بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. وبعد :
أحبتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ألحظ قلة المواضيع التي تتحدث عن الأب الغالي , بينما تنهال أدمع المبدعين أنهاراً من حبر العبارات
في حق الأم الحنون ,, نعم أنا لا أقلل من شأن الأم أو أنتقص من قدرها , فهي تستحق قاموساً من
عبارات المدح والثناء , ولن نوفيها حقها أبداً , لكن في المقابل تجدنا نتثاقل ونتكاسل في استدعاء
كلمات الحب والثناء في حق الوالد وتدوينها , ألا يستحق أن نعصر الأذهان ونجلس الساعات وننقي له
أجمل كلمات الحب و ندونها في حقه .!! صدقوني إن العبارات تستعصي عليكم و تكتشف بأنك عاجز عن
التعبير ,, هل تدري لماذا ..؟؟ لأنك ستدون هذه العبارات الجميلة بشخص لا يستطيع اللسان عن وصفه
أو أن تعطيه حقه , و والله لن يوفيه حقه إلا الله , فكم تعب وسهر , في سبيل توفير السعادة لفلذات
أكباده , يجوع لتشبع , ويتعب لترتاح , ويسهر لتنام , إذا فرح لك أوحزن فدموعه تخضب لحيته , لتنبئك
عن الكلام , ووالله ثم تاالله لن تعرف قدره إلا إذا فقدته , وودع هذه الحياة ...
في الخامس من رمضان قبل الماضي توفي والدي الغالي , وكان خبر وفاته كفيلاً بأن خارت قواي ,
ولم أستطع الوقوف على قدماي من هول الفاجعه , أسأل الله أن يمد بأعمار آبائكم على طاعته , و أن
يرحم والدي وموتانا وموتى المسلمين ...
فمن ما زال أباه على قيد الحياة تقرب إليه , و قبل رأسه و رجليه , وزد في برك له , و أجعله صديقك
المقرب و لا تلهيك الدنيا عنه , أدخل السرور إلى قلبه , لا تشكي له همومك و آلامك , لأن ما يسعدك
يسعده وما يحزنك يحزنه ....
أنظر إلى نبي الله نوح عليه السلام لما أوشك أبنه على الغرق , أخذ ينادي بقلب الأب الحنون , يا بني
أركب معنا , ألاحظتم ذلك ..!! غلب قلب الأب الرحيم على عقله وهو يستجدي ولده الهالك بعقوقه , يستجديه
كي لا يرى ثمرة فؤاده , وفلذت كبده يموت أمام ناظريه , رغم علمه بكفره ويقينه بعقوقه , ورغم أن
زوجته كانت من ضمن الهالكين , لكنه لم يذكرها , ولم يكن همه حينها إلا نجاة ثمرة فؤاده , يا الله
فلنتخيّل كيف كانت تقاسيم وجهٌ ذلك الأب وهو يرى فلذة كبده يموت أمام ناظره , ولم يكتفي الاب الرحيم
بذلك , بل أخذ يدعوا ويلح على الله ويقول : إن أبني من أهلي , متناسياً أن ولده مات كافراً بالله إلى أن
جاءه الإنذار من ربه والتنبيه قال تعالى : { قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عملٌ غير صالح ... الآية }
و أنظر إلى نبي الله إبراهيم عندما أمره ربه بقتل ولده إسماعيل عليهما السلام , فسلم أمره لربه ولم
يتردد بطاعته , وعندما شد فلذة كبده بالحبل حتى لا يتحرك عند ذبحه , بكى الأب الرحيم لرقةٍ غلبته فهو
لم يلم ذلك , إنها عاطفة الأبوة , و أنظر إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم , عندما توفي أبنائه بكى
الرحمة المهداة صلوات ربي وسلامه عليه , لأنها عاطفة الأبوة , وفرح المشركون وقالوا : محمد أبتر
أي ليس له ولد يحمل اسمه وسينقطع ذكره , فأتاه العزاء من ربه , { إن شانئك هو الأبتر } , ..
وجاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم , يشكوا ظلم أباه له بأنه يأخذ من ماله , فلما جاء ذلك الأب ,
قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إنه يشكوا أنك تأخذ من ماله , فما كان جواب ذلك الأب إلا أن
إنهالت الدموع على لحيته , فقال عليه السلام : " أنت ومالك لأبيك " ...
فيا أحبتي لا ترهقوا آبائكم بالعصيان والعقوق , فوالله إن دمعةً واحدة تجري على لحيةَ شيبٍ منحسرة ,
كفيلة بشقائك في الدنيا و الآخرة ...
هذا وما كان فيه من خطأ أو نسيان فمن نفسي والشيطان , وما كان فيه من صواب فمن الله وحده ..
اللهم أغفر لأبائنا و أمهاتنا كما ربونا صغارى , اللهم من كان منهم حياً فأطل في عمره على طاعتك ,
ومن كان منهم ميتاً فأنزل على قبره شآبيب الرحمات , برحمتك يا أرحم الرحمين ...
[ وصلى الله على نبينا محمد ]
كتبه أخوكم : محب الخير للغير .