بسم الله الرحمن الرحيم
يا أخوان قراءة هذه القضيه في جريدة عكاظ
الحياة بالتقسيط
فتح ملف القضية: احمد العرياني (جدة)
مع ارتفاع السقف الاستهلاكي للمواطن والرغبة في اقتناء سلع لا يقدر على دفع ثمنها دفعة واحدة، اصبحت «الحياة بالتقسيط» من ضرورات المعيشة المعاصرة الى درجة ان اصبح فيها التقسيط ظاهرة اقتصادية في المجتمع السعودي لا يمكن ان تخطئها العين خاصة ان الشريحة الاكبر في المجتمع من الطبقة الوسطى. وتتدرج الحاجة الى التقسيط من الرغبة في اقتناء الاجهزة الالكترونية العصرية من التلفزيون والفيديو والكمبيوتر الى الاجهزة الكهربائية من الثلاجات والمطابخ والمكيفات الى الاثاث المنزلي والاراضي والعمائر وصولاً الى متطلبات الزواج والسيارات والسياحة والسفر . واذا كان للتقسيط ميزاته الايجابية في الدفع المريح وتحقيق الآمال والطموحات التي لم تكن لتتحقق الا بالتقسيط، فان للتقسيط سلبياته ايضاً والتي من اخطرها عدم القدرة على الوفاء بتسديد الاقساط في موعدها المحدد، والوقوع في طائلة الديون والعجز الذي يوصل احيانا الى الحقوق المدنية والمحاكمة والسجن مما يتطلب التعاطي مع الظاهرة بعقلانية وتفكير منطقي وتنظيم حتى يمكن تلافي سلبياته والتقليل من مخاطر الظاهرة الى ادنى مستوى لها وحتى يمكن تحقيق المنفعة والفائدة لكلا الطرفين: البائع والمشتري.
بصفة عامة امكن ملاحظة ان كثرة شركات ومؤسسات البيع بالتقسيط بالمملكة تشكل مؤشراً هاماً على ازدياد حجم المشاكل والخصومات والنزاعات وتحميل الناس فوق طاقتهم مما يفضي بهم احياناً الى دهاليز مظلمة والدخول في ورطات لا يعرفون كيف يخرجون منها.
وما لم يتم التصرف والتعامل بعقلانية مع ظاهرة البيع بالتقسيط الآخذة في الانتشار في ظل المتغيرات الاقتصادية وقصور دخول الكثيرين عن تحقيق كل ما يطمحون الى اقتنائه من سلع ضرورية وكمالية، فان النتائج ستكون كارثية على الجميع افراداً ومجتمعا الامر الذي سيؤثر بدوره على الاستقرار الاسري والاجتماعي والنفسي للحياة العائلية وقد تصل الأمور الى اقصى واقسى نتائجها بفقدان الحرية والغياب خلف القضبان يحدث ذلك رغم ان الجميع يتفقون على ان التقسيط ضرورة حياتية وشر لابد منه مطالبين بصوت واحد بتخفيض فوائد الاقساط في ظل وجود جهات عديدة تقدم اغراءات وتسهيلات لا يمكن مقاومتها ..
بداية ينتظر ان يحسم نظام البيع بالتقسيط الذي وافق عليه مجلس الوزراء الخلافات التي قد تنشأ بين البائع والمشتري ويمكن تعريف (نظام البيع بالتقسيط) بأنه نوع من انواع البيوع الآجلة والذي يتفق بموجبه كل من البائع والمشتري على سداد ثمن السلعة مجزءاً على دفعات وفي تواريخ محددة ينبغي الالتزام بها ..
ويحرّر عقد البيع بالتقسيط عادة من نسختين اصليتين لكل طرف نسخة محتوياً على جميع البيانات عن البائع والمشتري ووصفاً كاملاً للسلعة المباعة ومقدار الثمن وما دفع منه مقدماً والمبلغ المؤجل ومبالغ الدفعات وعددها واوقاتها وشروط الوفاء بالثمن واي بيانات او شروط يتم الاتفاق عليها كما يجب تحديث البيانات عن البائع والمشتري، فيما يُلزم البائع بتسليم السلعة للمشتري بالحالة التي عليها وقت البيع، ويشمل التسليم ملحقات السلعة المباعة، ويكون التسليم بوضع السلعة المباعة تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازتها والانتفاع بها دون عائق.
ويجوز للبائع ان يشترط في عقد البيع بالتقسيط رهناً او كفالة غرم وأداء يقدمها المشتري حتى اداء اقساط الثمن كلها.
وللبائع ان يستوفى مبلغاً لايقل عن 25% من ثمن السلعة، واذا قدم المشتري رهناً او كفالة غرم واداء تخففت النسبة المقدمة بحسب الاتفاق، فيما تؤدى الاقساط في محل اقامة البائع المبين في عقد البيع ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك.
وفي حالة القيام بتحصيل الاقساط في محل اقامة المشتري لايجوز للبائع تقاضي مصروفات اضافية وتعد المخالصة عن القسط مخالصة عن الاقساط السابقة عليه ما لم يتفق على خلاف ذلك.
ولا يجوز لأحد من طرفي العقد المطالبة بفسخ عقد البيع اذا لم يؤد المشتري قسطاً واحداً من اقساط الثمن المتفق عليه حتى يتبين انه قام بتنفيذ الجزء الاكبر من التزاماته وتم الاتفاق على ذلك صراحة في العقد..
