بدلا من البحث فيما إذا كان ما يحبه المجتمع أو يكرهه يجب أن يفرض كقانون على الأفراد. لقد آثروا أن يحاولوا تغيير شعور الناس تجاه النقاط التي كانوا هم أنفسهم يجحدونها بدلا من أن يتضافروا في الدفاع عن الحرية مع عموم الجاحدين. والقضية الوحيدة التي ثابروا فيها على جعل النقاش على مستوى عال وبناء على مبادئ هي قضية العقيدة الدينية: هذه القضية التي ناقشها أشخاص هنا وهناك ليست وسيلة تهذيب وتثقيف فحسب، بل هي أيضا مثال واضح على أن ما يَمّس بالحس الأخلاقي ليس معصوما عن الخطأ، لان عنف المشادات الدينية عند الجلّ المتعصب من أوضح الأمثلة على الحس الأخلاقي. إن أولئك الذين كانوا أول من حطم نِيْرَ ما كان يسمى بالكنيسة العالمية لم يكونوا يريدون السماح بوجود خلاف بين الآراء الدينية، شأنهم في ذلك شأن الكنيسة نفسها. ولكن لما برد وطيس المعركة دون أن يفوز أي فريق بانتصار حاسم، واضطرت كل كنيسة أو فرقة دينية إلى تحديد أمانيها إلى حد الاحتفاظ بما نالته من نفوذ، وجدت الأقليات، التي لم يكن لها أمل في أن تصبح أكثرية، نفسها مضطرة إلى أن تطلب ممن لم تكسبهم إلى جانبها أن يسمحوا لها بان تختلف عنهم. وفي هذا الميدان وحده تقريبا أمكن لحقوق الفرد ضد المجتمع أن تثبتت على أسس عامة من المبادئ وظهرت معارضة مكشوفة لادعاء المجتمع بحقه في ممارسة سلطة ضد المنشقين. إن الكّتاب الكبار الذين يدين لهم العالم بالفضل في ما أحرزه من حرية دينية قد أكدوا أن حرية الضمير حق لا يُقهر واستنكروا بشكل قاطع أن يكون الشخص مسؤولا أمام الآخرين عن عقيدته الدينية. إلا ان عدَم التسامح من طبيعة البشر في كل ما يهمهم حقيقةٌ، ولم تتحقق الحرية الدينية بصورة عملية في أي مكان إلا حيث دعمتها اللامبالاة الدينية التي تكره أن تُعكّر صفوها المنازعات اللاهوتية. ان عقل جميع المتدينين، حتى في اكثر البلاد تسامحا، يقر واجب التسامح ولكن مع تحفظات ضمنية. فقد يقبل شخص الاختلاف في شؤون حكم الكنيسة، ولكن لا في تعاليمها المقررة، وقد يتقبل آخر كل شخص عدا البابوي أو الموحِّد، وقد يتقبل ثالث كل من يؤمن بدين مُنزَل، وقد يوسع بعضهم حدود التسامح ولكنهم يقفون عند تحد الإيمان بالله والحياة الأخرى. اما حيث لا تزال عاطفة الأكثرية أصيلة وشديدة فإننا نجد أنها لم تخفف شيئا يذكر من غلوها في وجوب إطاعتها.

إن وطأة الرأي العام في إنكلترا أشد مما هي في اكثر بلاد أوروبا، على الرغم من أن وطأة القانون قد تكون أخف، وما ذلك إلا بسبب الظروف الخاصة لتاريخ إنكلترا السياسي. فهناك قلق بالغ من جراء التدخل المباشر في سلوك الفرد من قبل السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، ولا يأتي ذلك عن مجرد الغيرة على استقلال الفرد بقدر ما يأتي عن العادة المستحكمة في النظر إلى الحكومة على انها تمثل مصلحة أخرى معارضة لمصلحة الشعب. فالأكثرية لم تتعلم بعد أن تشعر بأن سلطة الحكومة سلطتها، وآراءها آراؤها. ومتى تعلمت الأكثرية ذلك، فالأرجح أن تتعرض الحرية لغزو الحكومة بقدر ما هي معرضة الآن لغزو الرأي العام. ولكن لا يزال هناك قدر محترم من الشعور على استعداد للقيام ضد أية محاولة من قبل القانون للسيطرة على الأفراد في شؤون لم يسبق لهم أن تعودوا على سيطرة القانون فيها. وذلك بغض النظر عما إذا كان الأمر يدخل في نطاق سيطرة القانون المشروعة أو لا يدخل. إن هذا الشعور السليم بمجمله قد يكون أحيانا في غير محله. وليس هناك في الواقع أي مبدأ معترف به لقياس ملائمة أو عدم ملائمة التدخل الحكومي، وإنما يقرر الناس ذلك وفقا لأهوائهم الشخصية. فمنهم من يهيب بالحكومة إلى التدخل والعمل كلما رأى خيرا يجب فعله أو شرا يجب معالجته وتلافيه، بينما يفضل غيرهم أن يتحملوا أي مقدار كان من الشر الاجتماعي على أن يضيفوا إلى مصالح الناس التي تُخضع للسيطرة الحكومية مصالح أخرى. والناس يأخذون هذا الجانب أو ذاك في أي قضية وفق التوجيه العام لعواطفهم، أو وفقا لمقدار اهتمامهم بالأمر الذي يقترح أن تقوم به الحكومة، أو وفقا لاعتقادهم بأن الحكومة، سوف تؤديه أو لن تؤديه بالطريقة التي يفضلونها، ولكن قَلّ أن يكون أخذهم هذا الجانب أو ذاك بناء على رأي يتمسكون به حول الأمور التي يكون من المناسب أن تقوم بها الحكومة. وبناء على عدم وجود أي مبدأ أو قاعدة، يلوح لي ان كلا من الجانبين يخطئ الآخر، وأن تدخل الحكومة يتعادل فيه عدد المرات التي يساء فيها ابتغاؤه وعدد المرات التي يساء فيها استنكاره.

