عرض مشاركة واحدة
قديم 18-05-06, 06:35 PM   رقم المشاركة : 1
امــــــ الليل ـــــير
مشرف سابق
الملف الشخصي






 
الحالة
امــــــ الليل ـــــير غير متواجد حالياً

 


 

سيرلنكا.... بلد الشاي الذي "هبط فيه أبونا آدم عليه السلام" !!

سيرلنكا ..عمر الانصاري





هنا هبط أبونا آدم عليه السلام جالبا معه بعضا من بركات السماء وشيئا من نعيم الجنة.. حيث اتفقت عدة روايات لأهل السير على هبوطه عليه السلام بالقارة الهندية، إذ يوجد في أعلى قمة في سيرلنكا اليوم ما يعتقد أنه خطوة النبي آدم التي يصل طولها إلى نحو ذراعين.

في أرض الأحلام والأساطير هذه تواصل التاريخ بأشكال شيقة متعددة في ملحمة اختلطت فيها الأديان والأعراق.. اختلاط حدائق تلك البلاد، التي زرع الله ظاهرها بأنواع من الخيرات يسقيها بغمام لا ينقطع طله.. وباطنها باللؤلؤ والزبرجد والياقوت وأندر الأحجار الكريمة النفيسة.

هذه هي سيرلنكا التي تحاول اليوم تقديم نفسها مجددا إلى العالم العربي محاولة استعادة التاريخ الذي بدأه ابن بطوطة، واختتم بفارس الشعر العربي محمود سامي باشا البارودي الذي قضى 17 عاما في المنفى هناك في جزيرة سرنديب التي صاغ فيها أجمل ألحانه، وشدا فيها أجمل قصائده حيث علم أهلها العربية والإسلام، وحسبها(سيرلنكا) ذلك الشرف.

وقبل أن نبدأ في رحلة قطف الشاي بصحبة فتيات التاميل"ذوات الأصابع الذهبية" فإنه لزاما علينا أن نعيد اكتشاف سنرديب أو سيلان أو سيرلنكا، وكلها أسماء أطلقت في فترات تاريخية متفاوتة على هذه البلاد.. التي تعيش اليوم على أمل إعادة حلقات التواصل مع العالم العربي والإسلامي، وهي جديرة بذلك حيث وجد فيها تجار المسلمين منذ أقدم العصور مكانا لترويج سلعهم، وموطنا لنشر الإسلام، فسيرلنكا تعتز اليوم بذلك الجزء من تاريخها، نجد ذلك ماثلا في إفساح الطريق أمام الجالية السيرلنكية المسلمة التي لا تتجاوز نسبتها 8% وتحتل اليوم الصدارة في المناصب الإدارية، ومكانة عليا بين الطبقة الأرستقراطية في البلاد، كما نجد ذلك في ذاكرتها الوفية في مدينة بنتوتا (نسبة الى ابن بطوطة)، وفي بعض شوارعها الرئيسية التي أطلقت عليها أسماء رموز الثورة العرابية الذين تم نفيهم في نهاية القرن الثامن عشر من قبل الاحتلال البريطاني (عرابي باشا، ومحمود باشا البارودي) وغيرهم.
فسيرلنكا الراقدة في المحيط الهندي امتازت بمحافظتها وقيمها الراسخة وتنوعها الإثني الذي لم يخلق من التنافر شيئا يذكر بقدر ما خلقه من الانسجام والتمازج بين شعبها المكافح، ويبدو أن جزيرتنا هذه قد شمرت عن ساعد الجد لرسم خريطة السياحة ولأخذ نصيبها من سوق السياحة، حيث قامت عدة شركات محترفة برسم ما يمكن أن نعتبره خارطة جديدة للسياحة اتسمت بالمحافظة الشديدة، حيث تعتبر اليوم من أفضل المواطن التي يمكن للأسر المحافظة التوجه إليها للاستمتاع بجبالها الخضراء وحدائقها المعلقة وربيعها الخصب في أجواء آمنة محافظة.

قصة الشاي

في رحلتنا إلى حدائق الشاي التي تبدأ قرب مدينة نوريليا ذات الوجه الجميل الهادئ المتسم بالربيع طوال العام.. تبدأ أسراب من الحمام -كما سيخيل إليك- تغازل ناظريك على مرتفعات المنطقة التي تكسوها حدائق الشاي، لكن المرشد السياحي أكد لنا أن هذه الأسراب ليست سوى قاطفات الشاي اللائي يذهبن في أسراب إلى أعلى مرتفعات جبال نوريليا لقطف محصول الشاي الذي يسقيه الغمام في أعلى القمم مباشرة.
وهنا في هذه الجنان، توجهنا إلى أحد المصانع لمعايشة قصة الشاي الذي جلب بذوره اللورد البريطاني جيمس ستيلار من الصين عام 1867 م محولا مستعمرة سيرلنكا في ذلك الوقت إلى مزرعة شاي للتاج البريطاني.

كانت في استقبالنا مجموعة من قاطفات الشاي، وهن فتيات تاميليات جلبت أجيالهن الأولى من الهند قبل نحو قرنين على أيدي البريطانيين لقطف الشاي، وقد استطاعت أجيالهن الاندماج مع هذه المهنة عبر أجيال وأجيال في رحلة بدأت بما يشبه الرق من قبل الاحتلال البريطاني، ولكن فتيات الشاي أو ذوات الأصابع الذهبية استطعن التأقلم في سيرلنكا بعد الاستقلال خاصة، حيث وجدن الاهتمام والاستقرار والحياة .. فتزوجن وأنجبن أجيالا من قاطفات الشاي، ويبدو أنها المنطقة الوحيدة في العالم التي تعد فيها المولودة الأنثى خيرا من المولود الذكر، فمهنة الأنثى مضمونة هنا لتوفر الحقول وكثرتها.

