أرجو من الأخوة القراء ربط الأحزمة ، فنحن نتوقع أن نواجه مطبات فكرية في رحلتنا ، حيث أننا نحلق على ارتفاع 33000 قدم عن سطح الإقصاء والتقوقع وتكميم الأفواه ...... ونسير بسرعة هائلة من
المكاشفة والمصارحة ..... الحقيقة كالدواء قد يكون طعمها مر لكن فيه الشفاء ، تتعرض هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكثير من النقد ، جزء كبير من هذا التقد غير بريء بالتأكيد ....وله أهداف ربما نجهل أبعادها ....لكن ..... بصراحة ....هل أنتم راضون عن آلية عمل الهيئة ؟!... هل حققت أهدافها ؟!... هل تقوم بعملها الأساس ؟ هل أفرادها مؤهلون للاحتساب ؟... هل أثرت في حياة الشباب ؟ هل قومت سلوكهم ؟... هل أنت راض عن طريقة الدعوة التي يسلكها إخواننا المحتسبون ؟ ولماذا أمر وزير الداخلية بإنشاء جهاز لتطوير عمل الهيئة ؟!..... أسألة كثيرة تخطر على أذهاننا ونبحث عن إجابات مقنعة لها تستند على واقع الحال وفهم الشرع ....طبعاً أنا في هذا المقال أتكلم عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظتنا ... وقبل أن أبدأ أؤكد على أن وجود الهيئة أمر ضروري لانقاش فيه ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم من الدين ولو طوي بساطه لاضمحلت الديانة وظهر الفساد وخربت البلاد .......لكنني أتكلم عن سلوكيات المنتسبين لهذا القطاع وطبيعة عملهم ودرجة تأهيلهم ( علمياُ وسلوكياً ) علهم يقرأون هذه السطور وتتحسن الأمور.... إن الدور الذي يؤديه رجال الهيئة هوذات الدور الذي يؤديه رجال المباحث من حيث التلصص والتجسس، وهو نفس الدور الذي يؤديه رجال الشرطة في القبض والتحقيق .كما أعتقد أن رجل الدين ينبغي أن يكون دوره واعظاً مذكراً بالله على الدوام متفرغاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عالماً بمواقع الحسبة ورعاً حسن الخلق قدوة في سلوكه وأخلاقه مترفعاً عن كل أمر يخدش هيبته ... حتى يكون مؤثراً في الغير . ، فلو عرف صاحب المنكر أن هؤلاء الأشخاص ناصحون له ، لارتفع قدرهم في نفسه ، ولأخذ منهم.... لا أدري لمَ هذه الفجوة بينهم وبين الشباب، فماإن تسأل شاباً إلا تذمر من تصرفاتهم ونقد أسلوبهم ، ويعلم الله أنني كنت كثيراً ماأبرر تصرفاتهم وأخطىء هؤلاء الشباب .... لكنني رأيت تعاملهم مع بعض الشباب أمام عيني وجالست الكثير منهم .... فخلصت إلى أن جلهم يجهلون التعامل مع الناس ، إضافة إلى ضحالة ثقافتهم وتعليمهم ... كنت أتحدث إلى بعضهم عن كيفية حصولهم على المعلومة فأفادوا ... بأن ذلك توفيق من الله عز وجل !!! فتساءلت : كل شيء بتوفيق الله لكن الله جعل لكل شيء سبباً .... فكيف تقومون بالمداهمة بناءً على هذا التوفيق وفي أمور أغلبها يتعلق بأعراض الناس وسمعتهم؟! .... ولماذا تبنون مداهماتكم على أمور ضنية أو بلاغات وهمية؟!...كما أنني تعجبت كثيراً من أنهم يسردون ويقصون مغامراتهم وكأنهم قد فرغوا من قتال عدو أو نصرة مظلوم .... فالأصل أن نبحث عن المنكر ولا نفرح بوجوده . يقول سعيد بن المسيب –رحمه الله- : بلغ عثمان بن عفان –رضي الله عنه- أن قوماً على فاحشة فأتاهم ، وقد تفرقوا ، فحمد الله وأعتق رقبة .والجدير بالذكر أن ابن قدامة المقدسي ذكرأن الحسبة لها خمس مراتب :أولها : التعريف . ثانيها : الوعظ بالكلام اللطيف ، ثالثها : السب والتعنيف ( ولا نعني السب الفاحش ) بل يقال له : ياجاهل ، ياأحمق ، ألا تخاف من الله تعالى ، ونحو ذلك ... رابعها: المنع بالقهر ...خامسها : التخوف والتهديد بالضرب ...
وأنه لا ينبغي للمحتسب أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت الأوتار ، ولا يتعرض للشم ليدرك رائحة الخمر ، ولا أن يمس ماقد ستر بثوب ليعرف شكل المزمار، ولا أن يستخبر جيرانه ليخبروه بما جرى .ولا بد أن يكون مافيه الحسبة منكراً موجوداً في الحال ظاهراً فمن علم بقرينة حاله أنه عازم على الشرب الليلة فلا حسبة عليه إلا بالوعظ ، وكونه ظاهراً احتراز ممن تستر بالمعصية في داره وأغلق بابه ، فإنه لايجوز أن يتجسس عليه ، ويشترط في إنكار المنكر أن يكون معلوماً كونه منكراً بغير اجتهاد، فكل ماهو محل اجتهاد فلا حسبة فيه . إنني أتمنى أن يعاد النظر في كيفية اختيار المنتسبين لهذا الجهاز الهام ، ويستفاد من الدعم اللامحدود الذي توليه الدولة لهذا القطاع بشكل خاص وإلحاق المحتسبين بهذا الجهاز الذي أنشيء لتطوير عمل الهيئة ، فمن كان قابلاً للتطوير استمر ، ومن صعب تقويمه حول إلى قطاع آخر ... فأنا أرى الدور الذي يقوم به المحتسبون ليس كافياً فهم انشغلوا بالمهم وتركوا الأهم ، فلم نر أحداً يوزع كتيبات دينية أو أشرطة إسلامية أو مغلفات دعوية أو مطويات ، وفوق ذلك أسلوب الدعوة يطغى عليه غلظة في القول وسوء في التخاطب....دخل واعظ على الخليفة المأمون ، فقال له :إني واعظك فمغلظ لك في القول ، فقال المأمون : مهلاً..فإن الله قد أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني ، وقال له : ( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )... قال بعض السلف : لايأمر بالمعروف إلا رفيق بما يأمر به ، رفيق فيما ينهى عنه ، حليم فيما يأمر به ، حليم فيما ينهى عنه ، فقيه فيما يأمر به ، فقيه فيما ينهى عنه ....