إن غرض هذا البحث هو تأكيد مبدأ بسيط جدا جدير بأن ينظم معاملات المجتمع مع الفرد من حيث الإكراه والسيطرة، أكانت الأساليب المستعملة قوة مادية على شكل عقوبات قانونية أم كانت الضغط المعنوي للرأي العام. إن ذلك المبدأ هو أن الغاية الوحيدة التي تجيز للبشر، أفرادا كانوا أم جماعة، أن يتدخلوا في حرية أفعال أي واحد منهم إنما هي حماية الذات. أي إن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بحق في أي مجتمع متمدن على عضو منه رغم إرادته إنما هو دفع الأذى عن الغير. فلا يكفي أن يكون الهدف الخير الخاص للعضو، ماديا كان هذا الخير أم معنويا. ولا يجوز عدلا إرغامه على القيام بأمر أو على الامتناع عنه لأن ذلك خير له، أو لأن ذلك يجعله أسعد حالا، أو لأن الآخرين يرون أن من الحكمة والصواب فعل ذلك، إن هذه الأسباب كلها وجيهة، تنفع في التباحث معه، أو المناقشة معه، أو في إقناعه، أو في رجائه، ولكنها لا تبرر إرغامه أو إلحاق الأذى به إن فعل عكس ما يطلب منه. ولا يبرر ذلك إلا الحساب بأن السلوك الذي يقصد إبعاده عنه سوف ينجم عنه ضرر يصيب الغير: فالجزء الوحيد من سلوك أي فرد، الذي يكون مسؤولا عنه تجاه المجتمع، هو ذلك الذي يمس الغير. أما الجزء الذي يمس الشخص وحده فان استقلاله فيه مطلق وحق. فالفرد سيد على نفسه في عقله وفي جسمه.

قد يكون من الضروري أن نقول هنا إن هذا المذهب ينطبق فقط على أفراد النوع الإنساني الذين وصلوا إلى مرحلة النضوج في ملكاتهم. فنحن لا نتكلم في الواقع عن الأطفال أو الأحداث الذين هم دون السن التي يحددها القانون للرجولة أو لنضج النساء. أما الذين لا يزالون بحاجة إلى عناية الغير بهم، فتجب حمايتهم من أفعالهم كما تجب حمايتهم من الأذى الخارجي. كذلك يمكن للسبب نفسه أن نخرج من دائرة اعتباراتنا المجتمعات المتخلفة التي يمكن اعتبار الأقوام التي تؤلفها أقواما قاصرة. فالصعوبات المبكرة التي تعترض سبيل التقدم الذاتي من الخطورة بحيث لا يبقى هناك أي مجال للمفاضلة بين وسائل التغلب عليها. والحاكم المشبَّع بروح الإصلاح يجوز له أن يستعمل أي وسيلة توصله إلى الهدف الذي لا يبلغه بأي من الوسائل الأخرى. إن الاستبداد أسلوب شرعي في حكم البرابرة شريطة أن تكون الغاية تحسين حالهم، وتحقيق تلك الغاية فعلا يبرر تلك الواسطة. والحرية كمبدأ لا مجال لتطبيقها في أي من الحالات التي توجد قبل ذلك الوقت الذي يصبح فيه البشر قادرين على التحسن عن طريق المباحثات الحرة بين أطراف تحققت المساواة بينهم. حتى ذلك الحين لا يكون أمامهم إلا الطاعة لعاهل أو لملك جبار عادل إن أسعفهم حظهم بوجوده. ولكن ما ان يكتسب البشر القدرة على الانصياع إلى الاقتناع أو الإقناع في تحسين أحوالهم (وهذه مرحلة وصلت إليها منذ زمن بعيد كل الأمم التي يهمنا أمرها هنا) حتى يصبح الإكراه في شكله المباشر أو في شكل إيذاء المخالف وعقابه أمرا غير مقبول إذا قُصد استعماله كوسيلة لخيرهم، حتى وإن بقي مسموحا به في حالة ضمان أمن الغير.

