مالك بن الريب التميمي , كان لصا فاتكا يقطع الطريق , فأقنعه سعيد بن عثمان بن عفان , أن يترك اللصوصية , ويغزو في سبيل الله …فسار مع سعيد وجنده متوجهين إلى خراسان ,,
وفي الطريق وبعد أن أناخ الركب في بعض المنازل للقيلولة , وهموا بالرحيل , أراد مالك أن يلبس خفّـه فلسعه ثعبان كان قد اندس فيه , فسرى السم في جسمه , فلما أحس بالموت , أنشأ هذه القصيدة يرثي نفسه ..
وهي قصيدة أجمع النقاد على أنها من عيون الشعر العربي لصدق العاطفة , حيث تكون عاطفة الشاعر في أوجها في مثل هذه المواقف ..
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة=بجنب الغضا , أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه=وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا=مزار ولكن الغضا ليس دانيا
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى=وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
دعاني الهوى من أهل ودي وصحبتي=بذي الطبَسَين , فالتفت ورائيا
أجبت الهوى لما دعاني بزفرة=تقنـّـعت منها أن أُلام ردائيا
لعمري لئن غالت خراسان هامتي=لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
فلله درّي يوم أترك طائعا=بنيّ بأعلي الرقمتيـن ومــــاليــــا
ودرّ الظباء السانحات عشية=يخبّرن أني هالك من ورائيا
ودر كبيري اللذين كلاهمـــا=عليّ شفيق , ناصح قد نهانيا
ودر الهوى من حيث يدعو صحابه=ودر لجاجاتي , ودر انتهائيا
تذكرت من يبكي علي فلم أجد=سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر خنذيذ يجر عنانه=إلى الماء لم يترك له الدهــــر ساقيا
ولكن بأطراف السمينــة نسوة=عزيز عليهن , العشية , مابيا
صريع على أيدي الرجال بقفرة=يسوون قبري , حيث حم قضائيا
لما تراء ت عند مرو منيتي=وحل بها جسمي , وحانت وفـــاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني لأنني=يقـرّ بعيني أن سهيل بدا ليـــــا
فياصاحبي رحلي دنا الموت فانزلا=برابيةٍ إني مقيم ليـالـيـــــا
أقيما عليّ اليوم أو بعـــض ليلـــة=ولاتعجلاني قد تبيــن مابيــا
وقوما إذا مااستُــلّ روحي , فهيّــئا=لي القبـــر والأكفان , ثم ابكيا ليا
ولا تحسداني بارك الله فيكما=من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا
خذاني فجراني ببردي إليكما=فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
وقد كنت عطـّافا إذا الخيل أقبلت=سريعا لدى الهيجا إلى من دعانيا
وقد كنت محمودا لدى الزاد والقرى=وعن شتم إبن العم والجار وانيا
وقد كنت صبّـارا على القرن في الوغى=ثقيلا على الأعداء عضبا لسانيا
وطورا تراني في رحى مستديرة=تخـرّق أطراف الرماح ثيــــابيــا
وقوما على بئر الشبيك , فأسمعـــا=بها الوحش والبيض الحسان الروانيا
بأنكما خلفتماني بقـــــــفــــرة=تهيـــل علي الريــــح فيها السوافيــا
ولاتنسيا عهدي خليليّ إنني=تقطــــع أوصالي , وتبلى عظـاميا
فلن يعدم الولدان بيتــا يُجِـنني=ولن يعدم الميراث مني المواليـــا
يقولون : لاتبعد وهم يدفنونني=وأين مكان البعد إلا مكانيـــــــــا
غداة غــد , يالهف نفسي على غد=اذا أدلجـــوا عني وخلّــفت ثاويا
وأصبح مالي , من طريف وتالد=لغيري وكان المال بالأمس ماليـا
فياليت شعري , هل تغيرت الرحى=رحى الحرب , أو أضحت بفلج كما هيا
إذا القوم حلوها جميعا , وأنزلوا=لهـا بقراً حـمّ العيون سـواجـــيــــا
وعين وقد كان الظلام يجنـهــــا=يسفن الخزامى نورها والأقاحيا
وهل ترك العيس المراقيل بالضحى=تعاليها تعلو المتون القياقيا
إذا عصب الركبان بين عنيزة=وبولان , عاجوا المنقيات المهاريا
وياليت شعري هل بكت أم مالك=كما كنت لو عالوا نعيــّـك باكيـا
إذا مت فاعتادي القبور وسلمي=على الريم , أُسـقـيـت الغمام الغواديا
تريْ جدثـا قد جرت الريح فوقه ** غبارا كلون القسطلانيّ هـابـيا
رهينة أحجار وتـُرب تضمنت=قراراتها مني العظام البواليــا
فيا راكبا إما عرضت فبلّـغن=بني مالك و الريب أن لاتلاقيـــا
وبلغ أخي عمران بردي ومئزري=وبلغ عجوزي اليوم أن لاتدانيا
وسلم على شيخيّ مني كليهما=وبلغ كثيرا وابن عمي وخــالـــيـــــا
وعطـّــل قلوصي في الركاب فإنها=ستبرد أكبادا وتبكي بواكـيــا
أقلب طرفي فوق رحلي فلا أرى=به من عيون المؤنسات مراعيــا
وبالرمل مني نسوة لو شهدنني=بكين وفدّيــن الطبيب المداويـــــا
فمنهن أمي , وابنتاها , وخالتي=وباكية أخرى تهيج البوكيــــا
وما كان عهد الرمل مني وأهله=ذميما , ولابالرمــل ودعت قاليا
منقول