6 إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
منطقة ضاع فيها الفرزدق.. والقصة متداولة حتى اليوم
ذرية الشاعر جرير.. ألم تكن متواجدة في الكويت؟
عندما تغادر الكويت الى الجهراء ثم الى الحدود السعودية يواجهك السالمي ثم الرقعي ثم حفر الباطن.
دعنا نقف في المنطقة التي قبل السالمي التي تضم هذه الاسماء، عمارة الشق - أم عمارة الرقعي، ضيرة المتياهة، ونبدأ نتلمس ونسترجع التاريخ في هذه المناطق وكيف لما عبر الفرزدق هذه المنطقة ضاع وتاه فيها، وظل القوم يتناقلون قصة ضياع الفرزدق حتى هذا التاريخ، لأن القصص الادبية والشعرية لا تضيع ولهذا اطلق على بعضها المتياهة، وانظر الى الفرزدق ماذا يقول:
ما نحن ان جاءت صدور ركابنا
بأول من غرت هداية عاصم.
اراد طريق الفصلين فياسرت
به العيس في نالي الصوى متشائم.
وكيف يضل العشيري ببلدة
بها قطعت عنه سيور التمائم
هذه المنطقة لم يكن الفرزدق وأهله فيها، بل غالبية من بني تميم منهم النميري وجرير، وانظر الى جرير الذي يصف منطقة الحومان او حومانة الدراج يقول:
ألا حي ربع المنزل المتقادم
وما حل مذحلت به ام سالم
تميمية حلت بحومانتي قس
حمى الخيل ذادت عن قس فالعمائم
ويقول في قصيدة اخرى:
تهدي السلام لاهل النور من ملح
هيهات من ملح بالنور مهدانا
احبب الي بذاك الجزع منزلة
بالطلح طلحا والاعطان اعطانا
وعندما تذهب الى الشيخ حمد الجاسر في معجمه، معجم المنطقة الشرقية من المملكة، يقول في الجزء الثالث صفحة (1230 - 1231): عين عمارة في معجم البلدان، قال ابو منصور 'رأيت بالسودة عينا يقال لها عين عمارة، شربت من مائها احسبها نسبت الى عمارة ولد جرير - يقصد جرير الشاعر'.
وعلق الشيخ الجاسر:
ولعله يعني عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير وما اظنه عني غير عين غمازة - باعجام العين والراء - وسيأتي ذكرها، فهل الازهري وهم في هذا؟ مع انه قال رأى العين، وقد اورد الشيخ حمد الجاسر في معجمه المذكور آنفا في الجزء الثاني صفحة (568) حول حومانه.
الحومانه: بواو ساكنة بعد الحاء المفتوحة وميم بعدها الف فنون فهاء، قال الازهري في كتاب التهذيب: 'وردت ركية واسعة في جو واسع يلي طرفا من اطراف الدو يقال لها الحومانه' (انتهى).
اما هذه الاستدلالات التي ذكرها الازهري بأنه ورد وشرب من ماء عين عمارة كذلك من ماء حومانه وذلك اثناء اسره وبقائه سنتين مع آسريه، وهاتان البئران والركيتان لا تبعدان عن بعضهما البعض.
ويأتي جرير عندما يتغنى في المناطق الواقعة في الكويت ملح وحومانه والعيس، ليعطينا انطباعا بأن ذريته كانت متواجدة في الكويت اسوة باسرة الفرزدق، وأمامنا اسماء من قبيلة بني تميم مثل: جلهم وحبيدان والسيدان (السادة اليوم)، ولوذان الموجودة في السالمية اليوم، أليست هذه الاسماء لها مدلولات، وكان هناك اشخاص يتحكمون في هذه. المناطق، وهكذا ينطبق على عمارة التي جعلها المرحوم حمد الجاسر بعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، اليس هذا الرجل كان متواجدا في هذه المنطقة ونسبت اليه؟ ربما. وعمارة هذا هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الخطفي التميمي شاعر اموي من شعراء الاعراب ورواتهم المشهورين، كان يتردد على الحواضر فيأخذ عنه الناس شعر جده جرير وغيره، ويأخذ عنه نحويو البصرة اللغة، وقد أخذ عنه ابو العيناء وابو العباس المبرد (راجع شرح حماسة ابي تمام للأعلم الشنتمري الجزء الثاني صفحة 1024 بالهامش).
