عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-07, 04:21 PM   رقم المشاركة : 10
عاشق التميز
عضو ذهبي
الملف الشخصي






 
الحالة
عاشق التميز غير متواجد حالياً

 


 


لا ريب أن العسكرية الاسرائيلية مهددة تهديد وجود على يد أطفال قانا وأطفال مروحين وأطفال بيت حانون وجميع الأطفال الخطرين الموزعين في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان، وربما في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، فلا يجب أن ينسى المرء أطفال سوريا وايران ومصر، الخ.

قضية القتل الاسرائيلي للأطفال ليست مجرد قضية انسانية. طبعاً مهما قسا المرء وكان متوحشاً، فإن قلبه يتفطر لمشاهد جثث الأطفال المشوهة والممزقة والمتناثرة: إنها الحياة على الأرض تهان وتمزق. ولكن ليست القضية هنا فقط.، القضية هي، أولاً، أن القوات الاسرائيلية هي قوات احتلال، وقوات الاحتلال لا تدافع عن نفسها، وإنما ترتكب الجرائم حيثما وجدت.


ثرثرة الدفاع عن النفس، التي تصدر عن الادارة الأمريكية، والتي ترددها بخنوع الادارات الموالية لها، متطورة أو ثالثية، تقوم بتغييب أهم ما في الموضوع، ألا وهو أن القوات الاسرائيلية قوات احتلال، والقوات الأمريكية وغير الأمريكية في العراق وافغانستان وغيرهما هي قوات احتلال، وهذه لا تدافع عن نفسها بارتكاب القتل، وإنما ترتكب الجرائم، ودفاعها عن نفسها يتم فقط بخروجها من الأراضي التي تحتلها. من يدافع عن نفسه هو شعوب تلك البلدان.


وما سميناه ثرثرة الادارة الأمريكية يطرح أمام العالم المتحضر سؤالاً هاماً وأساسياً هو: إلى أي مدى يقبل المجتمع الدولي حق الاحتلال ويعتبره من الحقوق الطبيعية؟ لقد اعتبره، ويعتبره ضمناً وواقعياً كذلك، عندما اعتبر احتلال غرينادا، واحتلال بناما واحتلال فلسطين وأراض عربية أمراً طبيعياً، وعندما يعتبر احتلال العراق وأفغانستان أمراً طبيعياً. وحق الاحتلال هذا ليس لكل أحد، وإنما هو فقط للإدارة الأمريكية. إن الاقرار بهذا الحق يقع على الرأس في النهاية، وواقع على الرأس في العالم الثالث، فكوريا الشمالية مهددة، وايران مهددة، وسوريا مهددة، بل كل دول العالم الثالث مهددة، ولكن ايضاً، مزقت يوغوسلافيا، ولولا الترسانات النووية، فإن روسيا والصين مهددتان، وربما الحلفاء الأقرب، فرنسا عندما تخالف تفرك أذن ادارتها، وكذلك ألمانيا وبريطانيا.إن ما هو لغوياً ثرثرة: (دفاع الاحتلال عن نفسه)، يؤلف موقفاً خطيراً ضد جميع ادارات الدول، وبوجه خاص ضد جميع الشعوب.


القضية، ثانياً، هي اقرار مبدأ الإبادة من أجل الدفاع عن النفس. فالأراضي الفلسطينية المحتلة تجرف فيها الأراضي، وتقتلع الأشجار وتدمر البيوت، ويقتل البشر، وتحاصر المدن والقرى والبلاد بكاملها، وتحظر الطرقات، وكل ذلك هو دفاع عن النفس. أين المجتمع الدولي داخل الأمم المتحدة وخارجها من القانون الدولي، من الاتفاقات الدولية، من اتفاق 1948 ضد الإبادة، التي أشرفت الادارة الأمريكية على صياغته ووقعت عليه؟ أيضاً قبول حق الادارتين الأمريكية والإسرائيلية بالإبادة دفاعاً عن النفس، هو بمثابة اطلاق يد الجريمة في كل العالم. ربما إدارات بلدان العالم هي أجبن من أن توقف يد الجريمة تلك، ولكنها تستطيع أن تقول، إن الإبادة لا يمكن أن تكون دفاعاً عن النفس، وأن تقول إن ماتقوم به الادارتان الأمريكية والاسرائيلية هو جريمة ضد الانسانية. أي تستطيع ادارات العالم، ولصالحها، أن تدين الفعل، دون أن تكلف نفسها بمقاومته.