راقبنا عن قرب أنامل ناعمة وسريعة كالبرق تلامس أعلى الغصن لقطف ورقتين فقط هما أعلى ما في شجرة الشاي بسرعة فائقة وسير حثيث مستمر يخيل إليك أن الأوراق هي التي تتمايل مقدمة أعناقها لقاطفات الشاي، راقبنا هذه الأعجوبة، وحاولنا عبثا أن نشارك بقطف بعض الأوراق لكن هيهات، فقد امتنعت عنا تلك الأوراق مما زرع ابتسامة عريضة على أفواه التاميليات، وكأن لسان حالهن يقول "دعوا القطف لنا واستمتعوا بالشاي"، استمرينا وحملنا معهن بعض السلال المليئة بالشاي، وهناك في المصنع سلمنا سلالنا لنراقب عن كثب عملية الإنتاج، التي تمر بعدة مراحل تبدأ بفرز الورق واستخلاص أفضله، ثم مرحلة تصنيف الشاي وغربلته إلى ما يصل إلى نحو 20 عملية، ينتج في آخرها مالا يقل عن 9 أنواع من الشاي، أفخرها إطلاقا المستخرج من ساق ورقة الشاي ويسمى الشاي الفضي.

ولا شك أن استئثار سيرلنكا بزراعة الشاي كان بسبب مناخها الاستوائي، وهو ما جعل عملية الحصاد مستمرة طوال العام، فالعاملة الواحدة تقطف يوميا ما معدله 20 كيلو غراما، مع الإشارة إلى أن شجرة الشاي يصل طولها إلى نحو 15 مترا، ولكن يتم قطع الشجرة باستمرار ليبقى طولها في حدود متر واحد، وهو ما سيمكن ويساعد في عملية القطف دون أي عناء يذكر.

تجمع المصانع المتعددة حصادها بين حين وآخر ليعرض في مزادات الشاي في العاصمة السيرلنكية كولومبو، وهناك يتنافس سماسرة الشاي الدوليون في المزاد فترتفع الأسهم وتنخفض، حسب جودة المحصول وكميته.

وبحكم الاحتلال البريطاني الطويل فقد كانت صناعة الشاي تحت الإدارة البريطانية المباشرة، وكانت شركة بروك بوند العملاقة صاحبة النصيب الأوفر في هذه الصناعة، استمرت هذه السيطرة حتى عام 1972م تاريخ تأميم صناعة الشاي في سيرلنكا من قبل الحكومة، التي أرادت إنهاء استغلال الشركات العالمية لأرضها عقودا طويلة.

توقعت أثناء الرحلة أن اكتشف نوعا جديدا من أنواع تقديم الشاي في سيرلنكا بحكم زراعته هناك مثل الطقوس الصينية أو المغربية في تقديم الشاي الأخضر، لكن يبدو أن السماور التركي أو الروسي أو العراقي سيبقى أفضل وسيلة يقدم الشاي الأسود بواسطتها.

وفيما يبدو فالسيرلنكيون اكتفوا بالتفنن في زراعة الشاي وحصاده وتصنيعه فقط دون أن يكتشفوا طرقا أو أساليب جديدة لتقديمه، ربما لأن البريطانيين الذين جلبوا الشاي لم يكن اهتمامهم ينصب على ذلك. لكن هذا لم يمنعهم من ابتكار مئات النكهات الذكية والمعطرة، التي يقدم غالبها في شتى فنادق البلاد، ومتاجر الشاي الفاخرة المنتشرة في مدن البلاد، وهناك يمكنك شراء أفضل الأنواع الفاخرة والهدايا القيمة للعودة بأجمل ذكريات أرض سيلان.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن سيرلنكا ليست حديقة الشاي الأولى في العالم فحسب، بل تعد بحكم طبيعتها الخلابة ومناخها الاستوائي واحدة من جنان الله على الأرض، إذ توجد فيها أكبر محميات طبيعية لشتى مخلوقات الله، منها ما اعتبره العلماء أول محمية طبيعية للحياة البرية في العالم يرجع تاريخها للقرن الثالث قبل الميلاد، و"طيور الجنة" التي جعلت هذه البلاد فردوسا لأغرب وأجمل طيور الدنيا التي تصل أنواعها إلى 472 نوعا ، ناهيك عن قمة الفراشات التي تعد أعجوبة من أعاجيب الدنيا ورائعة طبيعية من روائع أرضنا، تلك القمة التي تؤوي قرابة 300 نوع من أجمل وأرق الفراشات التي تعيش في هضبات منخفضة يصل ارتفاعها إلى 3000 قدم فوق مستوى سطح البحر، كما يعيش بعضها في ارتفاع يصل إلى 4 آلاف قدم، تذهب جميعا في هجرات جماعية إلى سري آباد حيث "قدم آدم" (الجبل المقدس عن البوذيين في سيرلنكا).

إنها قصة الطبيعة الخلابة التي تتعايش فيها كائنات الله في تلك الجزيرة الأسطورية الخلابة .. التي أضحت موطنا دائما لعدد من علماء الطبيعة والسياح، الذين يجوبون قممها وأوديتها يستنطقون شلالاتها ومروجها، متأملين قصة بداية الكون بدءا من أثر أبي البشر آدم عليه السلام وانتهاء بسلال النعيم المستمر التي لا يزيدها الحصاد إلا تكاثرا ووفرة، قصة جميلة في أرض سرنديب تستحق أن يعاد اكتشافها مرات ومرات.
* رئيس تحرير موقع باب



منقول لكم لزيادة المعرفه







التوقيع :



لمراسلتي اضغطهنــــــا

رد مع اقتباس