بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين
سبحانك يا لا إله إلا أنت الغوث الغوث خلصنا من النار يارب
تمتلئ مواقع الجماعات الإرهابية التي تنسب نفسها للإسلام بفتاوى تؤكد
إهدار دماء غير المسلمين المحاربين منهم وغير المحاربين ما لم يكن
لهم عهد عند المسلمين ، وتصر أن الإسلام لا يعترف بما يسمى في
القانون الدولي حرمة دماء المدنيين وإنما فقط حرمة المسلمين
والمعاهدين وإهدار حقوق من سواهم دون تمييز المحارب من المعاهد ،
وتتلخص أدلتهم بما يلي :
1- انتفاء النص الصريح لأن النهي إنما ورد عن قتل المسلم والمعاهد في
الكتاب والسنة من ذلك
قوله تعالى:"ومن يقتل مؤمنا متعمدا فإن له نار جهنم خالدا فيها"
وقوله" يأيها الدين آمنوا أوفوا بالعقود"
وقوله"وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا"
وقول النبي (صلى الله عليه وسلم) :
2- إن الأمر بقتل المشركين جاء نصا في الآية
" فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم
واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد"
وقول النبي (ص) : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ،
محمد رسول الله ، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا عصموا مني
دماءهم ومالهم وحسابهم على الله"
وليس فيها تفريق بين مقاتل وغير مقاتل ،
وما كنت سأهتم بمناقشة هذه الآراء لولا أنها تمثل قناعة لدى جمهور لا
يستهان به من المسلمين قديما وحديثا ، وهم يعتقدون أن جمهور العلماء
على إباحة دماء الذكور البالغين من غير المعاهدين من "المشركين" ،
وإباحة أموالهم ونسائهم وذراريهم ، والحق أن ظاهر أقوالهم يؤكد ذلك
ويمكن لمن صدم من ذلك أن يتأكد بالعودة لما شاء من كتب الفقه ،
وأقترح له كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد ،
والحق أن كثيرا من الفقهاء يقسم العالم إلى دارين "دار الإيمان" و"دار
الكفر" والأخيرة لا حرمة لها ولا لساكنيها ، وذلك قبل قرون من
خطاب "ابن لادن" المتلفز الشهير عن فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر،
ومع ذلك فلا يمكن أن يعتبر أن أغلب هؤلاء الفقهاء كانوا فعلا يؤيدون
الاعتداء على غير المحاربين ذلك أن طبيعة الحرب القديمة التي كان
هؤلاء الفقهاء يبحثون في تشريعاتها كانت تقتضي المواجهة المباشرة
بين المقاتلين بعكس الحروب الحديثة التي تعتمد بشكل ما على القصف
فضلا عن حروب العصابات التي تستخدم أسلحة الأكمنة والتلغيم ونحوها
والتي لا تعتمد على المجالدة المباشرة بين الأفراد، ولذلك فإن غير
المحاربين من بين الأعداء لم يكونوا ضمن اهتمام الفقهاء وهم يصدرون
فتاواهم إلا في مسألة الترس أي عندما يستخدمهم المقاتلون للتحصن
بينهم والاختباء وسطهم ،ومعلوم أن الفتاوى يجب أن تصدر تلبية
لمشكلات واقعية ، وهناك ذم كبير في الفقه الإسلامي للإفتاء قبل البلاء ،
وسوف أقوم في الأسطر القادمة برفع الشبهة القائلة أن ما سبق من
نصوص تصلح كأدلة لإهدار دماء المدنيين، وأوضح أولا أن هذه النصوص
ليس جزرا منعزلة ، بل جزء من منظومة متكاملة من النصوص القرآنية
والنبوية ،