إن عمارة الخطفي التميمي حاله حال الشاعر الفرزدق، وما دام الفرزدق له مكانة، وحفر بئرا للماء العذب والبئر او الركية تعتبر في تلك الحقبة قمة الوجاهة. لذلك يعتبر الفرزدق من كبار الشخصيات لانه قدم للناس هدية تعتبر اثمن شيء في الوجود وهي الماء العذب والفرزدق يقول:
'أفي أدرة عالجتها وحفرتها
تميم حواليها وعندي كتابها'
هذا هو الفرزدق يدافع عن بئره التي حفرها، أليس عمارة الشاعر، الذي جده الشاعر جرير لا يملك بئرا او عينا للماء؟ لهذا نقول ان عمارة، التي تسمى اليوم 'ام عمارة'، كانت يوما ما لآل الجرير الخطفي الشاعر، والا كيف نالت الشهرة منذ ذلك التاريخ الى هذا اليوم علما بأن الاسماء يتناقلها الخلف عن السلف.
بعد ان استقر الرأي على أن هذه المنطقة كانت لعمارة الخطفي، بقي علينا ان نترك القديم والتاريخ الى الحديث عن عصر الكويت وأقرب مصدر لنا هو العالم الانكليزي لوريمر الذي وصل الى الكويت في نهاية القرن التاسع عشر، حيث اخرج كتابه الجغرافي التاريخي الذي يعتبر بحق دليلا للخليج يقول:
ام عمارة في منطقة الدبدبة
على بعد عشرة اميال غربي الشق وهي موازية لخط العرض نفسه الذي تقع عليه الرقعي في الباطن.
وهي منطقة منخفضة متصلة تجاورها ارض قليلة الارتفاع وتتجمع المياه فيها بعد هطول المطر، يقال ان هناك آثار آبار قديمة عميقة. هذا الكلام الاخير يعتبر مربط الفرس، كما يقولون، أليست آبار مطرية والحومان والرقعي التي يتحدث عنها التاريخ القديم هي التي اشار اليها العالم الانكليزي لوريمر خصوصا ان بعض هذه الابار مازالت موجودة الى اليوم؟ ونرجو من ادارة الآثار ان تلتفت اليها.
أنا دائما أعول على المرحوم حمد السعيدان في كتابة 'الموسوعة الكويتية' والسعيدان، رحمه الله، لم يأت على هذه 'العمارة' في مرجعه والكمال لله وحده.
في معجم المواضع والمواقع والامكنة الذي وضعته قبل عشر سنوات ذكرت في صفحة '190 - 191' التالي:
'عمارة مهزول' وضيرة عمارة مهزول، تقع هذه المنطقة من الديرة وانت متجه الى السالمي مباشرة.
وفي العصر الحاضر في شتاء سنة 1954 وفي اول السنة بالتحديد، توجه الشيخ عبدالله المبارك الصباح رئيس الامن العام في تلك الحقبة الى منطقة 'ام عمارة' وكان بمعيته بعض من افراد الاسرة الحاكمة ومن ضمنهم الشيخ عبدالعزيز السعود الصباح وذلك لقنص الطيور والغزلان والحبارى والارانب وكانت بكثرة في تلك الحقبة من الزمن، كما كان يرافقهم السيد عبدالرزاق بدران وقد سجل هذه الرحلة تصويرا وابرزها في مجلة الايمان الشهرية التي كانت لسان النادي الثقافي القومي، وهذا العدد يعتبر عددا ممتازا يهمني في هذه الرحلة. وبما ان السيد بدران سجل هذه الرحلة تصويرا واخرجها في هذه المجلة، فان الشيخ عبدالعزيز السعود ايضا سجل هذه الرحلة، وهو يعتبر بحق شاعر اسرة آل الصباح. وقد اقتطفت هذه القصيدة التي يسجل فيها ملاحظات عن هذه الرحلة في تلك الفترة من الزمن، لذلك يسرني ان ابرزها واقدمها للقراء الكرام، حيث يذكر منطقة عمارة والقيصومة بالذات.