من المناسب أن أذكر هنا أني أتنازل عن أي فائدة تدعم حجتي يمكن ان تأتيني من فكرة الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة. فانا اعتبر المنفعة الملاذ النهائي في كل المسائل الأخلاقية: ولكنها يجب أن تكون المنفعة في أوسع معانيها، القائمة على مصالح الإنسان الدائمة من حيث هو مخلوق تقدمي. إن هذه المصالح كما أراها تسمح بإخضاع الفعل العفوي الفردي للقيد الخارجي في حالة واحدة فقط هي حين تكون أفعال الفرد ماسة بمصالح الآخرين.

تبع >







قديم 20-06-07, 10:13 AM   رقم المشاركة : 20
غيور على ديرتي
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
غيور على ديرتي غير متواجد حالياً

 


 

قد يظهر هذا المذهب غير جديد وقد يبدو لبعضهم كحقيقة أولية بديهية، ولكن بالرغم من ذلك ليس هناك مذهب آخر يتعارض مع الاتجاه العام للرأي العام والعرف الحاليين كما يتعارض هذا المذهب. فلقد بذل المجتمع جهودا جبارة في محاولة إرغام الناس على الامتثال لآرائه في الصلاح الشخصي والاجتماعي. وكانت الدول القديمة تظن، وأيّدها الفلاسفة القدماء في ذلك، ان من حقها ممارسة تنظيم كل ناحية من نواحي السلوك الخاص بواسطة السلطة العامة بدعوى ان الدولة شديدة الاهتمام بالتربية الجسدية والعقلية لكل واحد من مواطنيها، وهذه طريقة في التفكير يمكن قبولها بالنسبة لجمهوريات صغيرة محاطة بأعداء أقوياء، وهي في خطر دائم من هجوم خارجي أو اضطراب داخلي، وقد تكون فيها الفترة القصيرة من التراخي وإعطاء الأفراد أمر قيادة أنفسهم، السبب في ضربة قاضية تصيبها بحيث لا تستطيع عندئذ انتظار الخيرات الدائمة التي تنجم عن الحرية. أما في العالم الحديث فان اتساع المجتمعات السياسية، وفصل السلطات الروحية عن السلطات الزمنية (الذي وضع إدارة ضمائر الناس في أيد غير الأيدي التي تهيمن على شؤونهم الدنيوية) قد حالا دون تدخل القانون كثيرا في دقائق الحياة الخاصة. ولكن آلات الضغط المعنوي ضد الانحراف عن الرأي السائد قد استعملت بشدة أعظم في المسائل التي تمس الفرد مما في المسائل الاجتماعية. حتى الدين، وهو أقوى العناصر التي تدخلت في تكوين الشعور الأخلاقي، كان دائما خاضعا لمطامع سلطة كهنوتية تحاول السيطرة على مختلف نواحي السلوك البشري أو لروح التزَمُت البيوريتاني. ومن المصلحين العصريين الذين وضعوا أنفسهم موضع المعارضة الشديدة لديانات الماضي مَن لم يكن اقل حماسا من الكنائس أو الفرق الدينية في تأكيد حق السيطرة الروحية، لاسيما الفيلسوف أوغست كونت الذي نراه في نظامه الاجتماعي الذي نشره في كتابه "نظام في السياسة الوضعية" يهدف إلى إقامة استبداد اجتماعي يتسلط على الفرد (ولو بالوسائل المعنوية اكثر مما بالوسائل القانونية) وهو استبداد يفوق ما فكر به اشد الفلاسفة القدماء صلفا في تفكيرهم السياسي.