ولايجوز الاتفاق على حلول باقي الثمن نافذاً الا اذا تخلف المشتري عن دفع قسطين متتاليين على الاقل ويشترط لمزاولة عمليات البيع بالتقسيط على وجه الاحتراف ان يتم ذلك من خلال شركة او مؤسسة مرخص لها بذلك من قبل وزارة التجارة والصناعة.
مواجهة الركود
والى ذلك يعلق الدكتور عابد العبدلي استاذ الاقتصاد بجامعة ام القرى ان لنظام التقسيط فوائد عديدة حيث يعمل على زيادة فرص الاستهلاك وتوسيع مداه وتعميق اثره على الاقتصاد الوطني بحيث ان كل ما ينتج يباع بمعدلات سريعة كما انه يعمل على ايجاد نوع من الارتباط التعاقدي طويل المدى مع المستهلكين، كما يعمل على ايجاد وسائل تنشيطية تمويلية لضخّ وسائل دفع متنوعة تزيد من المعروض النقدي وتحقق الانتعاشة الدائمة والرواج المستمر وتغطية الآثار السلبية للدورة الاقتصادية خاصة في اوقات الانكماش اضافة الى الارتقاء بمستوى معيشة المواطن، وبالتالي يحقق التوظيف الدائم لقوى الانتاج بشرط ان تكون الاقساط مناسبة لدخل الفرد، مشيراً الى ان التجار اتجهوا الى البيع بنظام التقسيط منذ فترة الانفتاح في السبعينات للاستفادة من الموجة الاستهلاكية التي نشأت جراء الانفتاح على الغرب وتوسع هذا النظام بشكل كبير في عقدي الثمانينات والتسعينات، فيما وجد هؤلاء التجار في السنوات الاخيرة في التقسيط فرصة هامة للتغلب على نقص المبيعات في السوق المحلي ومواجهة ازمة السيولة والركود بحيث لم يكن هناك سبيل امام الناس لشراء احتياجاتهم ولا امام التجار لتصريف انتاجهم سوى البيع بالتقسيط.
سجناء بالتقسيط
من سلبيات البيع بالتقسيط انه قد يؤدي الى فقدان البعض لحريتهم وذلك عندما يعجزون عن الوفاء بتسديد الاقساط المستحقة عليهم في مواعيدها المحددة فلا يكون امام البائع حتى يستوفي حقوقه من خيار سوى الشكوى للجهات المسئولة وغالباً ما يزج بالمشتري العاجز عن تسديد الاقساط المستحقة خلف القضبان ولا يخرج من هناك الا بعد تسديد ما عليه من اقساط مستحقة للبائع والامثلة على ذلك اكثر من ان تحصى:
يروي م. م. ك 29سنة انه دخل في شراكة في مكتبة مع احد اصدقائه وبعد عامين وقع بينهما خلاف انتهى بفض الشراكة بينهما على ان يشتري حصة شريكه بمبلغ 80 الف ريال ويسددها له على اقساط شهرية بواقع 1500 ريال شهرياً وكتبا عقداً بذلك واستمر في دفع اقساط المكتبة الى ان تزوج وباع المكتبة لتساعده على تكاليف الزواج كما اشترى اثناء ذلك سيارة بالتقسيط فتراكمت عليه الديون ولم يستطع الوفاء بتسديد باقي اقساط المكتبة لصديقه بقيمة (19) الف ريال فتقدم بشكوى ضده في الحقوق المدنية وتحولت القضية للمحكمة حيث اصدر القاضي صكاً بقيمة الاقساط المتأخرة فلم يستطع السداد وتم ايداعه السجن!
معاناة مؤلمة
ويروي مدين آخر معاناة ممزوجة بالألم والندم قائلاً: قبل ثلاث سنوات تقدمت الى احدى الاسر طالباً الزواج وعقدت على الفتاة وبعدها مباشرة خسرت محلين لبيع الملابس الجاهزة وتراكمت عليَّ الديون حتى وصلت مبلغ 100 الف ريال واشتكى المدينون مطالبين بحقوقهم فلم استطع السداد وتم ايداعي السجن!
من هذين المثالين يتضح ان البعض يدخل في التزامات مالية فتسوء احواله فلا يتمكن من الوفاء بها فيكون مصيره السجن وهناك بعض الشباب من الخريجين الذين لا يجدون وظيفة فيلجأ الواحد منهم الى الاقتراض او شراء سيارة بالتقسيط لعمل مشروع صغير يكسب من ورائه وقد يوفق في ذلك او يخسر وبالتالي يتورط في الديون فيكون مصيره السجن ..
ليسوا مجرمين
ولكن السؤال هل نعتبر أمثال هؤلاء مجرمين كغيرهم ممن يرتكبون جرائم جنائية تستوجب السجن والمحاكمة كالنصب والاحتيال والتزوير.
المستشار القانوني عبدالله السقا يجيب على هذا السؤال بقوله: يمر اي مجتمع بمراحل من النمو والتطور وعندما يكون هذا التطور سريعاً تظهر بعض المشكلات الاجتماعية والجرائم التي تشمل الحق العام والحق الخاص الا ان الذين يتعرضون لهذه المشكلات ليسوا مجرمين في كل الاحوال: فجرائم الديون تعني حقوقاً خاصة تجاه المجني عليهم وتدخل فيها الديون وديّات الدهس والمضاربات والاصابات وخلافه.اما الحق العام ففيه جانب من الجريمة وهو عمل لا يمس شخصاً بعينه مثل الرشوة والمخدرات والتزوير وغيرها من القضايا التي يحكم فيها على السجين ثم يخرج وهي تختلف عن قضايا الحق الخاص التي يحكم فيها على السجين في المقام الاول لانهاء الحق الخاص تجاه المتضرر
العرض العادي