القضية، ثالثاً، هي الاغتيالات والخطف. فهذه تؤلف جرائم عادية، تدينها قوانين العقوبات قبل الإدانة الدولية. أما أن تكون هذه الجرائم هي سياسة رسمية معلنة للإدارة الإسرائيلية، وغير معلنة للإدارة الأمريكية covert action، وقبول ذلك في المجتمع الدولي، فإن ذلك يقع على رأس جميع الناس. كل انسان معرض للاغتيال على يد كوماندوس اسرائيلي، أو عصابة تابعة للمخابرات الأمريكية.


قائمة الاغتيالات، والاغتيالات الهامة منها، طويلة: هل يتذكر المرء جمال عبد الناصر، وهواري بو مدين، وقادة أفارقة؟ هل يتذكر المرء ياسر عرفات وأحمد ياسين والرنتيسي، وغيرهم الكثير من المناضلين الفلسطينيين العاديين؟ هل يتذكر المرء الشاعر كمال ناصر وآخرين في عدوان على الأرض اللبنانية، وأبا جهاد وأبا إياد وأبا الهول في عدوان على الأرض التونسية؟ هل يتذكر المرء خطف ايخمن في عدوان على الأرض الارجنتينية؟ وهل يتذكر المرء خطف فانونو (فعنونو) في عدوان على الأرض الانكليزية؟ لا يهم أن يكون المرء مع الضحايا سياسياً، ولكن أيا كانت انتماءاتهم، هل يجوز اغتيالهم؟ ربما تجب محاكمتهم، أو الاتفاق مع هذا البلد أو ذاك من أجل تسليمهم. أما الاغتيال، فهو جريمة عادية.


هل يقبل المجتمع الدولي بالاغتيال كسياسة رسمية لدولة ما كقدر لابد منه؟ ألا يجدر بالمجتمع الدولي الممثل بادارات بلدان العالم، داخل الأمم المتحدة أو خارجها، أن يدين الاغتيال كسياسة لأي دولة؟


الشعوب المستعمرة، أو المنكوبة بالقمع والاذلال بالفقر والتجويع، قد لا تكون في مصلحتها ارتكاب الأخطاء، ولكن وضعها المأساوي يفرز بطبيعة الأمور ظهور قيادات تقليدية أو غير تقليدية تخطئ في فهم ما يقع على الصعيد الدولي، وتتصرف، لا حسب ما يجب، وإنما حسب ما يوحي به لها تصورها، فقد تلجأ إلى تملق المستعمر، أو إلى وسائل مقاومة غير مجدية تنعت حالياً بالارهاب، وترتد بشكل أو بآخر على رأس الشعب الذي يراد الدفاع عنه.


بشكل عام، الطائفية والعنصرية لا يمكن أن تنتجا مقاومة مجدية، لا ضد المستعمر، ولا ضد عنصرية أخرى مسيطرة: ها هي الاقتتالات العنصرية والطائفية قد مزقت يوغوسلافيا السابقة وأسقطتها في سلة النفايات الأمريكية، وكذلك كانت نتيجة الاقتتالات المشابهة في أفغانستان.


وبشكل عام أيضاً تتميز المقاومة الوطنية، أو المقاومة ضد الإستعمار عن الإرهاب بكونها تميز بين الشعوب والإدارات وتقاتل الادارات الاستعمارية، بينما تمد يدها إلى الشعوب. إن مصير الشعوب هو أن تتعايش في النهاية، بينما الكراهية فيما بينها تخدم الاستعمار، وتؤبد سيطرته على العالم.


وبمقدار ما تتخلى الشعوب عن الطريق الطائفي- العنصري، فإنها تسير في الطريق الصحيح من أجل تحررها، ومن أجل خيرها.


وفي هذه المعادلة المعقدة يأتي قتل الأطفال لا من أجل الدفاع عن النفس، بل ولا من أجل الدفاع عن الاحتلال، وإنما تعبيراً عن الحقد الهمجي، حقد العسكرية الاسرائيلية على الفلسطينيين، وحقد الادارة الاسرائيلية على كل ما هو فلسطيني أو عربي؛ ويأتي أيضاً كعامل رعب للفلسطينيين وللبنانيين. إن المرء ليرتعب أمام أشلاء الأطفال الممزقة، ويستسلم في النهاية. ولكن لا الفلسطينيون، ولا اللبنانيون، ولا غيرهم لا يستطيعون أن يستسلموا، ولو أرادوا، لأن الاستسلام هو الموت لهم ولأجيالهم التالية. لقد انتصر الفلسطينيون واللبنانيون على الرعب، وستنتصر الشعوب الأخرى، وفي ذلك حياة الجميع وسقوط الاستعمار.







التوقيع :
[align=center]