وبالإضافة إلى المذاهب الخاصة لبعض المفكرين، فان في العالم على سعته ميلا متزايدا إلى توسيع سلطات المجتمع على الفرد، بدون ضرورة مبررة، بقوة الرأي العام وبقوة التشريع أيضا. ولما كانت التغيرات التي تحدث في العالم تتجه جميعها إلى تعزيز سلطة المجتمع وتضييق سلطة الفرد، فان هذا التعدي من قبل المجتمع ليس من الشرور التي تميل إلى الزوال من تلقاء نفسها، بل انه على العكس من ذلك سوف ينمو ويتفاقم. ان استعداد البشر، حكاما ومواطنين، لفرض آرائهم وميولهم على الغير كقاعدة للسلوك استعداد قوي وهو مدعوم بتأييد قوة تأتيه من أفضل المشاعر السامية ومن أحط المشاعر التي تمر بها الطبيعة الإنسانية، حتى ليكاد يتعذر عليه ان يقف عند أي حد أقل من إرادة السلطة. ولما كانت السلطة في تزايد لا في تناقص (إلا إذا ارتفع حاجز قوي من القناعة الأخلاقية في وجه إساءة الاستعمال)، فان علينا أن نتوقع ضمن ظروف العالم الحالية، ازديادا في قوة هذا الاستعداد.

قد يكون من الملائم قبل الدخول في صُلب الرسالة ان نحصر البحث أول الأمر في فرع واحد منه، وهو ذلك الفرع الذي يعترف الرأي السائد حاليا، ولو اعترافا جزئيا، بان المبدأ الذي أوردته سابقا ينطبق عليه. ان هذا الفرع هو حرية الفكر، ويستحيل ان نفصل عنه حرية القول والكتابة. وبالرغم من ان هذه الحريات تشكل، إلى حد كبير، جزءا من الأخلاق السياسية لكل البلاد التي تدعي التسامح الديني والمؤسسات الحرة، فان الأسس الفلسفية والعملية التي تقوم عليها ليست مألوفة من قبل الفكر العام، وهي لم تحط من الكثيرين، وحتى من قادة الفكر، بالاعتبار والتقدير اللائقين كما كان متوقعا. فإذا أحسن فهم هذه الأسس اصبح تطبيقها ممكنا في اكثر من قسم واحد من الموضوع، وبذا يكون البحث الوافي لهذا القسم من المسألة خير مقدمة لما تبقى من الموضوع. وإني لأرجو من الذين لن يجدوا شيئا جديدا فيما سوف أقوله بعد قليل أن يعذروني إن أنا خضت في هذا الموضوع مرة جديدة بعد أن كان موضوعا للبحث مرات عديدة خلال ثلاثة قرون مضت.

الفصل الرابع: في حدود سلطة المجتمع على الفرد


لنسأل الآن: ما هو الحد الشرعي لسيادة الفرد على نفسه؟ أين تبدأ سلسلة المجتمع؟ ماذا يجب أن يعود للفردية من الحياة البشرية وماذا يجب أن يعود للمجتمع؟

ان كلا منهما ينال حصته العادلة إذا هو احتفظ بما يخصه أو يعنيه. فيكون للفردية جزء الحياة الذي يهم الفرد، وللمجتمع الجزء الذي يهم المجتمع.

ان المجتمع غير مؤسس على عقد ولا غاية ترجى من اختراع عقد لاستخلاص الواجبات الاجتماعية منه. ولكن من ينال حماية المجتمع يكون مدينا له مقابل ذلك، والعيش في المجتمع يقتضي حتما أن يتقيد كل فرد بخطة من السلوك تجاه الآخرين. يتألف هذا السلوك، أولا، من عدم إضرار بتلك المصالح التي يجب أن تُعتبر حقوقا إما بموجب نص قانوني صريح أو بموجب تفاهم ضمني. ويتألف هذا السلوك، ثانيا، من تحمل كل فرد نصيبه (الذي يُقَرر وفق مبدأ منصف) مما تقتضيه صيانة المجتمع أو أعضاءه من أتعاب وتضحيات. ويحق للمجتمع مهما كلف الأمر ان يفرض تحقيق هذين الشرطين على من يحاول الامتناع عن ذلك. وليس هذا كل ما يجوز أن يفعله المجتمع. فقد تكون أفعال الفرد ضارة بالغير أو قليلة الاهتمام بخيرهم دون أن تكون مخالفة لحقوقهم المقررة، ويجوز عندئذ معاقبة المذنب عن طريق الرأي العام لا عن طريق القانون. وحينما ينطوي أي جزء من سلوك الفرد على ضرر بمصالح الغير تصبح للمجتمع سلطة عليه، ويطرح على بساط البحث عندئذ السؤال القائل: هل يفيد الصالح العام من هذا التدخل أم لا؟ ولكن لا موضوع لهذا السؤال إذا كان سلوك الفرد لا يمس مصالح أحد سواه، أو ليس من الضروري ان يمسها إلا إذا أرادوا هم ذلك (بشرط ان يكون المعنيون بالغير بالغين وذوي قدر كاف من الفهم). وعلى كل حال يجب أن يكون للفرد مطلق الحرية القانونية والاجتماعية في أن يفعل ويتحمل تبعة فعله.

