وقفة مع هذه الآية
قال الله تعالى :
"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين"
الحياة للأرض حياةٌ تليق بالديدان والحشرات والزواحف والأنعام .. فأما
الحياة للآخرة فهي الحياة اللائقة بذلك الإنسان الكريم الذي خلقه الله
فسواه وأكرمه .. { إنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر
في الأموال والأولاد }. والسعادة الحقيقية التي نبحث عنها إنما هي
هناك في تلك الدار الآخرة .. في الجنة التي أعدها الله لعباده الأتقياء
الأنقياء .. إنها الجنة التي حولها دندن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ..
إنها الجنة .. بأنفاسها الرضيّة النديّة .. التي تتجلى عليها طلعة الرحمن
الجليّة البهيّة .. ياحبّذا الجنّة واقترابها طيّبة وبارد شربها قال الإمام ابن
القيم رحمه الله يصف تلك الجنة : وكيف يُقدّر قدر دار غرسها الله بيده ..
وجعلها مقراً لأحبابه .. وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه .. ووصف
نعيمها بالفوز العظيم ومُلكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره
، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص . فإن سألت: عن أرضها وتربتها ، فهي
المسك والزعفران . وإن سألت : عن سقفها فهو عرش الرحمن . وإن
سألت : عن ملاطها ، فهو المسك الأذفر . وإن سألت : عن حصبائها ، فهو
اللؤلؤ والجوهر . وإن سألت : عن بنائها ، فلبِنة من فضة ولبِنة من ذهب .
وإن سألت : عن عرائسهم وأزواجهم ، فهن الكواعب الأتراب ، اللائي
جرى في أعضائهن ماء الشباب ، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود ،
وللرمان ما تضمنته النهود ، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور ، وللدقة
واللطافة ما دارت عليه الخصور ، لو أطلّت على أهل الدنيا لملأت ما بين
الأرض والسماء ريحاً ، ولااستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحا
، هذا ولم يطمثها قبله إنس ولاجانّ ، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً ،
وكلما حدّثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً منثورا ، وإذا برزت ملأت القصر
والغرفة نورا. فحيّ على جنات عدنٍ فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونســلّم إنتهى كلام ابن
القيم رحمه الله تعالى بقليل من التصرف . إنها الجنة .. فيها جوار الرحمن
، وأنبياؤه والشهداء والصالحون ، فكفى بذلك سروراً ونعيما ، ولكن .. هذه
الجنة مصصمّمَة للأنقياء فقط .. لن يدخل الجنة إلا من كان نقيا تماما عن
المعصية .. لا يوجد به ذرّة من خبث أو إثم .. لن يدخل الجنة من في
لسانه كلام حرام .. أو في قلبه ذنوب .. الجنة للأنقياء فقط .. وقد قال
تعالى :{ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت
أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } ومعنى
طبتم : نُقّيتم من الذنوب والمعاصي . قالت أم البنين أخت عمر بن عبد
العزيز : البخيل كل البخل من بخل عن نفسه بالجنة .
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى
.