أبحرت بي هذه الصورة إلى أماكن من ذاتي كنت قد نسيت أنها موجودة ... تأملتها فأحسست رعدة أدركت من خلالها رحمة الخالق عز وجل ..
نعم نحن البشر على ما فينا من سوء وشر ، وظلم وجور، وحقد وحسد .. رحمنا بطة فقدت صغارها في لحظة سذاجة بهيمية ..!!
فكيف بالله عليكم تكون رحمة الله التي وسعة كل شيء ..!!
تأملت هذا وأدركت كمن نحن أشقياء إذ ندعو الله فلا يستجيب لنا ..!! فلو عرفنا الله عز وجل حق المعرفة لما تأخرت الإجابة عن الدعاء أبداً ... فلو أظهرنا الفقر والحاجة ، وأبدينا الذل والانكسار بين يديّ الجبار ، وصدقنا الله في الدعاء لما تأخرت الإجابة أبداً ..
ثم ما هي نسبة رحمتنا لهذه البطة إذا قارناها برحمة الله لنا حال ظهور الحاجة واشتداد الكربة ..
ثم تأملوا معي .. فلقد لاحظت شيئاً لعلكم قد لحظتموه وقطعاً هناك من اكتشفه قبلنا ... وهو أن المصائب إذا بلغت غايتها ووصلت إلى أقصى حدودها تنفرج مباشرة كبزوغ الفجر بعد اشتداد ظلمة الليل ...
اشتدي أزمة تنفرجي ** قد آذن ليلك بالبلج
ولرب نازلة يضيق بها الفتــى *** ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
والسر والله تعالى أعلم : أنه في حال اشتداد المصائب وتلاطم أمواج الكربات .. وانكشاف حقائق الناس ومعادنهم أمام المصاب المكلوم .. وفشل حيله وقلة حيلته .. تضيق عليه الأرض وتنقطع أسباب الدنيا ... عندها يتعلق قلبه بالله تعالى ... فيكون قد حقق التوكل الذي هو أرجى أسباب الإجابة .... فيكون الفرج من الله سبحانه .....
* * *
أحمد الله عز وجل وأحاول أن ألملم نفسي .. فإذا بالصورة تخترق من نفسي حواجز الزمن وتعبر بي الأرض .. وتنقلني إلى هناك ..!!
قبل سبع سنوات وفي مكان ما ليس ببعيد .. ساقتني الظروف لأقف بنفسي على حادثة عجيبة .. فتاة لم تر من الدنيا شيئاً ، 17 عاماً كان عمرها حين استزلها الشيطان فهوت .. ثم ما لبثت أن انكشف أمرها بعد أن تخلى عنها وحش في ثياب بشر .. أحتال عليها أبوها فخرج بها ليدفن ما تبقى من آدميته .. فلما رأت السلاح في يده حاولت الهرب لكن المسدس كان أسرع .. هربت وهي تحمل في صدرها ثلاث رصاصات بينما وقف هو ينتظر النتيجة ..!! وبعد عشرات الأمتار توقفت ثم استدارت ورجعت إلى أبيها .. خطوات ثم وقعت هي على الأرض بينما صعدت روحها إلى السماء ..
هناك وقفت - كما وقف غيري - على هذه الحقيقة .. تساءلت لماذا حاولت العودة ؟!! هل كانت تريد أن تعتذر ؟!! أم كانت تطمع في وجود ذرة أبوة متبقية في أعماق ذلك الكاسر ؟!!
أم أنها تذكرت أنه قبل هذه الحادثة كان أحب أهل الأرض لها وأقربهم إلى قلبها ؟!!
ما الذي كان يدور في خلدها ؟!! أتراها قالت : كم كان حضنه دافئ قبل هذا اليوم ..!! ما الذي كانت تحسه تجاه والدها ؟!! أم أنه لم يكن والدها في تلك اللحظات ..؟!!
حقيقة لا أدري لماذا رجعت إليه وصوت مسدسه لم يهدأ بعد ؟!! لكني أعرف أنها لم تستطع الوصول إليه ..!!