من الخطأ الفادح في فهم هذه النظرية ان نزعم أنها نظرية لا مبالاة أنانية تدعي أن لا شأن للناس بسلوك بعضهم مع بعض وان ليس من الواجب ان يهتموا بمصالح الغير وخيره إلا إذا كانت تمس مصالحهم. فالحاجة تدعو لا إلى الإنقاص بل إلى الزيادة في كل جهد غير مغرض يُصرف في رعاية خير الغير، ولكن الحب غير المغرض للخير يستطيع أن يجد وسائل أخرى لإقناع الناس بخيرهم غير السياط بمعناها الحرفي والمجازي. إني آخر من يحط من قيمة الفضائل التي تعنى بالذات، وان جاءت بعد شيء فإنما تأتي عندي في الدرجة الثانية من الأهمية بعد الفضائل الاجتماعية، ومن واجب التربية أن ترعاهما معا. ان التربية تعمل عن طريق الإقناع كما تعمل عن طريق الإرغام فإذا انقضت مرحلة التربية يكون من الواجب استعمال الطريقة الأولى، أي الإقناع، في ترسيخ الفضائل التي تقصد الذات وتعنيها. والناس مدين بعضهم لبعضهم الآخر بالمساعدة على التمييز بين الأحسن والأسوأ، والتشجيع على اختيار الأول وتجنب الثاني، ويجب ان يحفز بعضهم بعضهم الآخر على ممارسة ملكاتهم العليا وتوجيه مشاعرهم وأهدافهم نحو أغراض حكيمة سامية لا حمق فيها ولا انحطاط. ولكن لا يحق لفرد أو جماعة أن يقول لشخص آخر بالغ انه يجب عليه أن لا يفعل بحياته كما يشاء. فالشخص هو صاحب الشأن الأول فيما يختص بخيره الذاتي، ولا يمتد بشأن الآخرين فيه إلا في حالات العلاقة الشخصية القوية.وما شأن المجتمع به كفرد (فيما عدا سلوكه نحو الغير) إلا شأن جزئي غير مباشر. وحتى الشخص العادي نفسه فانه يملك من الوسائل لمعرفة مشاعره وظروفه الخاصة ما يفوق ما يملكه أي شخص آخر. ان تدخُّل المجتمع للتحكم في حكمه وأغراضه الخاصة به لا بد أن يقوم على افتراضات عامة قد تكون خاطئة، وإن كانت صحيحة فقد يسيء تطبيقها على الحالات الفردية أناس يجهلون تلك الحالات كما يجهلها أولئك الذين ينظرون إليها من الخارج فقط. في هذا الدائرة من شؤون البشر يقع مجال عمل الفردية. ففي سلوك البشر نحو بعضهم بعضا لا بد من مراعاة قواعد عامة ليعرف الناس ما يجب أن يتوقعوا. أما فيما يختص بالفرد، فان له الحق في ممارسة انطلاقه الفردي بحرية. يجوز أن يقدم إليه الآخرون اعتبارات تساعده في حكمه أو نصائح تقوي إرادته حتى ولو كان الأمر تطفلا منهم، إلا أنه هو الحاكم الأخير. وان الشر الناجم عن السماح للغير بإرغامه على ما يرون فيه مصلحته يرجح على كفة كل ما قد يرتكبه من أخطاء رغم النصح والتحذير إذا هو بقي بدون هذا الإرغام.