دار الشمال وسرني يوم داره
دار الشمال وسرني يوم داره
بعد البطا وأنا اتحرى لها دوم
عقب الرطوبة والندى والحرارة
هب البراد وبشر الوسم بغيوم
في موسم نرجى بشاير أخباره
نفرح الياجتنا مكاتيب وعلوم
ومن قرانيس الخلا كل صيروم
باغ إلى طاح الحيا في دياره
وسم على صيف بها العشب كيهوم
امن الحنيه ضافي لأم عماره
واجنب وسند بالحيا لام قيصوم
ثم قنصنا بالطيور انتمارى
في شاية اللي عالم كل مكتوم
ياما حلا تعميرتي للسيجارة
في حاجر خده من الوبل ماسوم
عشب جديد وزاهي في خضاره
يفرح به اللي ضايق الصدر مهموم
والطير عندي صايد له حبارى
فرخ على أول هدته توه اليوم
مثل أمس علمناه بأول نهاره
على كسير صادها عقب تعلوم
واليوم من عقب البطا والدواره
ما صار له بين الجرانيس مقسوم
وطارت على المنوه سواة البشارة
تالي نهار ومن عقب زلة الحوم
وصارت لنا لجة سواة السكارى
أو كن حنا مقبلين على قوم
قالوا يمين وناس قالوا يساره
والكل ينخى راعي الفرخ معلوم
وارخى له البرقع ونصل اشكاره
واشوف ايده تنتفض تقل محموم
قلت اسكتوا لاحد بين ذياره
ولا حد اشوفه يرفع الطير ويقوم
واللي أمرتك فرعه في شطاره
ووجهه تفره صوبها قبل ملزوم
وصفق وثم خالطت للزباره
وصرخت له فرع ولاني بمليوم
واومى عليها حارب في طياره
يا لله عساها من أول الصيد ملحوم
طلق الجناح وكل ريشة عمارة
ما هو بتمهيون به الشد محزوم
ثم طقها لريشها بانتشاره
بالصايتد اللي مخلبه تقل مسموم
لي خيشت له ما جفل واستداره
النادر اللي دايما يطلب الزوم
فرخ جديد وحاوي كل شاره
صده عريض وموخره تقل ملموم
لكن في عينه سواة الشرارة
عاري بدن من كثرة الريش محروم
بياض راسه فارق من حماره
واما الشليل مودع الرشى بخروم
يفرح به اللي مولع بالصقاره
لا شك به جنس من الناس معدوم
ما قلطوه أهل النظر للمشاره
ايضا ولا كل قلط له على سوم
ما راح ظني به ضياع وخساره
ولا غدا به نفعنا دوم مكروم
وصلاة ربي بالخفا والجهاره
على النبي المصطفى دايم الدوم
وأخيرا فهذه بئر الماء العذب الذي كان يرتوي منه الناس في القديم وكانت تعرف بعمارة أصبحت اليوم عند 'أم عمارة' وأصبحت في خانة كثير من الاسماء في الكويت التي دخلت عليه الأمومة مثل أم غطى وأم أرمم وأم قصر وأم الرويسات وغيرها من المناطق في الكويت.
لهذا، ننهي هذا البحث بان نقول انه كانت في الكويت آبار يرتوي منها الناس ببلاش من دون دراهم وفلوس، وهذا ما فعله الشيخ ياسين جد آل القناعات عندما حفر مجموعة من الآبار في طريق الجهراء الى الكويت وذلك في اوائل القرن التاسع عشر.
وفي النهاية هذه العمارة وأم عمارة.
العرض العادي