أنا لا أقصد القول ان نظرة الغير للشخص يجب أن لا تتأثر قط بما عنده من حسنات أو نقائص في صفاته التي تخص ذاته، فذلك غير ممكن ولا مرغوب فيه. فهو إن شعر في أي من الصفات الآيلة إلى خيره، فانه إلى هذا الحد حري بالإعجاب، إذ يكون بهذا القدر أقرب إلى كمال الطبيعة البشرية لا مثالي. وان كان شديد الافتقار إلى هذه الصفات، تلا ذلك ظهور الشعور المناقض للإعجاب. فهناك درجة من الحماقة، أو درجة مما قد يسمى الحطة أو الخسة في الذوق، قد لا تبرر إيذاء مقترفها، ولكنها تجعله جديرا بالاشمئزاز، بل وجديرا بالاحتقار في الحالات المتطرفة. ولو أنه لا يسيء إلى أحد، فان تصرفه قد يضطرنا إلى الحكم عليه والشعور نحوه بانه أحمق أو من درجة أدنى من ذلك. ولما كان هو يفضل ان يتجنب مثل هذا الحكم والشعور، فان في تحذيره مسبقا من العواقب الوخيمة التي يعرض نفسه لها خدمة له. ليس في الإمكان تأدية هذه الخدمة بحرية أكثر مما تسمح به الآداب العامة المرعية في الوقت الحاضر، فيقول الواحد للآخر انه يظن أنه مخطئ دون ان يُعتبر متطفلا أو غير متأدب. ولدينا الحق في ان نتصرف بطرق شتى بحسب رأينا السيء في أي شخص، لا باضطهاد فرديته بل بممارسة فرديتنا. فنحن غير مضطرين مثلا إلى معاشرته، ولنا الحق في تجنبها (ولكن بدون التفاخر بإظهارها) إذ لنا الحق في اختيار عِشرة من نرضى بهم. ومن حقنا، لا بل ومن واجبنا، أن نُحذر الآخرين منه، ان رأينا ان قدوته ذات تأثير ضار بمن يعاشرونه. ولنا أن نؤثر الغير عليه في المناصب، إلا في تلك التي ترمي إلى تحسينه. ولهذه الأسباب قد ينال المرء عقوبات شديدة على أيدي الغير عن أخطاء لا تمس مباشرة إلا ذاته. ولكنه إنما ينالها كنتائج طبيعية عفوية للأخطاء بالذات، لا لأنها فرضت عليه كقصاص. فان من يبدي تهورا أو عنادا أو اغترارا بذاته، من لا يستطيع العيش ضمن إمكانيات معتدلة، أو لا يمسك نفسه عن الإباحية المؤذية، أو يندفع في الشهوات الحيوانية على حساب أصحاب الشعور والتعقل؛ يجب أن يتوقع أن ينحط في نظرة الغير إليه وشعورهم نحوه، ولا حق له في التذمر من ذلك، إلا إذا استحق عطفهم ورضاهم بامتياز خاص في علاقاته الاجتماعية، فحظي بنعمة في أعينهم لا تتأثر بنقائصه تجاه نفسه.

أريد أن أثبت أن المتاعب التي لا يمكن فصلها عن حكم الآخرين على الفرد بسوء تصرفه إنما هي المتاعب الوحيدة التي يجوز أن يتعرض لها بسبب ذلك الجزء من سلوكه وخلقه الذي يتعلق بمصلحته الخاصة وحدها ولا يمس مصالح الآخرين في علاقتهم معه. أما الأفعال الضارة بالغير فإنها تقتضي معالجة أخرى تختلف تماما. فالتعدي على حقوقهم، أو تكبيدهم خسارة لا تبررها حقوقه، أو الكذب أو المواربة في معاملتهم، أو الاستئثار غير المشروع بالفوائد دونهم، أو حتى التخلي الأناني عن حماستهم من الأذى، كل هذا يستحق الاستنكار الأخلاقي، بل والجزاء الأخلاقي والقصاص في الحالات الخطيرة. وليست هذه الأفعال وحدها هي التي تعتبر رذيلة أيضا وتستوجب الاستهجان الذي قد يبلغ حد المقت والكراهية. ان القسوة، و الحقد أو الضغينة، والحسد الذي هو في الواقع أفظع الأهواء الضارة بالمجتمع، والرياء أو عدم الإخلاص، والنزق أو سرعة الغضب لأتفه الأسباب، والحنق دون استفزاز متكافئ، وحب التسلط على الغير، والرغبة في الاستئثار بأكثر من النصيب الشخصي من الفوائد، والكبرياء التي تتلذذ بامتهان الغير، والأنانية التي تعتبر الذات ومالها أهم من أي شيء آخر. ان هذه الصفات جميعا رذائل وهي تشكل طبعا أخلاقيا شريرا، وهي ليست كالأخطاء الخاصة بالسلوك الشخصي المذكورة آنفا والتي لا تكون في حقيقتها رذائل ولا شرورا مهما تمادى الإنسان فيها. قد تكون هذه برهانا على أي مقدار من الحماقة أو قلة الكرامة الذاتية أو احترام الذات، ولكنها لا تستوجب اكثر من الاستنكار الأدبي إذا انطوت على إخلال بالواجب نحو الغير، الذي من أجله يجب أن يعتني الفرد بنفسه. ان ما يسمى بالواجب نحو أنفسنا لا يعتبر أمرا واجبا من الوجهة الاجتماعية، إلا حين تجعله الظروف في نفس الوقت واجبا نحو الغير. وإذا كان الواجب نحو الذات يعني شيئا أكثر من الفطنة أو التبصر بالعواقب فإنما يعني احترام الذات أو التطور الذاتي، وما من أحد مسؤول عن أي من هذه تجاه الغير، لأنه ليس من مصلحة البشر ان يكون مسؤولا عن أي منها.

ان الفرق بين فقدان الاعتبار الذي يتعرض له المرء بتقصيره في الفطنة أو الكرامة الشخصية، وبين الاستنكار الذي يناله جزاء على افتئاته على حقوق الغير، ليس مجرد فرق اسمي. فهناك فرق كبير في مشاعرنا وسلوكنا تجاهه بين ما إذا كان امتعاضنا منه في أمور نظن أن من حقنا السيطرة عليه فيها، وبين ما إذا كان في أمور نعرف ان لا حق لنا بالتدخل فيها. فان كدّرنا، كان لنا الحق في الإعراب عن امتعاضنا والابتعاد عنه، ولكن ليس لنا ان ننغص عليه حياته. لنفكر في أنه يتحمل أو سيتحمل مجمل جزاء أخطائه، وان أفسد حياته بسوء إرادته، فليس في ذلك سبب يدعونا إلى زيادة إفسادها، وحري بنا بدلا من طلب قصاصه ان نحاول التخفيف من قصاصه بان نبين له كيف يمكنه ان يتجنب أو يعالج الشرور التي يجلبها عليه سلوكه. قد يكون موضع شفقتنا أو امتعاضنا، ولكن يجب ان لا يكون موضع سخطنا أو نقمتنا وان لا نعامله كعدو للمجتمع. وأقصى عمل نستطيع أن نبرره أمام أنفسنا هو ان نتركه وشأنه إذا نحن لم نشأ أن نتدخل بحسن نية بإبداء اهتمامنا به و غيرتنا عليه. إلا ان وجه المسألة يختلف إذا هو خالف الأنظمة اللازمة لحماية بني جنسه منفردين ومجتمعين. فعواقب أفعاله الوخيمة لا تقع عليه عندئذ بل على الغير، وعلى المجتمع ان يقابله بالمثل دفاعا عن أعضائه، وأن يفرض عليه أو يذيقه الألم بقصد القصاص، وإن يحرص على ان يكون قصاصا صارما. انه في هذه الحالة مجرم واقف أمام القضاء، ونحن مطالبون بالحكم عليه وبتنفيذ هذا الحكم أيضا بطريقة أو أخرى. اما في الحالة الأولى فنحن غير مكلفين بإيلامه إلا بقدر ما يترتب عرضا على استعمالنا في تنظيم شؤوننا الخاصة لنفس الحرية التي نبيحها له في تنظيم شؤونه.

يأبى الكثيرون التسليم بهذا التمييز بين ذلك الجزء من حياة الإنسان الذي يخصه وحده وذاك الذي يخص الغير. قد يسألون كيف يمكن ان لا يبالي بقية أعضاء المجتمع بأي جزء من حياة عضو فيه. ما من أحد مخلوق مستقل منعزل، ومن المستحيل ان يأتي شخص عملا يسبب لنفسه ضررا خطيرا أو ضررا دائما دون ان يصل أذاه إلى ذوي قرباه على الأقل، وكثيرا ما يتعداهم إلى غيرهم. ان أضر بأملاكه، أضر بالمنتفعين منها مباشرة أو غير مباشرة، وأفقد المجتمع جزءا من موارده قَلّ أو كثر. وإن افسد قواه البدنية أو العقلية، لما أوقع الشر على من يعتمدون عليه في جزء من سعادتهم فقط، بل لجعل نفسه أيضا غير صالح لتأدية الخدمات التي هو مدين بها لعموم البشر، وقد يصبح عالة على برّهم وإحسانهم. قد يقال أخيرا، إن المرء قد لا يسبب أذى مباشرا برذائله أو حماقته ولكنه يظل مؤذيا بقدوته، ويجب ان يرغم على ضبط نفسه لئلا يفسد أو يضل الآخرين الذين يرون سلوكه أو يعرفونه.

وقد يقال بالإضافة إلى ذلك: لو اقتصرت تبعات سوء السلوك على الفرد الشرير أو غير المفكر وحده، فهل يجب على المجتمع ان يسمح لأناس بان يرشدوا أنفسهم وقد اتضح انهم غير أهل لذلك؟ ان كان الأطفال وغير البالغين حريين بان نحميهم من أنفسهم، فهل المجتمع غير ملزم كذلك بحماية الأشخاص البالغين العاجزين عن سياسة أنفسهم؟ ولئن كان في القمار أو السكر أو الكسل أو الدعارة إفساد للسعادة وعرقلة للتقدم والتحسن، كأكثر ما يحدث في الأفعال التي يحرمها القانون، فلماذا لا يحاول القانون منع هذه الآفات بقدر ما هو ممكن عمليا واجتماعيا؟ ثم الا يجب على الرأي العام أن يكمل نقائص القانون التي لا مفر منها وان ينظم على الأقل قوة بوليسية ضد هذه الرذائل، وان يفرض عقوبات اجتماعية صارمة على مقترفها؟ كذلك قد يقال إن هذه المسألة لا تتناول مسألة تقييد الفردية، ولا إعاقة إجراء تجارب جديدة في الحياة، وإنما هي معنية بمنع أمور جربت واستنكرت منذ بداية العالم إلى اليوم. أمور أظهرت الخبرة أنها غير مفيدة ولا مناسبة لفردية أي إنسان. الواقع انه لا بد من مرور زمن طويل على الاختبار قبل ان تصبح حقيقة أخلاقية ما معتبرة على أنها أصبحت مستقرة، وأن المرغوب فيه منع جيل بعد آخر من السقوط في نفس الهوة التي قضت على السلف.

إني أجزم هنا بان الضرر الذي يلحقه شخص بنفسه قد يكون ذا أثر خطير على الغير ممن لهم علاقة به، وبدرجة أقل على المجتمع عموما. فإذا قاد مثل هذا السلوك شخصا إلى الإخلال بواجب واضح نحو الغير، فان القضية تخرج عن نطاق الشؤون الذاتية وتصبح في متناول التنديد الأخلاقي بمعناه الصحيح.

وان عجز إنسان عن دفع ديونه، أو عن إعالة أسرته وتربية أطفاله بسبب تبذيره فانه يستحق الاستهجان بل والقصاص، ولكن عقابه يكون على إخلاله بواجبه نحو أسرته ودائنيه لا على إسرافه وتبذيره. ولو حول الموارد التي يجب أن تخصص لهم إلى مشاريع استثمارية حكيمة لما تغير ذنبه الأخلاقي. لقد قتل جورج بارنويل عمه ليحصل على مال لخليلته، ولو أنه فعل ذلك لينشئ لنفسه عملا تجاريا لما تبدل الحكم بإعدامه. ثم إن الشخص الذي يجلب الأسى والغم لأسرته بإدمانه على العادات السيئة يستحق التوبيخ على عدم لطفه وعلى نكرانه للجميل. ويستحق ذلك أيضا على ممارسة عادات ليست شريرة في حد ذاتها ولكنها مؤلمة لأولئك الذين يقضي حياته معهم أو يعتمدون عليه في أسباب رفاهيتهم.

وكل من يقّصر في الاعتبارات التي تقتضيها مصالح الغير ومشاعرهم دون أن يرغمه على ذلك واجب أشد إلحاحا فانه يستحق اللوم الأخلاقي على ذلك التقصير، لا على سببه ولا على أخطائه الشخصية التي تكون قد أدت إليه من بعيد! لذلك يدان بذنب اجتماعي من يجعل نفسه بسلوكه الشخصي البحت عاجزا عن القيام بواجب معين يترتب عليه تجاه الجمهور. لا يجوز معاقبة شخص على مجرد سكره، ولكن الجندي أو الشرطي يجب ان يعاقب على سكره أثناء وظيفته. وبالاختصار كلما وقع الضرر، خرجت القضية من نطاق الحرية ودخلت ضمن نطاق الأخلاق أو القانون.

اما الضرر الطارئ الذي يمكن أن يسببه شخص للمجتمع من جراء سلوك ليس فيه إخلال بالواجب نحو الجمهور، وليس فيه قصد إلحاق الأذى بشخص معين من الناس، فانه يليق بالمجتمع ان يتحمله من أجل خير الحرية البشرية الأعم. إن كان لا بد من معاقبة البالغين على عدم اعتنائهم بأنفسهم، فاني افضل ان يكون ذلك لأجلهم على ان يكون بحجة منعهم من إضاعة نشاطهم أو من تأدية خدمة للمجتمع لا يدعي المجتمع أي حق في فرضها. بيد أنى لا أوافق على مناقشة هذه النقطة، كأن المجتمع لا وسيلة لديه في رفع الصفات من أعضائه إلى المستوى العادي من السلوك المعقول سوى الانتظار حتى يأتوا أمرا غير معقول فيعاقبهم عليه قانونيا أو أخلاقيا. لقد كان للمجتمع عليهم سلطة مطلقة خلال عمرهم المبكر، كان عهد الطفولة والحداثة تحت تصرفه ليحاول جعلهم ذوي سلوك معقول. ان الجيل الحالي هو سيد التدريب وسيد كل الظروف التي تحيط بالجيل القادم، فإذا لم يستطع إبلاغهم حد الكمال في الحكمة والصلاح فلأنه هو ذاته ناقص في الحكمة والصلاح. وليست أقصى جهوده مع الأفراد دائما أنجحها، ولكنه قادر على أن يرفع الجيل الناشئ جملة إلى درجة الصلاح التي وصل إليها هو، أو إلى ما هو أعلى منها. فان سمح المجتمع لعدد وافر من أعضائه بأن يظلوا أطفالا في عقليّتهم، فليس له إلا أن يلوم نفسه على العواقب.

يتبع >







 

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
تعريب :عاصمة الربيع

تصميم وتطوير سفن ستارز لخدمات الاستضافة والتصميم